ما بين مجلس الأمن وقمة الأعراب أنهار من الدماء وآلاف من الأشلاء ومئات من المفقودين والمعتقلين، ولا تزال الثورة قائمة والنظام يوغل بالقتل والقمع حتى لم يوفر وسيلة من وسائل الوحشية إلا واتبعها، شيء ما يرتبط بين أي اجتماع يجتمعه العالم او تصريح يصرحه وبين انتقال النظام السوري إلى مرحلة أقسى من القمع والتنكيل، فكما أن التمثيلية الساخرة التي نفذها العالم في مجلس الأمن واستخدمت فيها روسيا والصين حق الفيتو وكأن بقية الأطراف كانت متعطشة للإنقاذ هذا الشعب المسكين ولكن حق الفيتو هو من حال بينها وبين انسانيتها وكأن روسيا هي وحدها التي أجرمت في حق الانسانية وفي حق هذا الشعب المضطهد ولم تبقى القضية مشروع تدخل عالمي في سوريا وحسب بل تطورت إلى أن زادت شراسة النظام أكثر من سابق وعمد إلى استخدام الطائرات الحربية التي ما تركت حيا ولا قرية ولا مدينة إلا وخلفت فيها فاجعة وكارثة.
فيبقى السؤال الوحيد من المجرم الحقيقي في نظر العالم هل هو النظام السوري أم الشعب السوري أم أن كلا الطرفين في سوريا لا يحسب له العالم حساب، إن دعوى العالم عن الحرية وترنم القادة السياسين العالمين بالديمقراطية وترديدهم لهذه الالفاظ الرنانة ما هو إلا محض ادعاء وافتراء باطل لا وجود له وإن كل اجتماع او مؤتمر حصل في فترة العامين الماضيين ما هو إلا مؤامرة كبيرة تصنعها امريكا وينفذها الأعراب والمستعربون فالسياسة التي اتبعها النظام السوري في حق سوريا انكرها كل من يملك ذرة من انسانية وشهد العالم بمن فيه أن ما من أحد فعل بشعبه ما يفعل النظام السوري في الشعب السوري الصامد إلا الساسة العالمين ولا سيما السياسة الامريكة التي تلبس قناع الحمل وتخفي ظاهر الذئب والتي عمدت لجبهة النصرة وبكل صفاقة لتتهمها بالارهاب في أرض يحكم فيها نظام بشار المجرم متناسية آلاف الجرائم التي حصلت وتحصل كل يوم على أيدي قوات النظام.
وبعد مؤتمر جينيف الذي دعا فيه أصدقاء الشعب السوري إلى محاورة النظام الذي اشبع الشعب السوري قتلا وتنكيلا كان مؤتمر روما والذي عقد في العاصمة الإيطالية والذي توصل فيه اصدقاء الشعب السوري أيضا إلى أنهم سيدعمون الشعب السوري معنويا وسياسيا وأن على بشار الأسد التوقف فورا عن القصف العشوائي للأماكن المأهولة في اعتبار ان هذا القصف يشكل جرائم ضد الانسانية ولا يمكن أن يمضي دون عقاب وبالفعل فإن القصف العشوائي على الاماكن المأهولة بالسكان توقف تمام وتحول إلى قصف مركز ولم يعد هناك قذائف تسقط من دون أن تقتل أو تفتك بأسرة أو بمواطن سوري، وبقي الحال على ما هو عليه بالمعارضة السياسية السورية وذلك حرصا من المؤتمرين في مؤتمر روما على بقاء الشرخ قائم بين أطياف المعارضة السورية.
