أولاً: الأهمية والموقع
تعد…
أولاً: الأهمية والموقع
تعد داريا أكبر مدن الغوطة الغربية للعاصمة دمشق جنوبي سوريا، وهي مركز إداري يتبع له عدد من المناطق والبلدات المجاورة لها، ما جعلها مركزًا تجاريًا يشهد إقبالاً كبيرًا قبل اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011 التي كان أبناؤها من أوائل المشاركين فيها.
وكانت داريا تشتهر بصناعة الأثاث، حيث يعمل كثير من سكانها في تلك المهنة، وكان يتوافد معظم سكان العاصمة وباقي المدن السورية إلى سوقها الرئيسي المتواجد في شارع “الثورة” لشراء مستلزماتهم منها، كما كان يعمل عدد كبير من سكان المدينة بزراعة العنب وارتبط اسمها بهذا النوع من الفاكهة.
وتمتلك داريا موقعًا استراتيجيًا كونها تحاذي حي المزة الدمشقي الشهير وسط العاصمة، كما أنها تحاذي عددًا من الطرق الرئيسية مثل “أوتوستراد المزة” و”أوتوستراد درعا الدولي” وطريق “المتحلق الجنوبي”.
كما أنها تمتلك موقعًا أمنيًا حساسًا حيث تقع بمحاذاة مطار المزة العسكري، ومقر المخابرات الجوية الواقع ضمن كتلة المطار، كما أنها تقع بين مساكن عديدة لعناصر وقيادات الحرس الجمهوري، وهي من قوات النخبة التابعة لجيش النظام السوري، كما أنها قريبة أيضًا من مركز انطلاق حافلات السومرية (التي تصل العاصمة بالمناطق الجنوبية من البلاد).
ويتواجد في محيط داريا مقرات للفرقة الرابعة التابعة للحرس الجمهوري، وسرايا الصراع (الحرس الجمهوري سابقًا)، كما يفصلها مسافة قريبة عمّا يسمى “المربع الأمني” في منطقة كفرسوسة والذي يضم مقرات قيادات معظم الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، وكذلك الأمر بالنسبة لقصر “الشعب” الرئاسي.
ثانيًا: دورها في الثورة
تعتبر داريا من أولى المدن التي دعا أبناؤها للتظاهر ضد النظام السوري، مع خروج أول مظاهرة في سوريا بسوق “الحميدية” بقلب العاصمة دمشق في 15 مارس/آذار 2011، كما شارك عدد منهم في اليوم التالي في اعتصام “16 آذار” الشهير أمام مبنى وزارة الداخلية حيث اعتقلت قوات الأمن مجموعة منهم (ثلاثة شباب وفتاتان).
وبالتزامن مع ذلك شرع بعض الأهالي بحملة لكتابة عبارات مناهضة للنظام على جدران المدارس في المدينة، فيما انطلقت أولى المظاهرات في شوارع المدينة في 25 من الشهر نفسه، وواجهتها عناصر الأمن والشبيحة (ميليشيات مسلحة موالية للنظام) بالحجارة وإطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع.
وفي 22 أبريل/نيسان 2011 أو في ما أطلق عليها ناشطون بـ”الجمعة العظيمة” خرجت مظاهرة حاشدة في المدينة شارك فيها قرابة 15 ألف متظاهر، بحسب ناشطين إعلاميين تابعين للمعارضة.
وقام المتظاهرون في تلك الجمعة بإزالة تمثال للرئيس الراحل حافظ الأسد وآخر لابنه المتوفى باسل من الشارع المسمى باسمه داخل المدينة، وقتل وقتها 3 متظاهرين وجرح أكثر من عشرين آخرين بتصدي قوات الأمن للمظاهرة، بإطلاق الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع، حسب ما ذكر الناشطون أنفسهم.
وشارك في تشييع القتلى الثلاثة في اليوم التالي نحو 40 ألفًا من أبناء المدينة والمناطق المجاورة، وأعلن الحداد في المدينة لمدة ثلاثة أيام، ونظم بعدها الناشطون اعتصامات ليلية بشكل يومي.
