خلال الأسبوعين الماضيين اتسع جلياً نطاق الانقسام القائم منذ فترة طويلة في صفوف العائلة المالكة السنية في البحرين حول كيفية إشراك غالبية سكان الجزيرة من الشيعة بعد انهيار المحادثات مع حركة المعارضة الرئيسية ثم إحيائها بشكل مفاجئ. وهذا التقلب، الذي يرجع جزئياً على الأرجح إلى الضغوط الأمريكية والأوروبية، يتسق مع أسلوب قيادة الملك حمد بن عيسى آل خليفة (63 عاماً) الذي غالباً ما يتسم بالتردد. بيد أن التطورات الأخيرة قد تدفع إلى حالة من الحرب السياسية المفتوحة بين أقاربه من المعتدلين والمتشددين. فعضو العائلة المالكة الرئيسي المؤيد للتوصل إلى تسوية هو النجل الأكبر للملك، ولي العهد الأمير سلمان (44)، الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، بينما يتجمع المتشددون حول عم الملك، الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة (78)، الذي يشغل منصب رئيس الوزراء دون انقطاع منذ عام 1970.
توترات كانون الثاني/يناير
على مدى عقود، كانت الرواية الأساسية لسياسات البحرين تقوم على خضوع غالبية السكان الشيعة الفقراء نسبياً والمحرومين من الحقوق لحكم الأقلية السنَّية. لكن منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ظهر عامل إضافي وهو: الفكرة بأن الشيعة البحرينيين يتعاطفون مع أخوتهم في الدين في إيران ومن ثم لا يمكن الوثوق بهم. ورغم أن هذه الرواية غير دقيقة إلا أنها كانت صالحة بصفة خاصة منذ شباط/فبراير 2011، عندما قامت شرطة مكافحة الشغب البحرينية – التي تم دعمها في النهاية بقوات سعودية وإماراتية – بعمليات قمع وحشية ضد الاحتجاجات المحلية التي خرجت تحاكي مظاهرات “الربيع العربي” التي اجتاحت أجزاء أخرى في المنطقة. وفي غضون ذلك، تلوثت رواية الحكومة المفضلة للتطور السياسي الحذر – كما شهدناه عندما تحولت البلاد إلى ملكية دستورية في عام 2002 – وتلطخت نتيجة عدم رغبتها في إعطاء الشيعة تمثيلاً تناسبياً في البرلمان، وعزم عائلة خليفة على الاحتفاظ بالسلطة السياسية (على سبيل المثال يشغل أعضاء العائلة المالكة حوالي نصف مناصب مجلس الوزراء).
إن الارتباك الأخير داخل العائلة المالكة واضح للعيان منذ 9 كانون الثاني/يناير، عندما قامت الحكومة بتعليق ما يسمى بـ “الحوار الوطني” عقب إعلان جماعة سياسية سنية انسحابها من العملية، التي كانت قد عرقلتها مقاطعة شيعية منذ أيلول/سبتمبر. لكن في 15 كانون الأول/يناير، قام ولي العهد الأمير سلمان، “بناء على طلب من جلالة الملك حمد”، بلقاء مجموعات المعارضة “من أجل استكشاف وسائل التغلب على التحديات التي يواجهها الحوار”. وكان من بين الحضور عالم الدين الشيعي الشيخ علي سلمان، الذي تلقى تدريبه في إيران ويقود حركة المعارضة الرئيسية “الوفاق”. وكان اللقاء مفاجئاً تماماً لأن الحكومة كانت قد فرضت حظراً على سفر الشيخ علي في أواخر كانون الأول/ديسمبر واتهمته بـ “التحريض على الكره الديني ونشر أخبار زائفة يرجح أن تضر بالأمن القومي”. ويبدو أن رئيس الوزراء المتشدد لم يتلق إخطاراً مسبقاً بهذا اللقاء، وربما جاء غيابه من حضور اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي في 19 كانون الثاني/يناير ليعكس غضبه بشأن ذلك التحرك من جانب الأمير سلمان.
