“هل تدفع لغة “المصالح…
“هل تدفع لغة “المصالح المشتركة”، حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، للتقارب مع “عدوها اللدود” محمد دحلان القيادي المفصول من حركة (فتح)؟”.
سؤال بات مطروحا بقوة على الساحة الفلسطينية مؤخراً، بعد تداول تسريبات تفيد بوجود “خط اتصال”، بين الجانبين، دفعتهما إليه “المصالح المشتركة”، و”الأزمة” التي يعيشها الطرفين.
فحماس التي تدير قطاع غزة منفردة منذ صيف عام 2007، تعيش أزمة خانقة جرّاء تشديد السلطات المصرية للحصار عليها، عبر إغلاق أنفاق تهريب البضائع، ومعبر رفح، على الحدود مع مصر، في أعقاب عزل الرئيس محمد مرسي، وهي بحاجة إلى من يساعدها في تخفيف حدة الحصار.
أما دحلان، فقد فُصل من حركة فتح منتصف عام 2011، ويتعرض للإقصاء الكامل من قبل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ويتواجد في دولة الإمارات العربية المتحدة، بعيداً عن مناطق نفوذه في غزة، وهو بحاجة إلى من يساعده في العودة للمشهد الفلسطيني، واستعادة مكانته المفقودة، كما يرى مراقبون.
خط الاتصال بين دحلان وحماس، أكده مصدر مقرب من الأخيرة، للأناضول، والذي لفت إلى وجود أدلة لمثل هذا التقارب بين الطرفين، منها سماح حماس بعودة ثلاث شخصيات مقربة من دحلان لغزة، وهم ماجد أبو شمالة، وسفيان أبو زايدة، وعلاء ياغي”.
المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه، قال إن “هؤلاء الثلاثة (أبو شماله، أبو زايدة، ياغي) معروفون بقربهم الشديد من دحلان، وهم غير مقربين من الرئيس عباس″، متسائلاً” فلماذا تسمح حماس لهم بالعودة؟”.
وعادت الشخصيات المذكورة لغزة، نهاية الشهر الماضي، تنفيذا لمبادرة أعلنها رئيس الحكومة المقالة في غزة، اسماعيل هنية، تقضي بسماح حكومته بزيارة نواب المجلس التشريعي عن حركة “فتح” للقطاع، وعودة كوادر من الحركة كانوا قد غادروا القطاع خلال أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007، والإفراج عن بعض المعتقلين.
ويفسر المصدر المقرب من حماس، عودة حلفاء دحلان إلى القطاع، ومنحهم حرية العمل هناك، بوعود قطعها الأخير بـ”العمل على تخفيف الحصار المصري عن قطاع غزة، وذلك بحكم علاقاته مع السلطات في مصر”.ولعل من مؤشرات هذا التقارب (الدحلاني الحمساوي) اللغة التصالحية التي تحدث بها دحلان على صفحته الشخصية عبر موقع “فيسبوك” الأسبوع الماضي، معقباً على عودة عدد من القادة المقربين له لغزة، قائلاً:” الفلسطيني الحق، متسامح القلب مع أبناء وطنه، وبطبعه يهفو الى الوحدة ويكره الانقسام”.
وأضاف أن “إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، هي مهمة فلسطينية بامتياز (..) ما لم نتحد ونعمل بحيوية وحكمة وسرعة ، فإننا أمام أيام وسنوات صعبة وقاسية”.
وأعلن دحلان عن دعمه للجنة فصائلية يتم تشكيلها حاليا تحت مسمى ” اللجنة الوطنية للتنمية والتكافل الاجتماعي”، مهمتها إدخال مساعدات إنسانية إلى غزة، مضيفا:” آمل أن يكون العمل الإنساني الإيجابي رافعة لتوحيد الصفوف ومقدمة لإنهاء الانقسام”.
كما هاجم دحلان الرئيس الفلسطيني بقسوة قائلا:” أقول لمن يفاوض بقصور وعجز ويحاول أن يجعل مني أو من غيري شماعة لفشله وعجزه في إنجاز الحد الأدنى ..لا تتحجج بي أو بغيري، ربما تنقصك الشجاعة لأسباب وطنية و أخلاقية لإعلان فشل المفاوضات”، وذلك في إشارة منه إلى المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية التي انطلقت أواخر يوليو/تموز الماضي، ولم يعلن حتى اليوم عن أية نتائج لها.