كما خرجت مظاهرات حاشدة فيها في أيام الجمع اللاحقة، قبل أن تجتاحها قوات النظام لعدة مرات بالدبابات والعربات العسكرية بمشاركة قوات من الحرس الجمهوري، وتقتل وتعتقل العشرات من أبنائها، بحسب ذات المصدر.
ثالثاً: “المجزرة العظيمة”
شنّت قوات النظام السوري حملة عسكرية بريّة ضخمة شارك فيها آلاف العناصر من الفرقة الرابعة و”الشبيحة” ونحو 30 دبابة ومدرعة عسكرية استمرت ما بين 20 إلى 27 أغسطس/آب 2012، مترافقة مع قصف مدفعي وصاروخي بالتزامن مع قطع الكهرباء وكافة وسائل الاتصالات عن أحياء المدينة، في ظل إغلاق جميع مداخلها من جميع الجهات، ولم يفلح بعض مسلحي المعارضة في صدّها، بحسب ما ذكرت منظمات حقوقية معارضة.
ونفذّت القوات المقتحمة إعدامات ميدانية بحق العشرات من المدنيين الذي كانوا يحاولون الفرار من المدينة، أو من الذين لجؤوا إلى أقبية بعض المنازل فيها، وقدّرت المنظمات الحقوقية التابعة للمعارضة بالإضافة إلى ناشطين إعلاميين معارضين من المدينة عدد ضحايا ما أسموه “المجزرة العظيمة” ما بين 500 إلى 700 مدني على أقل تقدير.
رابعًا: بداية الحصار
بعد “المجزرة العظيمة” انسحبت قوات المعارضة من المدينة وسيطر جيش النظام عليها بشكل مؤقت، قبل أن تنشب معارك بين الطرفين لا تزال مستمرة حتى اليوم، واستطاعت المعارضة المسلحة المعروفة بـ”الجيش الحر” السيطرة على نحو 70 بالمئة من مساحة المدينة فيما تسيطر قوات النظام على أطرافها وبعض من أحيائها في الجهة الغربية المحاذية لمطار المزة العسكري.
وفرضت قوات النظام مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 حصارًا على المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة في المدينة، وأحكمت الحصار مع بداية يناير/ كانون الثاني من العام الماضي ولا يزال مستمرًا حتى اليوم، ولم تفلح محاولات قوات النظام المتكررة في اقتحام المدينة أو محاولة استعادة المناطق التي خسرتها طوال تلك الفترة مع تصدي قوات المعارضة لها.
خامساً: تحت الحصار
أعلن الائتلاف السوري المعارض لنظام بشار الأسد، الأسبوع الماضي، أن نحو ألفي شخص قتلوا وهجّرت نحو 19 ألف عائلة عن منازلها في مدينة داريا؛ نتيجة قصف وحصار قوات النظام للمدينة منذ 14 شهرًا.
وفي إحصائية أصدرها، ووصل وكالة “الأناضول” نسخة منها، ذكر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أن 1960 شخصًا قتلوا و18 ألفًا و992 عائلة هجّرت عن منازلها خلال 14 شهرًا من القصف والحصار من قبل قوات النظام السوري على مدينة داريا.
وأضافت الإحصائية أن المدينة التي كان يبلغ عدد سكانها قبل الحصار، 250 ألف نسمة، هجرها نحو 95% من سكانها خلال فترة الحصار.
وأوضحت أن عدد السكان المحاصرين منذ أشهر يبلغ اليوم نحو 7 آلاف مدني، في حين أن عدد المعتقلين في سجون النظام 1608 أشخاص.
وبيّنت الإحصائية أن قوات النظام السوري قصفت المدينة بنحو 110 براميل متفجرة، إضافة إلى القصف الصاروخي والمدفعي، وأن نسبة الدمار التي لحقت بمبانيها بلغ نحو 70%.
والبراميل المتفجرة هي سلاح سوفيتي قديم، عبارة عن براميل معدنية محشوة بمواد شديدة الانفجار إضافة إلى برادة حديد وشظايا معدنية، واعتاد النظام السوري استخدامها مؤخرًا في قصف المناطق السكنية خاصة في ريف دمشق وحلب (شمال).
ولم يتسنّ الحصول على تعليق فوري من قبل النظام السوري على ما أورده الائتلاف في الإحصائية التي أعدها عن ضحايا القصف والحصار على داريا.