الظروف التي واكبت الأحداث المرتبطة بسوريا على مدى الأسبوعين الماضيين لا تبشر بخير بالنسبة لاستراتيجية الارتباط المحدودة التي تتبعها إدارة أوباما. ويقول البعض إن المحادثات في مونترو وجنيف عزلت نظام الأسد بشكل أكبر من ذي قبل، وقدمت المعارضة بصورة إيجابية وقد تحقق تقدماً في المستقبل على الرغم من النتائج غير المشجعة على المدى القصير. بيد أنه في الوقت الذي يرتكب فيه النظام فظائع مروعة تم الإبلاغ عنها مؤخراً، وحيث يستمر القتال بين الثوار، وتحدث تطورات إشكالية أخرى، لا توجد خطة واضحة لدفع دمشق ومؤيديها إلى قبول حتى الأعمال الإنسانية، ناهيك عن وقف حقيقي لإطلاق النار.
يبدو أن عقلية الإدارة الأمريكية تقوم على افتراضين: أولاً، سوف يدرك بشار الأسد وموسكو وطهران في النهاية أنه “لا يوجد حل عسكري”، وثانياً، يمكن إدارة الصراع حتى ذلك الحين من خلال الجهود التي تقودها الولايات المتحدة للحد من “الأعراض” (الأسلحة الكيميائية واللاجئين وفروع تنظيم «القاعدة»، على سبيل المثال)، واحتواء عدوى انتقال العنف على مستوى المنطقة، ومواجهة تحديات أخرى للدور الأمريكي في الأمن العالمي. إن الإشارة إلى اتّباع سياسة أكثر نشاطاً وفاعلية تذكرنا بشبح ظهور مستنقع على غرار ما حدث في ليبيا، عن طريق تمكين أنصار «القاعدة» أو، وفقاً للإدارة الأمريكية، شن “حرب” جديدة.
إن نهج الإدارة القائم على الحد الأدنى من التدخل أمر مفهوم إذا كان المرء يؤمن حقاً أنه قد أفلح على مدار العامين الماضيين. بيد يثير كلا الافتراضين السابقين بعض التساؤلات. إن تردد فريق الأسد المفاوض في سويسرا، والدعم الثابت التي تقدمه كل من إيران وروسيا، وانتهاكات النظام الأخيرة لاتفاق الأسلحة الكيميائية الذي تم التوصل إليه في العام الماضي، والموجات المستمرة للأعمال المروعة على غرار ما حدث في سربرنيتشا – بدءً من تفجير المدنيين بالقنابل البرميلية في حلب في 1 شباط/فبراير وحتى التقرير الجديد الذي يفيد بأن قوات الأسد قامت بتعذيب 11,000 سجين حتى الموت – جميعها أمور تشير إلى استمرار الحرب [في المستقبل المنظور] وازدياد الضرر الذي سيلحق بأي نظام عالمي رشيد. ولا يبدو أن الأسد وأصدقاءه يؤمنون بأنه لا يوجد حل عسكري. فالبعض منهم (الأسد و «حزب الله»)، ينظر إلى الصراع بأنه أمر وجودي، والبعض الآخر (إيران وروسيا)، يراه جوهرياً من الناحية الاستراتيجية، ويبذلون كل ما في وسعهم لتحقيق انتصار مشوش على الأقل على غرار ما حدث في الشيشان. وفي النهاية، وعلى الرغم من صعوبة إلحاق هزيمة كاملة بحركات التمرد، إلا أنه يمكن إضعافها بشدة واحتواؤها، كما رأينا في تركيا وسري لانكا والعراق، وإلى حد ما في أفغانستان. وإذا كان هذا هو الاتجاه الذي يسير فيه الصراع السوري، فإن واشنطن ستواجه في النهاية انتصاراً عسكرياً بحكم الأمر الواقع في قلب منطقة الشرق الأوسط على يد دولة الأسد الرديفة وإيران و «حزب الله» وروسيا، فضلاً عن المأساة الإنسانية والضرر الذي سيلحق بهيبة الولايات المتحدة العالمية.
سوف تشكك هذه النتيجة في الدور الرئيسي الذي لعبته الولايات المتحدة في المنطقة منذ بدء ارتباطها الاستراتيجي – العسكري والدبلوماسي – بدءً من حرب يوم الغفران عام 1973. ويقول بعض المراقبين أن إدارة أوباما – أول “رئاسة عقب الحقبة الإمبريالية منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية”، كما وصفها روبرت كابلان مؤخراً – قد لا تكترث لذلك التحول في الأحداث. ربما يكون ذلك صحيحاً، لكن هذا ليس بالتأكيد ما أعلنته الإدارة على مسامع العالم والشعب الأمريكي في السياسة التقليدية إلى حد كبير، التي تقوم على مواصلة الارتباط بالشرق الأوسط والتي وضعها الرئيس الأمريكي نفسه في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر. إن شبه الانتصار على يد الأسد سوف يعرّض تلك السياسة لخطر بالغ.
وبالإضافة إلى الفهم الواضح على ما يبدو لمخاطر سياسة الارتباط في أضيق الحدود في سوريا، بالغت الإدارة الأمريكية أيضاً في سرد مخاطر الارتباط الجاد. ويقيناً، يمكن للمرء أن يتعاطف مع وجهة النظر هذه في ضوء سابقة العراق وأفغانستان. ومع ذلك، فإن هذه الإدارة، مثلها مثل جميع الإدارات الأمريكية السابقة منذ عام 1945، نجحت في خوض عدة عمليات عسكرية لم تصل إلى حد الحرب – في ليبيا، ضد تنظيم «القاعدة»، ضد القراصنة الصوماليين، وضد الأعداء المستهدفين في العراق عام 2011 – من دون الانزلاق إلى أسفل “منحدر زلق” أو تكبد خسائر كبيرة أو تكاليف أو إشعال غضباً شعبياً عارماً. فلماذا لا تقوم بمثل تلك العمليات ضد سوريا؟
النظر في استخدام القوة
[هناك الكثير من العمليات التي] تنطوي على مخاطر بما في ذلك الارتباط العسكري الأكثر محدودية، لذا فإن القيام بعمليات في سوريا سوف يمثل تحديات عسكرية محددة. ولكن هذه المخاطر تبدو مقبولة عندما يُقرّ المرء بأمرين: أولاً، أن عدم القيام بأي شيء هو الخيار الأكثر خطورة، كما مبين أعلاه، وثانياً، أن العمل العسكري في سوريا له هدف يمكن تحقيقه. ولا يشكل هذا الهدف انتصاراً عسكرياً أمريكياً في حد ذاته، وإنما “دعم للدبلوماسية” من خلال إقناع دمشق وطهران وموسكو بأن واشنطن سوف تفعل ما هو ضروري لمنع الأسد من تحقيق انتصار عسكري. ولن ينتهي الصراع السوري بطريقة مقبولة للمصالح القومية للولايات المتحدة ما لم يتم الضغط على الأسد وحلفائه إلى درجة إدراكهم بأن التوصل إلى حل وسط عن طريق التفاوض أفضل من الاستمرار في الحرب.
ومن الناحية النظرية، لا ينبغي أن يكون ذلك خطوة صعبة بالنسبة للبيت الأبيض، لا سيما في ضوء رسالة التذكير في خطاب حالة الاتحاد الذي قال فيه الرئيس بأن النجاحات الدبلوماسية الأخرى – بشأن برنامج إيران النووي والأسلحة الكيميائية السورية – لم تتحقق سوى بفضل التهديدات العسكرية الأمريكية. بيد أن الإدارة تبدو مصممة تقريباً في معارضتها لاستخدام القوة، بغض النظر عن محدوديتها، وتقوم بالتغطية على هذا الموقف من خلال الادعاء بأن أي عمل عسكري سيكون بمثابة شن حرب على نطاق حرب العراق.