وتتشكل اللجنة الوطنية للتنمية والتكافل الاجتماعي، من أعضاء يمثلون ستة فصائل فلسطينية، هي (الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وحماس، وفتح، والجهاد الإسلامي، وحزب الشعب)، وستعمل على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ومد جسور التواصل بين أبناء الفصائل على الأرض، بحسب القيادي في حركة حماس، صلاح البردويل، للأناضول.
وتضم هذه اللجنة، ماجد أبو شمالة، وأشرف جمعة، وعلاء ياغي، عن حركة فتح، فيما تضم عن حركة حماس، صلاح البردويل، وإسماعيل الأشقر، وغازي حمد، وعن حركة الجهاد الإسلامي تضم، خالد البطش، بالإضافة إلى ممثلين عن الجبهتين الشعبية، والديمقراطية، وحزب الشعب.
مراسل الأناضول في غزة، طرح تساؤل مدى صحة التقارب بين حماس ودحلان، على القيادي في حماس، صلاح البردويل، والذي لم ينفِ النبأ، ولم يؤكده في ذات الوقت.وقال ” حماس مستعدة أن تمد يدها للجميع .. لتجاوز مرحلة الانقسام عملياً وسياسياً”.
ورداً على سؤال حول إمكانية المصالحة مع دحلان، قال :”حماس تمد يدها للمصالحة في هذه الفترة للجميع، باعتبارها أفضل الفترات التي يمكن أن تنتهز لمواجهة إسرائيل لا سيما بعد فشل المفاوضات”.ورداً على سؤال آخر حول صحة أنباء تحدثت عن عقد قادة من حماس لقاءً مع دحلان في دولة الإمارات قبل عام تقريبا، قال البردويل” المشكلة ليس في اللقاء مع دحلان، أو غيره، فنحن نبحث عن مصلحة شعبنا الفلسطيني، وإذا اضطر الأمر يمكن أن نقابل أعدائنا في سبيل أن نجد طريقة لفك الحصار عن شعبنا”.
وأضاف:”دحلان لا يختلف عن الرئيس عباس كثيراً، ولا يختلف عن أي شخص آخر في حركة فتح، والمقابلة معه ليست مشكلة، ولكن المهم النتيجة”، وذلك في إلى الوعود التي قيل إن دحلان قطعها للحركة بتخفيف الحصار عن القطاع.
وفيما يتعلق بإمكانية سماح حماس لدحلان بزيارة غزة، أجاب البردويل:” هذا الأمر خاضع للدراسة، لأن الأمر متعلق بحسابات سياسية وقضائية”.
وينظر إلى دحلان، فلسطينياً، على أنه من أبرز خصوم حركة حماس السياسيين على الساحة الفلسطينية، منذ كان يرأس جهاز الأمن الوقائي، في أعقاب تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، حيث اتهمته الحركة وقتها بـ”اعتقال قادتها وعناصرها، وتعذيبهم في السجون التي يديرها”، فضلاً عن الاتهامات التي كالها الطرفان لبعضهما البعض في أعقاب سيطرة حماس على القطاع عام 2007 الذي شهد اقتتالاً بين عناصر من حماس وأخرى من فتح، بعضها محسوب على دحلان.
وعقب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006، وتشكيلها الحكومة، اتهمت الحركة، دحلان، بـ”الإشراف على خطة أمريكية تهدف لإفشال تجربتها في الحكم”.وسرعان ما انقلب التحالف الوثيق بين دحلان والرئيس الفلسطيني عباس، إلى “خصومة وعداء”، انتهت بفصل الأول من حركة فتح، في شهر حزيران/يونيو من العام 2011، وإحالته إلى القضاء بتهم جنائية ومالية، وملاحقة أنصاره داخل الحركة.
واستقر دحلان في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويُقال إنه “يمتلك نفوذاً وحظوة لدى قادتها، وبخاصة الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد إمارة أبو ظبي”.
وبحسب المصدر المقرب من حماس، الذي تحدث للأناضول، أعلاه، فإن حماس “تأمل أن يستغل دحلان، علاقاته بحكام الإمارات، كي يضغطوا على القيادة المصرية كي تخفف الحصار عن غزة”من جانبه، لم يستبعد وسام عفيفة، رئيس تحرير صحيفة “الرسالة” نصف الأسبوعية الصادرة في غزة، والمقربة من حماس، صحة الأنباء التي تحدثت عن “وجود تقارب من الحركة ودحلان”.
