في مقال نشرته مجلة “إيكونوميست” البريطانية عن غياب السعادة والارتياح في السعودية رغم وفرة المال، قال الكاتب: المال يمكنه شراء أشياء كثيرة: الرفاهية، النفوذ، الأمن وحتى الوقت. ولكن يا له من إحباط، أن تكون غنيا إلى حد كبير ولكنك لا تتحصل تماما على ما تريد. هذه هي المعضلة التي تواجهها أغنى عائلة في العالم، آل سعود حكام المملكة العربية السعودية.
مملكتهم باعت بقية العالم حوالي ما قيمته 1 تريليون دولار من النفط في السنوات الثلاث الماضية وحدها، بما حقق تراكما في صناديق الثروة السيادية على نحو كبير تماما مثل ناتجها المحلي الإجمالي، والذي يقدر بحوالي 745 مليار دولار.
استثمارات جديدة هائلة في البنية التحتية والصناعة والرعاية الصحية والتعليم تلتهم تلك الثروة.
كما شرع في تنفيذ مشروع جديد للسكك الحديدية تحت الأرض (مترو) في العاصمة، الرياض، بخطوطه الستة وفي وقت واحد، ومن المقرر افتتاحه بحلول عام 2018. وهذا مشروع واحد فقط من بين العديد من المشروعات الضخمة الأخرى، كما ذكر الكاتب.
وستنفق المملكة حوالي 30 مليار دولار على النقل الجماعي لمدن جدة ومكة المكرمة، بالإضافة إلى 12 مليار دولار على خط سريع خاص من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، بالإضافة إلى المزيد من المليارات على شبكة النقل والشحن الوطنية.
لكن، يقول المقال، وبدلا من توقع الحماسة والاستبشار بهذه المشروعات الضخمة، فإن المزاج العام بين السكان السعوديين (ثلث منهم من العمال الأجانب بعائلاتهم) يميل إلى القلق المزعج. وحتى مع المباني اللامعة الجديدة، الجامعات، “المراكز المالية” والنمو السريع للمدن الجديدة، فإن الآلة الحكومية ظلت هشة وعاجزة وغارقة في الروتين أكثر من أي وقت مضى.
كما إنه، ورغم التطور المعرفي والعصري للسعوديين بما يسبق له مثيل، فحوالي 160 ألف طالب يدرسون في الخارج بمنحة دراسية حكومية، ومن تركوهم وراءهم هم من بين أكثر المدمنين على الانترنت عالميا، إلا أن القيود الاجتماعية والسياسية والدينية القيود لا تزال خانقة .
“إن الحكومة تشتري هدوء الناس بالمال، وفي الحالات النادرة التي لا يفيد فيها، تجبرهم بالتهديدات”، كما يقول دبلوماسي في الرياض. وأضاف: “لكن هذا (السعودية) ليس مكانا سعيدا”. وهذا لشيء واحد، هو أن السعوديين العاديين ليس لديهم رأي فيما تُنفق الأموال.
وأكثر ما يُتاح لهم رؤيته الافتتاح الأميري مع صخب التهليل لكل مشروع جديد والمباني الكبيرة الفارغة والمرافق غير المستخدمة. وما يسمعونه هو حكايات عن حجم الأموال المسروقة من الأمراء والمقربين من الحاشية الملكية أو الأقطاب التجارية وكبار رجال الأعمال.
وعلى الرغم من الاستقطاب الحاد بين المحافظين والمنفتحين، يقول الكاتب، فإن هناك اتفاقا عاما على نقطتين: الأولى، أنه هذا ليس الوقت لإحداث اضطراب أو اهتزاز بالسفينة، ذلك أن العنف والاضطرابات في بلدان الربيع العربي أثارا، إلى حد كبير، الفزع بين السعوديين، وخيم عليهم بهذا شبح الصمت.
الثانية: هو أن القيادة في المملكة على حافة الهاوية. ذلك أن الملك عبد الله، وعمره لا يقل الآن عن 90 سنة، يُنظر إليه على أنه يدين بالفضل لدائرة صغيرة من المستشارين والأبناء، ويزاحمه ولي العهد، الأمير سلمان، البالغ من العمر 83 عاما، وغيره من المتنافسين على خلافته.
وما يبرز وسط المؤامرات والمناورات على مستوى دوائر الحكم، هو عدم وجود الخيال أو الرؤية.
ويقول الكاتب إن جيران المملكة العربية السعودية وحلفاءها، أيضا، يشعرون بالقلق على نحو متزايد. قلقهم ليس عن التوترات الداخلية وفقط، ففي السنوات الأخيرة تطورت السياسة الخارجية السعودية بشكل أكثر حزما وأكثر انحرافا أو شذوذا. وإن كانت قد حققت، وفقا للكاتب، بعض النجاحات المتواضعة. ومنها دعمها القوي للإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين في مصر، والتي ترى فيها تهديدا محتملا لحكمها يثير مخاوفها منذ زمن. وكذا التدخل السعودي في البحرين بالقوة ضد الانتفاضة الشيعية المتأثرة بإيران.
ويقول الكاتب إن المسؤولين السعوديين يرون أنهم تفوقوا على منافسيهم في النفوذ الإقليمي، إيران وقطر، في تلك الجولات. لكن العديد ممن يتعاملون معها يرى أنها تحولت إلى بلد غير موثوق به في أحسن الأحوال، أو بلد التعصب المهلك في أسوأ الأحوال.
وفي هذا ينقل الكاتب عن دبلوماسي أجنبي: “قدراتهم ضيقة جدا، بالكاد تكفيهم لإدارة بلدهم، فكيف بأجندة إقليمية طموحة”. ولم يتعثروا في سياستهم ضد خصومهم، وفقط، في الآونة الأخيرة، بل حتى على مستوى مجلس التعاون الخليجي.