ويبقى الاجتماع الأهم بين هذا كله هو القمة العربية حيث أن الأخوة العرب أحسوا بعد كل هذه الاستغاثات التي اطلقها السوريون وكل هذه الدماء التي جرت أن من الواجب عليهم أن يفعلوا شيء ما وليتهم ما فعلوا، وكان اجتماع القمة العربية الذي حمل في طياته من التآمر على الشعب السوري ما لم يحمله أي مؤتمر لأصدقاء الشعب السوري، المعادلة واضحة وضوح الشمس ففي الطرف المقابل للثورة والمعارضة يقف النظام ومن وراءه حزب الله وإيران وروسيا ولم نشهد إلى اليوم أي مؤتمر أو اجتماع لأصدقاء النظام السوري ما شهدنا إلا شحنات الأسلحة تدخل من كل فج وصوب والقوات البرية المقاتلة من عناصر حزب الله تدخل وتفتك بالشعب السوري من دون أدنى شفقة ولا رحمة وأصدقاء النظام ثبت بالدليل القاطع أنهم لا وقت لديهم ليضيعوه في اجتماعات فلم يبقى إلى الآن اثنان يختلفان على حقيقة ما يجري في سوريا وإن كان لإسرائل ولامريكا وروسيا وفرنسا وغيرها من الدول مصالح في سوريا وآمال تتحق في الثورة السورية فإن مصالح الدول العربية وآمالها أكبر بكثير وبالتالي فإن اجتماع القمة العربية ما هو إلا ورقة دعم قدمت للناظم السوري بشكل او بآخر ويستطيع كل واحد في سوريا أن يدرك تمام أن في كل مؤتمر عقد بالشأن السوري على مدار العامين المنصرمين ما هو إلا مؤامرة حقيقية تحاك بحق الشعب السوري وما مجزرة البيضا ورأس العين والحولة والتريمسة وقصف داريا واحياء من حلب بالكيماوي ببعيد والبراميل المتفجرة التي لا تزال تفني الحي تلو الأخر، وهذه الاحداث كلها والمجازر والتنوع في استخدام الأسلحة كلها كانت تأتي بعد مؤتمر يعقد واجتماع ينتهى منه
الآن وبعد أن كشفت كل أوراق النظام السوري ولا سيما شعار مقاومة الإرهاب الذي كان يتخبأ وراءه النظام وتبين أن النظام هو الصانع الوحيد والمغذي الأساسي للارهاب في سوريا وفي كل المناطق التي تطالها يد النظام وبعد أن اثبتت الثورة أنها ليست مشروع إرهابيا وأنها تسعى لاعادة البلد المغتصب من مغتصبيه من خلال مقاومتها لكل المخططات الإرهابية والتي على رأسها الآن داعش التي بشكل أو بآخر أعادت للنظام هيبته والذي عرف وبشكل جيد كيف يستطيع استثمارها وأن يخلي لها الساحة في مقاتلة الثورة من الداخل والإثخان في الثوار بما اتهموهم فيه من ردة وغيرها لتصبح سوريا ساحة سباق ما بين طائرات الأسد وصواريخه البالستيه وبين ألغام داعش وسيارتها المفخخة لم يعد هناك ما يخفى على العالم الذي لا زال يصم السمع وعلى أصدقاء الشعب السوري الذين ما زادت صداقتهم عن السعي الدائم لعقد مؤتمرات جديدة وشجب افعال النظام إن اضطروا لذلك.
وكان لا بد للعالم أن يخرج نفسه من هذا الموقف المحرج فعمل جاهدا على عقد مؤتمر جينيف الثاني والذي لن يختلف في كل تفاصيله عن المؤتمرات التي سبقته وخاصة أن النظام السوري أعلنها منذ اليوم الأول في المؤتمر أن الكلام بخصوص رحيل الأسد يعتبر خروج عن بنود المؤتمر لأن الأسد يمثل الشرعية الدولية وأن وفد النظام سينسحب فور الحديث باي اتجاه ولو كان على محض الممازحة يتعلق بدور الأسد في مستقبل سوريا فما كان مؤتمر جينيف في لحظاته الأولى إلا مسخرة حقيقة تجاه الشعب السوري جمعت كل التجارب السابقة مما تقدمه من مؤتمرات كثيرة عقدت على مدار الأعوام الثلاثة المنصرمة وانخفض سقف المطالب في اليوم الاول من التفاوض على رحيل الأسد إلى إمكانية ايجاد ممرات آمنة للوصول إلى مدينة حمص المحاصرة في ظل استمرار القتل والقصف على كل المدن والمناطق السورية .
وفي نهاية المطاف إذا كان العالم جادا في ايجاد حل سياسي للأزمة السورية فما عليه إلا
أن يقطع دعمه وامداده عن نظام الأسد بشكل كامل وان يسعى بشكل جدي لسحب كل الميليشيات المقاتلة التي تدمر في سوريا وتعيث فسادا وأن يقطع كل الامدادات العسكرية التي تصل إلى النظام السوري على مسمع من العالم ومرأى منه وأن لا ينظر إلى سوريا من خلال المصالح السياسية والاقتصادية وبما يتوافق مع مخططات الدول الكبرى التي اتفقت جميعها على ان ما يخدم العالم بكل أطيافه إطالة أمد الثورة في سوريا إلى أمد غير مسمى
أحمد اسماعيل عاصي