قالت منظمة هيومن رايتس المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان: إن القانون الجديد الذي أعدته الحكومة السعودية لمكافحة الإرهاب ينتهك الحق في سلامة الإجراءات القانونية والمحاكمة العادلة، ويشمل ضمن عيوبه الجسيمة أحكاماً مبهمة وفضفاضة تسمح للسلطات بتجريم حرية التعبير، وبإقرار سلطات مفرطة للشرطة دون إشراف قضائي.
ونشرت الجريدة الرسمية للحكومة، جريدة “أم القرى”، النص الكامل للنظام الجزائي لجرائم الإرهاب وتمويله(قانون الإرهاب) بتاريخ 31 يناير/كانون الثاني 2014، مشيرة إلى أن القانون سيدخل حيز التنفيذ في الأول من فبراير/شباط.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “كان الملك عبد الله معدوداً فيما مضى ضمن الإصلاحيين الحذرين، إلا أن قانون الإرهاب الجديد قد يمحو عقداً كاملاً من التقدم المحدود. بدلاً من رفع القيود عن المجتمع السعودي، يقوم الملك بتمكين سلطات العدالة الجنائية من توقيف ومحاكمة نشطاء سلميين إلى جوار الإرهابيين المشتبه بهم”.
ويختلف قانون الإرهاب إلى حد بعيد عن مسودة من عام 2011، وبالأخص من حيث إزالة كافة الخطوط الإرشادية الخاصة بتوقيع العقوبات، وإزالة حظر شامل على المشاركة في مظاهرات، وإزالة أحكام كانت تقضي بتجريم الأقوال كتكفير الدولة أو الملك كشكل من أشكال التشهير. ومع ذلك فقد أبقى القانون على تعريف غامض وفضفاض للإرهاب من شأنه فعلياً تجريم أية أقوال تنتقد الحكومة أو المجتمع، كما منح وزير الداخلية السلطة القانونية لسجن أشخاص أو مراقبة اتصالاتهم وبياناتهم المالية بدون إشراف قضائي.
ينص القانون الجديد على تعريف الإرهاب بأنه:
كل فعل يقوم به الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، بشكل مباشر أو غير مباشر، يقصد به الإخلال بالنظام العام، أو زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة، أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر، أو تعطيل النظام الأساسي للحكم أو بعض مواده، أو الإساءة إلى سمعة الدولة أو مكانتها، أو إلحاق الضرر بأحد مرافق الدولة أو مواردها الطبيعية، أو محاولة إرغام إحدى سلطاتها على القيام بعمل ما أو الامتناع عنه، أو التهديد بتنفيذ أعمل تؤدي إلى المقاصد المذكورة أو التحريض عليها.
ولا يأتي هذا التعريف على ذكر الأركان التي تحدد تعريف الإرهاب في بلدان أخرى، من قبيل قصر تعريف الإرهاب على العنف أو غيره من الأفعال التي يقصد بها بث الرعب في عموم السكان وإرغام الحكومة على القيام بعمل معين أو الامتناع عنه.
وقد يسهل هذا القانون على الحكومة ملاحقة وسجن النشطاء السلميين، بحسب هيومن رايتس ووتش. في 2013 قامت محاكم سعودية بإدانة نشطاء بارزين من جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية ـ وبينهم عبد الله الحامد، ومحمد القحطاني، وعبد الكريم الخضر ـ بتهم تشمل “الإخلال بالنظام العام”. ويقضي الثلاثة جميعاً أحكاماً مطولة بالسجن، كما يجري احتجاز فاضل المناسف، الناشط في المنطقة الشرقية، ومحاكمته أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في المملكة العربية السعودية، لقيامه ضمن تهم أخرى بـ “التواصل مع جهات إعلامية خارجية تسعى إلى تضخيم الأخبار والإساءة إلى حكومة المملكةالعربية السعودية وشعبها”.
ويلجأ القانون إلى تعريف أضيق للإرهاب في بنوده المنطبقة على المواطنين السعوديين في الخارج وعلى الأجانب خارج المملكة، إلا أنه يشتمل أيضاً على البند الفضفاض المتعلق بالعمل على “المساس بمصالح المملكة أو اقتصادها أو أمنها القومي أو الاجتماعي”، وهو ما يمكن أن ينطبق على أي انتقاد سلمي للسلطات السعودية في الخارج.
وقال جو ستورك إن “القانون الجديد يرسل رسالة مفزعة لا للنشطاء السعوديين على الأرض فقط، بل أيضاً للصحفيين والمنظمات الدولية في الخارج التي تمحص سجل السعودية الحقوقي، تفيد بأنه من الممكن استهدافهم بالملاحقة في المملكة”.
ويمنح القانون الجديد سلطات واسعة لوزير الداخلية من شأنها تقويض حقوق المتهمين في سلامة الإجراءات الواردة في القوانين السعودية القائمة، فالقانون الجديد يفوض وزير الداخلية في الأمر بتوقيف مشتبهي الإرهاب دون المرور على النائب العام، إضافة إلى سلطات كاملة للاطلاع على البيانات الخاصة باتصالات المشتبه به ومعاملاته المصرفية، وكل هذا دون إشراف قضائي.
كما يمنح القانون وزير الداخلية الحق في تخفيف الحكم على أي شخص يدان بموجب قانون الإرهاب أو وقف الإجراءات الجنائية بحقه، ويمنح المحكمة الجزائية المتخصصة ـ أو محكمة الإرهاب السعودية ـ سلطة سماع الشهود والخبراء دون حضور المتهم أو محاميه، ولا يلزم المحكمة إلا بإطلاعه على محتوى الشهادة، مما يضع العراقيل أمام حقه في الطعن على تلك الأدلة.
وعلى الشخص الذي يدعي التعرض للتوقيف أو الاحتجاز أو الملاحقة ظلماً أن يلتمس التعويض من وزارة الداخلية أولاً ثم من المحكمة الجزائية المتخصصة، بدلاً من المحاكم الإدارية الطبيعية.
ويقصر القانون حق المشتبه به في التواصل مع محام على وقت غير محدد، تعينه هيئة التحقيق، وليس أثناء الاستجواب بحسب النص الصريح لنظام الإجراءات الجزائية السعودي. كما أن القانون يرفع الأجل القانوني الحالي لمدة احتجاز المشتبه به على ذمة المحاكمة من 6 إلى 12 شهراً، قابلة للتمديد دون أجل مسمى بأمر من المحكمة، ويسمح باحتجاز مشتبهي الإرهاب بمعزل عن العالم الخارجي من 60 إلى 90 يوماً من تاريخ التوقيف. وبحسب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني ب التعذيب فإن “أكثر وقت يمارس فيه التعذيب هو أثناء الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي”.
وينص القانون أيضاً على مراكز تأهيل متخصصة بدأت العمل بالفعل في أنحاء البلاد على أساس قانوني، بهدف “تصحيح المفاهيم الخاطئة لديهم” و”تعميق الانتماء الوطني” لأي شخص يشتبه في تورطه في الإرهاب. ويمنح سلطات العدالة الجنائية الحق في إرسال مشتبهي الإرهاب إلى تلك المراكز بدلاً من الاحتجاز والملاحقة القانونية. قالت هيومن رايتس ووتش إن منح السلطات الحق في إرغام أشخاص لم تتم إدانتهم بجريمة على ارتياد مراكز تأهيلية هو انتهاك للحق في افتراض البراءة.
وقال جو ستورك: “إن قانون الإرهاب الجديد يمنح المسؤولين السعوديين أداة لإسكات أي شخص يقول أي شيء لا يروق لهم، وكل هذا باسم مكافحة الإرهاب”.