وقال عفيفة للأناضول، “حماس اكتشفت في أكثر من محطة، أن الرئيس عباس لا يضع المصالحة على سلم أولوياته ولا يفكر في غزة، كما تدين حركة فتح في غزة بالولاء لدحلان وليس لعباس..لذلك تريد حماس أن تتعاطى معه”.
ويضيف :”حماس تتعامل مع الواقع كما هو، وهي ليست مسؤولة عمّن تقدمه فتح كقائد لها.. فإذا كانت فتح تؤمن أن عباس قائدها الأوحد فعيها أن تلتزم بذلك”.ويرى عفيفة أن “حركة فتح تنقسم على الأرض إلى تيارين، وهناك صراع بينهما، فالأول يتزعمه محمود عباس، ويتركز بالضفة الغربية، والثاني يتزعمه محمد دحلان ويتواجد في غزة، لذلك ترى حركة حماس، نفسها مضطرة للتعامل مع التيار الأخير خاصة أن تواجده يتركز في المكان الذي تسيطر عليه”.
ويقول “من الواضح أن عباس لا يتحكم في حركة فتح في قطاع غزة، وأن التنظيم الفتحاوي في غزة يرى أن دحلان هو قائده”.وبحسب عفيفة، فإن “حماس حاولت خلال السنوات السابقة أن تتعاطى مع عباس، وتجاهلت كل محاولات دحلان للتقارب معها على اعتبار أنها تلتزم أدبياً تجاه عباس، لكن الواقع أثبت أن فتح في غزة ترى أن دحلان هو قائدها”.“
لكن التقارب بين حماس ودحلان ليس سهلاً، باعتبار أن قيادة فتح تتهم دحلان بقضايا فساد كما أن حماس وجهت له اتهامات في وقت سابق بالمسؤولية عن مؤامرات انقلابية، وتحريض أطراف عربية وإقليمية ضدها”وفق عفيفة.
من جهته، يقول إبراهيم أبراش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر، بغزة، إن “دحلان يعود بقوة للمشهد الفلسطيني، وخصوصاً قطاع غزة”.
ويضيف في مقابلة مع الأناضول، “ما يعزز من حضوره تداعيات ثورة 30 يونيو في مصر (التي أعقبها عزل مرسي وتشكيل حكومة انتقالية) حيث النظام الجديد معني بإنهاء سلطة حماس في غزة، ويرى أن دحلان رجل غزة القوي، هو الذي يمكن أن يقوم بهذه المهمة ولو بالقوة العسكرية، بعد أن رفض الرئيس عباس القيام بهذه المهمة”.
ويضيف أبراش أن “اللقاءات المتعددة لدحلان مع قيادات مصرية منها وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، لها أكثر من دلالة تتعلق بعودة دحلان للمشهد السياسي الفلسطيني”.وبحسب مواقع إخبارية مقربة من محمد دحلان، فإن لقاءً جمع بين وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، ودحلان، في القاهرة مطلع يناير الماضي، تم خلاله بحث تقديم المساعدة للفلسطينيين في قطاع غزة.
ويرى أبراش أن “حماس باتت تعتقد أن دحلان ومن خلال علاقاته مع الإمارات ومصر، يمكنه أن يمد لهم حبل الإنقاذ من “مأزقهم الاستراتيجي السياسي والمالي”.ويقول أبراش، إنه “في الأيام الأخيرة باتت بعض مؤشرات التقارب بين جماعة دحلان وحركة حماس في غزة أو بوادر تفاهم بينهم، تظهر في مواجهة الرئيس محمود عباس، ويبدو أن حركة حماس تعتقد أن تقوية جماعة دحلان في غزة سيزيد من فرص المواجهة بين تياري فتح مما سيُضعف حركة فتح في مواجهتها”.
ويوضح أن المبادرة التي قدمها إسماعيل هنية، منتصف يناير الماضي، واعتبرها تنازلات لحركة فتح لإنجاح المصالحة، هي في “الحقيقة تنازلات لمصالحة مع محمد دحلان وليس مع فتح ككل”.ويشير إلى أنه “لم تكن هناك مشكلة في عودة قادة فتح الموالين للرئيس عباس، وقد زار وعاد للقطاع من قبل أعضاء لجنة مركزية، ومجلس ثوري، ونواب تشريعي، بدون مشكلة، أما الذين عادوا بمبادرة هنية فهم جماعة دحلان فقط”.