يرسم تقييم الأوضاع السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، كل عام، حقيقة الأوضاع في الشرق الأوسط. يؤثّر هذا المعهد للدراسات المهمّة، والذي يترأسه الجنرال كبير التأثير، اللواء المتقاعد عاموس يدلين، الذي كان رئيسًا لقسم الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وتمتّع بمقربة كبيرة من مصادر المعلومات في إسرائيل، على الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية، بشكل كبير. وفي هذا السياق، تجمّع صحفيّون وباحثون كثر لسماع تقييم الأوضاع السنوي للمعهد، والذي يتنافس تقريبًا مع أجهزة الاستخبارات.
لن تكون هناك مفاجآت أخرى حول موضوع مصر والربيع العربي: ينسب المعهد الأوضاع السياسية الحالية للإخوان المسلمين، الذين ناضلوا على مدى عقود من أجل الوصول إلى السلطة، ولكن لم يعرفوا ماذا يفعلون منذ لحظة وقوع الفرصة بين أيديهم: “الإخوان المسلمون لم يستغلّوا هذه الفرصة التي سنحت بين أيديهم لحكم مصر، وبفقدان الكفاءة والحكمة ساهموا في سقوطهم. والآن عليهم أن يقرّوا هل يندمجون في العملية السياسية، والتي يمكنهم التأثير فيها، غير أنهم لن يكونوا العامل الرئيسي، أم يندمجون في النضال العنيف والمشبع بالمخاطر عليهم وعلى بلادهم”.
ويستمر الوضع الاقتصادي في مصر، بحسب أقوال الباحثين، في أن يكون مفتاح النجاح أو الفشل لكل من يتزعم الدولة: “على الرغم من أنه في الأشهر الأخيرة من عام 2013 لوحظَ تحسُّن في الوضع الاقتصادي، ولكنه لا يزال صعبًا”.
إنّ مفتاح مستقبل مصر في السنوات القادمة، وفق تقييم المعهد، يكمن كما ذكرنا في السؤال: ماذا سيقرر الإخوان المسلمون أن يفعلوا. سيناريو يختار فيه “الإخوان” طريق الكفاح العنيف، حيث سيجبر الجيش على البقاء في السلطة وقتًا طويلا.
“لم تُبْنَ الديمقراطية في مصر تدريجيًّا خلال فترة من الوقت، من الأسفل إلى الأعلى، حيث إن الانتخابات الحرّة هي قيمة مهمّة في هذا المبنى، ولكنّها ليست القيمة الوحيدة. حين تكون القيم الجوهرية الأخرى مفقودة أو تشوبها العيوب، فتكون النتيجة عملية ديمقراطية سريعة قد تؤدّي إلى هزّات وعدم استقرار، وفقدان الضبط والتوازن، وإلى حالة يستخدم فيها الفائز وسائل ليست ديمقراطية لاضطهاد المعارضة”.
من الرابح ومن الخاسر؟
بادئ ذي بدء، وبشكل مفهوم مسبقًا، سيضرّ سقوط الإخوان المسلمين في مصر بفروع “الجماعة الأمّ” في كل أنحاء المنطقة، من تونس، مرورًا بالأردن، وصولا إلى حماس، التي يرى فيها النظام العسكري المصري عنصرًا إرهابيًّا وجزءًا لا يتجزّأ من الإخوان المسلمين، مشاركًا بشكل كبير بما يحدث داخل مصر، ومؤثرًا سلبًا في استقرارها.
الخاسر الإضافيّ، وفقًا للمعهد، هو إيران، والتي أملت بأن تعمل حكومة الإخوان المسلمين على تعزيز الإسلام السياسي في المنطقة، التقارب السنّي-الشيعي وتجديد العلاقات الدبلوماسية مع مصر، وهو الأمر الذي كان سيساعدها على تعزيز تأثيرها في المنطقة.
أما روسيا فهي من بين الرابحين، والتي دخلت إلى الصدع الذي تجنّبته حكومة أوباما، والتي دعمت في الواقع سلطة الإخوان المسلمين، و”راهنت على الفرس الخاسر”، وإسرائيل أيضًا، التي تقيم علاقات طبيعية مع الجيش المصري، وبشكل خاص في كلّ ما يتعلّق بالحرب على المجموعات الإرهابية المتطرّفة في سيناء. بل حاولت جهات مواليه لإسرائيل أن تساعد السيسي في واشنطن، ولكن بنجاح جزئيّ فقط.