لماذا يحقق الأميركيون من أصول هندية أو إيرانية أو لبنانية نجاحات أكبر من نظرائهم من الجنسيات الأخرى؟
يقدم آمي شوا وجيد روبينفيلد، وهما أستاذان في القانون في جامعة ييل، إجابة مختصرة: الاعتقاد بالتميز، الشك بالذات، والانضباط.
هذه "الوصفة الثلاثية للنجاح"، كما هو عنوان كتابهما الجديد، تشمل (أولا) اعتقاد الناجحين العميق بالاستثنائية، بامتلاكهم ما يميزهم عن غيرهم ويمنحهم قدرات خارجة عن المألوف، و(ثانيا) الشعور بعدم الأمان، بأنك مهما فعلت فلن يكون ذلك كافيا، وبمقدورك أن تفعل المزيد، و(ثالثا) القدرة على ضبط النفس والتحكم بالانفعالات.
يهود وآسيويون ونيجيريون
يقر المؤلفان بحساسية الحديث عن عوامل ثقافية قد تؤدي إلى نجاح أو فشل مجموعات ثقافية بعينها في الولايات المتحدة، ويخلصان إلى نفي وجود مثل العوامل أساسا، لكنهما قبل ذلك يقدمان بعض الحقائق اللافتة:
– يحقق الطلبة الآسيويون الأميركيون نتائج مذهلة في امتحانات القبول للمدارس الثانوية والجامعات. في إحدى هذه المدارس النخبوية (مدرسة ستويفيسانت الثانوية في نيويورك) اجتاز الامتحانات تسعة طلبة سود، 24 من أصول لاتينية، 177 من البيض، و620 طالبا من أصول آسيوية.
– الأميركيون من أصول نيجيرية يتفوقون على نظرائهم الإفريقيين الأميركيين في الأداء الدراسي. ربع النيجيريين الأميركيين يحملون شهادات جامعية، النسبة بين البيض في أميركا لا تتجاوز 11% وهي أقل من ذلك للإفريقيين. ورغم أن ذوي الأصول النيجيرية لا يتجاوزون واحدا في المئة من مجموع الإفريقيين الأميركيين، فإن ربع الطلبة الإفريقيين في كلية التجارة في جامعة هارفارد كانوا من أصول نيجيرية.
– الأعضاء الثلاثة ذوو الأصول اللاتينية في مجلس الشيوخ هم من أبناء المهاجرين الكوبيين.
– ثلث أعضاء المحكمة الأميركية العليا يهود، وكذلك ثلث الفائزين الأميركيين بجائزة نوبل يهود، رغم أن اليهود الأميركيين يمثلون اثنين في المئة فقط من السكان.
ما هو السبب في نجاح هذه المجموعات دون غيرها؟ هل تتفوق في تراثها الثقافي أو خصائصها العرقية على المجموعات الأخرى؟ يجيب المؤلفان بـ"لا".
يقولان إن المشترك بين المجموعات التي حققت النجاح هي أنها تشكلت من أبناء المهاجرين. ولاحظوا أيضا أن النجاح يتلاشى مع الزمن. ففي الستينيات، كان اليونانيون ثاني أعلى المجموعات العرقية دخلا في الولايات المتحدة، لكن ترتيبهم على سلم الدخل انخفض بشدة لاحقا. والسبب هو أن أحفاد المهاجرين ليسوا بمستوى الانضباط الذي تحلى به آباؤهم.
مثلا، يحق الطلبة الآسيويون، في المجمل، معدلا في امتحان SAT يتجاوز المعدل الوطني بـ143 نقطة، والمعدل الذي يحققه البيض بـ63 نقطة. ويعود الفضل في هذه النتائج المتميزة لأبناء المهاجرين، حسب دراسة أجريت عام 2005، فالأحفاد لم يختلف أداؤهم عن أداء البيض الأميركيين.
يخلص الباحثان إلى أن التميز الذي تحققه مجموعة ما لا علاقة له بـ"خصائص" عرقية أو ثقافية بل بعامل وحيد، هو الهجرة.
ارفع اسم العائلة!
يشترك الناجحون من أبناء المهاجرين في ثلاث صفات إذن تقودهم نحو النجاح، هي الإيمان بالتميز، الشعور بعدم الثقة، والانضباط.
هذه أطروحة الكتاب الرئيسية، والمفاجئة، فكيف يمكن أن يشعر المرء بعدم الثقة والإيمان بالتميز في الوقت ذاته؟
هذا ما يوفره الظرف الفريد الذي يعيشه أبناء المهاجرين. فمن جانب، ينمي فيك أبواك الشعور بالاختلاف والفخر بالتراث الثقافي، فيما تواجه رفض وتمييز المجتمع المحيط بك، من جانب آخر. والحل لكي تجتاز الرفض هو في الانضباط والعمل الشاق.. في التضحية بالمتع السريعة من أجل المتع المؤجلة، والهدف الأسمى هو أن تعوض والديك عن تعبهما وتضحيتهما، وتدافع عن "شرف العائلة".
في المقابل، يجد الكتاب أن الآباء الأميركيين يركزون على تنمية المهارات الاجتماعية والثقة بالذات لدى أطفالهم، ويدللونهم، ما يفقدهم الشعور بالحاجة لإثبات الذات وبالانضباط.
هذه المهارات الاجتماعية يفقدها في الغالب أبناء المهاجرين، الذي يعانون مستويات عالية من الضغط، حسب عدة دراسات.
لا شيء دون ثمن، والنجاح ليس استثناء!