وفي غضون ذلك، واصلت المعارضة تنظيم مظاهرات، بما في ذلك “مسيرة سلمية” في 17 كانون الثاني/يناير، ولا تزال ترد تقارير حول وقوع مناوشات ليلية بين قوات الأمن والشباب الشيعي الذين يردون عليهم بإلقاء القنابل النارية والحجارة. ورغم عدم تعرض أي مواطن أمريكي للهجوم إلا أن الموقع الإلكتروني للسفارة الأمريكية في المنامة يظهر مساحة عريضة عبر شمال الجزيرة الآهل بالسكان التي ينبغي أن يتجنبها الأمريكيون في جميع الأوقات، بما في ذلك المناطق القريبة من القاعدة البحرية الأمريكية الكبيرة التي تستضيف مقر الأسطول الخامس.
مصادرة الأسلحة والحظر على الغاز المسيل للدموع والاتهامات بالرشوة
على خلفية الانقسامات داخل العائلة المالكة والاضطرابات المستمرة، زادت الأخبار الأخرى الأخيرة من التحديات التي تواجهها الجزيرة:
· في أواخر كانون الأول/ديسمبر، أعلنت السلطات البحرينية عن مصادرة قارب يحمل أسلحة ومتفجرات مصنوعة لأغراض عسكرية. ورغم أن القارب كان قادماً من العراق، إلا أنه تم افتراض أن إيران هي السبب الرئيسي وراء الشحنة التي كانت ستحوّل بشكل جذري طبيعة المواجهات بين المسلحين والشرطة البحرينية.
· في مطلع هذا الشهر، قامت كوريا الجنوبية بتعليق صادرات الغاز المسيل للدموع إلى البحرين، مستشهدة “بالسياسات غير المستقرة” وحالات الوفيات جراء التعرض للغاز و”الشكاوى من جماعات حقوق الإنسان”. ويذكر الموقع الإلكتروني للسفارة الأمريكية أن الحكومة “تستخدم الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت بشكل روتيني” ضد المتظاهرين، إلى جانب إجراءات أخرى.
· في 10 كانون الثاني/يناير، وافق تحالف شركات تسيطر عليه شركة الألمنيوم الأمريكية “ألكوا” على سداد 384 مليون دولار لتسوية اتهامات وزارة العدل الأمريكية بشأن دفع رشاوى في البحرين. وتزعم المستندات المرتبطة بالقضية أنه تم دفع عشرات الملايين [من الدولارات] في شكل رشاوى استمالة إلى مسؤولين بحرينيين، ومن بينهم أفراد من كبار أعضاء العائلة المالكة. وفي قضية جنائية ذات صلة كانت قد انهارت العام الماضي بعد رفض شهود تقديم أدلة، اتهم “مكتب جرائم الاحتيال الخطيرة” في بريطانيا شركة “ألكوا” برشوة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، رئيس مجلس إدارة شركة ألمنيوم البحرين “ألبا” (لصهر الألمنيوم)، ومستشار مقرب من رئيس الوزراء كما أفادت التقارير. كما أن رئيس تنفيذي سابق مغترب لشركة “ألبا”، اعترف بذنبه في تهم فساد في قضية منفصلة في لندن، وافق خلال استجوابه على أن “العائلة المالكة تمتلك كافة السلطات” وأنه “لم يحدث شيء ذو أهمية في البحرين دون موافقة رئيس الوزراء”.
اللاعبين الرئيسيين
تم إيضاح طبيعة التنافس بين المعتدلين والمتشددين البحرينيين ببراعة في المذكرات التي نشرها للتو وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت غيتس. ويشير الكتاب محادثة دارت في شباط/فبراير 2011 قال خلالها ولي العهد الأمير سلمان بـ “أنه مستعد لكي يصبح رئيساً للوزراء إذا طُلب منه ذلك”. بيد أنه رغم وصفه بأنه “صوت العقل”، إلا أن غيتس أشار أن سلمان “كان يفتقر إلى القوة” في ذلك الوقت. وعند زيارته للجزيرة بعد مرور شهر، “اقترح غيتس على كل من ولي العهد والملك أن يجدا منصباً جديداً ومختلفاً لرئيس الوزراء، الذي يكرهه الجميع تقريباً لا سيما الشيعة”. ورغم أن سلمان والملك استجابا بشكل إيجابي لمقترحاته، إلا أن غيتس خلص إلى نتيجة بأن “العائلة المالكة كانت منقسمة، وأن المتشددين يحظون باليد العليا”.
