مثلما…
مثلما عزف فالديك سبيلمان، بطل فلم عازف الكمان، مع الأوركسترا مقطوعة “رقصة البوليزي الكبرى” لشوبان في حضور جمهور كبير، بالعاصمة بولونيا وارسو عام 1945، بعد هزيمة ألمانيا النازية وانسحابها من البلاد في الحرب العالمية الثانية، يسعى عازفو فرقة “شباب مخيم اليرموك” في جنوب دمشق، إلى العزف في جبل قاسيون، بعد أن يعم الأمن والسلام في مختلف أنحاء البلاد، خالية من أي سلاح.
ومن بين الدمار وركام المباني، ينقل أفراد الفرقة آلة “البيانو”، لتبدو وكأنها تنوء بأعباء وهموم المحاصرين، بهدف نقل آهات الجرحى والجائعين والمحاصرين، عسى تصل أصواتهم إلى مسامع من هم خارج المخيم، لإنقاذهم من الوضع الكارثي الذي أصابهم منذ نحو عام.
عازف البيانو أيهم أحمد أحمد، يبلغ من العمر 26 عاما، ملحن وعازف، درس في المعهد العالي للموسيقا، متزوج وله ولد واحد، وينحدر من عائلة موسيقية.
بعد أن اشتد الحصار والجوع على مخيم اليرموك، قرر مع مجموعة من الشباب، أن يرسلوا من خلال الموسيقى رسالة الى كل العالم، من بين الركام، أن هنالك اناسا يفضلون الموسيقا على صوت الرصاص، فاجتمع 10 شباب إلى جانب إيهم. إضافة إلى والده، مشكلين فرقة “شباب مخيم اليرموك”، راحت تعزف وتغني في شوارع المخيم، وفي الاماكن التي تعرضت للقصف، للتعبير عما يجول بخاطرهم مما يدور، ويوثقوا للعالم عبر الموسيقا والأغاني الوطنية، محنة الفلسطينيين الثانية، بعد نكبتهم الأولى عام 1948.
يقول أيهم مؤسس الفرقة، إنه “لا يتبع لأي جهة سياسية، ولا يتلقى تمويلا من أحد، بل مجموعته من الشباب الذين وحدتهم المعاناة والحصار، وتضم والده، عازف الكمان والملحن أيضا، بالاضافة الى كونه صانع آلات موسيقية، رغم أنه ضرير”.
ويضيف أيهم في تصريحات للأناضول، أنهم “اجتمعوا وعزفوا وغنوا لمخيم اليرموك، للانسان المحاصر، للطفل الجائع، ولأرواح الشهداء الذين قضوا جوعا، وأرادوا من خلال ذلك لفت أنظار العالم الى مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناته في مخيمات الشتات”.
وكشف أيهم أنهم “ألّفوا في الفرقة ألحانا للمخيم من قلب الحصار والدمار، من أجل أن تصل للخارج”، متمنيا “وصول رسالتهم بعد ان تجاوز عدد شهداء سياسة التجويع 100 قتيل، وأن لا يزيد العدد أكثر من ذلك”، واصفا وضع المخيم بأن “الشهداء بشكل عام لا يعدون ولا يحصون”.
من ناحيته قال أحمد أحمد، والد أيهم إن “الموسيقا لغة الروح، وليست بحاجة الى مترجم، تصل الى كل الناس بدون حواجز، ونحن نغني لنخاطب ضمائر العالم، فهناك 100 شهيد قضوا جوعا، وهؤلاء ليسوا مجرد أرقام”.
وتمنى أحمد “أن يعود مخيم اليرموك كما كان سابقا، يضج بالحياة، وتعم وجوه الجميع البسمة والفرحة، ويكون مخيما محايدا”.
أما عضو المجموعة محمود، فيؤكد أنهم “اختاروا الموسيقا والفن، لأنها الأقرب إلى الإنسان من دون حواجز، في محاولة لإعادة البسمة والسعادة لأطفال المخيم، ولتجفيف الدموع التي نزفت فيه منذ نحو عام، مع وجود نحو 100 شهيد قضوا جوعا”.
وتوجه محمود بالدعاء إلى “الله لإعادة المخيم إلى السلام والأمان من دون سلاح، تعم فيه الموسيقا والسلام والأفراح، وفي كل سوريا أيضا، ليعودوا للغناء في جبل قاسيون، والمزة، بدمشق وفي كل مكان”.
ويقول الطفل “عزوز″، بأنه “عضو في فرقة شباب المخيم، وخرج ليسمع صوته وصوت أطفال المخيم من خلال الفرقة إلى الخارج”.
ويتحدث فيلم “عازف البيانو” عن السيرة الذاتية والدراما والحرب. وهو من إخراج رومان بولانيسكي وتأليف رونالد هاورد، وبطولة أدريان برودي، أنتج في 2002، ومأخوذ عن السيرة الذاتية التي تحمل نفس الاسم لعازف البيانو البولندي فالديك سبيلمان، حيث فاز الفيلم بجائزة السعفة الذهبية، في مهرجان كان السينمائي نفس العام.
وكان سبيلمان يعزف في محطة الإذاعة البولندية التي تعرضت للقصف الألماني لتتهدم بتأثير القنابل، مع اشتعال الحرب العالمية الثانية في أيلول/سبتمبر من عام 1939، ومع احتلال ألمانيا لمدينة وارسو، تدهورت الظروف المعيشة، وأجبرت عائلته للانتقال إلى معسكر الإبادة بتريبلينكا، ليتم إنقاذه من هناك.
ومع تصاعد المقاومة البولندية بوارسو في نيسان/إبريل عام 1943، يكتشف ضابط ألماني مكان العازف، ويعرف حقيقته، فسأله أن يعزف له على بيانو قريب منهما، فعزف مقاطع بسيطة، هزَّت الضابط الذي سمح له بالاختباء في أعلى منزل خال، إلى حين انتهاء الحرب وانسحاب ألمانيا. وبعد انتهاء الحرب عزف مع الأوركسترا مقطوعة “رقصة البوليزي الكبرى لشوبان” في حضور جمهور كبير، في العاصمة وارسو عام 1945.