وفي الواقع، تستطيع الولايات المتحدة أن تتخذ عدة خطوات لمساعدة المعارضة السورية عسكرياً مع أقل قدر من الانخراط المباشر. ويمكن أن تبدأ هذه الجهود بتسليح أكثر سرعة وعلى نطاق أكبر لأي شخص يقاتل الأسد بفاعلية [بحيث لا يكون] إلى جانب «القاعدة»، مع تجنب الجماعات المتطرفة التي تدور في فلك «التنظيم» مثل «جبهة النُصرة» و جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» [تنظيم «داعش»]. وتستطيع واشنطن أيضاً تعزيز قدرات الدفاع الجوي لفصائل معارضة موثوقة، بتزويدها بمختلف نظم الدفاع الجوي الصاروخي المحمولة على الكتف و/أو اتخاذ إجراءات مباشرة ضد طائرات النظام وصواريخه. ويمكن استكمال ذلك باتخاذ خطوات عسكرية أمريكية رمزية على غرار العمليات السابقة في البوسنة، مثل الإسقاط الجوي للطعام في حمص بعد رفض النظام التفاوض على فتح ممرات للإغاثة.
وفيما يتعلق بقلق الإدارة المفهوم بشأن شبكة الدفاع الجوي السورية، نجحت القوات الأمريكية في القيام بعمليات ضد شبكات مماثلة مزودة بمعدات روسية في كوسوفو والعراق وليبيا، في حين نفذت إسرائيل عمليات جوية محدودة في سوريا نفسها. وإلى جانب التشويش المباشر على الشبكة، تمتلك الولايات المتحدة قدرات غير عادية لتهديد أهداف عسكرية سورية رئيسية في حالة تعرض الطائرات الأمريكية للتهديدات. وكما هو الحال في أي من عمليات مقاومة التمرد، تعتمد القوة التقليدية للنظام بصورة كبيرة على القيادة والاتصالات، وقدرة التحرك والقوة النيرانية، والقوة الجوية، التي تعتمد بدورها على أهداف ناعمة نسبياً مثل مستودعات الوقود، ومصافي النفط، والمطارات، ومخازن الذخيرة، والبنية التحتية الكهربائية، والرادارات، ومرسلات الإذاعة، والمقرات، وغالباً ما تكون مركزة لكي تستطيع صد هجمات الثوار بشكل أفضل. ويمكن لأسلحة المواجهة الأمريكية أن تحدث اضطراباً شديداً في هذه الأهداف إذا لزم الأمر.
ومرة أخرى، فإن أي عملية عسكرية تنطوي على مخاطر، ويجب ترك التفاصيل المحددة حول ما هو الأنجع لسوريا للمختصين. ولكن بمجرد منح الجيش الأمريكي مهمة يمكن إنجازها ويتوفر لها الدعم السياسي، فإنه سيكون مجهزاً بشكل جيد ولديه الخبرات اللازمة للخروج بحلول. وفي هذه الحالة، سوف تتركز المهمة على وضع المزيد من العوائق الكافية أمام الجيش السوري من أجل تسهيل هدفين دبلوماسيين: أولاً، إقناع المعارضة والأنصار الإقليميين بدعم سياسة مشتركة تقودها الولايات المتحدة التي ستكون حينها “صاحبة مصلحة”؛ ثانياً، استغلال هذه المصداقية العسكرية المتجددة والتحالف الإقليمي لإقناع دمشق وإيران وروسيا بأنه يجب أن يبدأوا بالتفاوض بجدية. ولن تحصل الولايات المتحدة على كل ما تريده من هذه المفاوضات، لكنها ستحصل على ما سوف يتجاوز كثيراً ما يمكن أن تتمخض عنه الجهود الحالية.
السفير جيمس إيف. جيفري هو زميل زائر مميز في زمالة فيليب سولوندز في معهد واشنطن.