ويصعب اليوم التنبؤ بالطريقة التي ستنكشف بها فصول هذا التنافس. ويرجح أن الملك سوف يبرر سمعته في التردد بأنه يعمل بمشورة الشخص الأخير الذي يتحدث إليه في شأن أية قضية محددة. ورغم أن ولي العهد سعى إلى كبح جماح الفساد وإشراك المعارضة، إلا أنه لا يزال يفتقر على ما يبدو إلى أنصار في العائلة المالكة، وهو ما يؤكد الانطباع الذي تكوَّن لدى غيتس في عام 2011. ومن جانبه، فإن رئيس الوزراء قد أصبح الآن الأب الروحي للمتشددين أكثر من كونه زعيماً سياسياً تكتيكياً، لكنه يشتهر بقدراته السياسية – و”مهاراته الشعبية” تتجاوز بكثير تلك التي يتمتع بها الملك. ورغم ذلك، فإن المتشدد الأكثر أهمية في اللحظة الراهنة هو على الأرجح المشير الركن خليفة بن أحمد آل خليفة، القائد الأعلى للقوات المسلحة (الذي هو في الخمسينيات من عمره، لكن عمره الدقيق غير معروف). ولعب متشددون آخرون في العائلة المالكة دوراً مركزياً كذلك، ومن بينهم وزراء العدل والديوان الملكي والداخلية.
إن المملكة العربية السعودية – التي يربطها جسر من الإسمنت المسلح بالجزيرة – هي الحليف الأكثر أهمية للعائلة المالكة، خارج البحرين، وتأثيرها يتجاوز بكثير ذلك الذي تتمتع به واشنطن. وقبلها بعام، بدا أن الرياض كانت محبطة بسبب الأزمة المستمرة في البحرين وكانت تحث على إجراء حوار مع المعارضة، لكن يبدو أن ذلك الزخم قد اختفى. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، أخبر الرئيس السابق للمخابرات السعودية الأمير تركي الفيصل جمهوراً في واشنطن أن “إيران تتدخل” في البحرين “منذ ثورة 1979 مباشرة…ولم تتوقف حملتها الدعائية منذ ذلك الحين” وأضاف أن “المملكة العربية السعودية لن تقبل مطلقاً بأن تستولي إيران على السلطة في البحرين”.
الخطوات المقبلة
تذكر التقارير أن المحادثات المتجددة بين القصر والمعارضة تغطي خمس مسائل رئيسية: الدوائر الانتخابية؛ وموافقة البرلمان على الحكومات التي يعينها الملك؛ وصلاحيات وتكوين مجلس البرلمان الأعلى المعين؛ وزيادة استقلال القضاء؛ والأمور المتعلقة بالشرطة والأمن. وسوف يصعب إحراز تقدم في مثل هذه المسائل الهامة بسرعة. وفي غضون ذلك، فإن أنصار العائلة المالكة من السنة منزعجون بشأن ما يرونه كتنازلات إلى المعارضة الشيعية. والأمر الذي يلقي بظلاله على العملية برمتها هو الاحتفالات الوشيكة بذكرى اضطرابات 2011. فالتقارير تفيد أن الجماعة السرية “14 شباط/فبراير” التي ترفض تقديم تنازلات سياسية، تخطط لتنظيم مظاهرات في الشوارع في أوقات تتزامن تقريباً مع ذلك التاريخ.
إن المحادثات الجديدة، إلى جانب المحتوى الصريح الذي تضمنه كتاب غيتس، توفر فرصة لممارسة ضغوط دبلوماسية أمريكية لتشجيع الإصلاحات السياسية. لكن التوقيت سيء في ضوء الاحتفالات الوشيكة بذكرى الاحتجاجات وما سيترتب عنها من زيادة في التوترات. إن المسار الذي تنتهجه واشنطن من الممكن أن يعتمد على ما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستبعث بمؤشرات على دعمها للحوار أم ستقف إلى جانب المتشددين.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن