"علماء الأحياء اكتشفوا أقصر مدة حمل وولادة هي لحيوان اسمه الأبوسوم وهي من 12 ل 13 يوم وأطول مدة حمل وولادة كانت للفيل 609 أيام لكن إحنا في فريق جوتيوب اكتشفنا فترة حمل وولادة أطول من كده بكثير. مصر حامل وبتولد بقالها 60 سنه ولغاية دلوقتي لسه مولدتش… مشكلة مصر الرئيسية إنه مش لاقية الدكتور المناسب علشان يخلصها من ألم الولادة ده ويخليها تعيش زي البلاد التانيه".
بلهجة قريبة من المواطن المصري، استهل مقدم البرنامج السياسي الساخر "جوتيوب" حلقته ما قبل الأخيرة على موقع يوتيوب تحت عنوان "بطاطين السيسي السادس عشر". وحققت هذه الحلقة مشاهدات تجاوزت 1.5 مليون منذ بثها قبل بضعة أيام فقط في 16 كانون الثاني/يناير الجاري.
ولا تعدو أن تكون هذه الحلقة سوى امتداد للانتشار الواسع الذي عرفه البرنامج منذ انطلاقه قبل ما يزيد عن السنة.
"جوتيوب"، برنامج يسخر من النخبة السياسية في مصر ويلقي الضوء على "تناقضاتها" من خلال انتقاء مدروس لتدخلات رموزها عبر وسائل الإعلام المحلية، كما يسخر من مداخلات الوجوه الإعلامية المعروفة على الساحة المصرية.
رب صدفة…
إن فكرة إعداد برنامج جوتيوب جاءت وليدة الصدفة البحتة، حسبما قال مقدم البرنامج يوسف حسين لموقع "راديو سوا".
لقد كان لموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك الفضل في تعرف يوسف على أحمد الذكيري الذي أصبح في ما بعد مخرج البرنامج. "أبدى أحمد إعجابه بحس السخرية الذي كان يطبع تعليقاتي على فيسبوك وبعد لقاءنا اقترح علي فكرة تقديم سكيتشات ساخرة".
وهكذا، دخل الشابان المصريان غمار هذه التجربة رغم بساطة الإمكانيات المتوفرة من أجل إيصال رسالتهما إلى جماهير لم يكونا ليتخيلا أنها ستكون بالحجم الذي هي عليه الآن.
واتسع بعد ذلك طاقم "جوتيوب" ليضم بالإضافة إلى واجهة البرنامج يوسف حسين والمخرج أحمد الذكيري مصورا ورساما كاريكاتيريا وبعض أصدقاء الشابين الذين يتكفلون عملية البحث عن المواد.
الصدفة أو الحظ كان كذلك حليف يوسف حسين، ذي الـ26 ربيعا. وفي هذا السياق، أوضح يوسف أنه خلال سنة واحدة تحول من تاجر عطور وأعشاب إلى شخصية مشهورة تتابعها الملايين على موقع يوتيوب. "أعتبر نفسي شخصا محظوظا، فكل شيء أتى بمحض الصدفة".
وأضاف الشاب الحاصل على بكالوريوس في الخدمات الاجتماعية أن ما من شيء كان يهيئه لمثل هذا الوضع، إذ لم تكن له صلة قط بمجال الإعلام وكانت المرة الأولى التي يقف فيها أمام كاميرا خلال تصويره أول حلقة من جوتيوب.
السخرية سلاح المصريين في أوقات الشدة
لطالما اشتهر المصريون بروح السخرية والنكتة في مواجهة الشدائد والمحن، حسب تعبير يوسف حسين.
وأضاف أن السخرية شكلت على مر السنين "سلاحا ووسيلة ناجعة بالنسبة للمصري لانتقاد الأوضاع الاجتماعية والسياسية ومتنفسا للترويح عن النفس".
وكواحد من هذا الشعب المعروف بروح الفكاهة والنكتة، اتخذ يوسف من السخرية أداة "للتمرد على الظلم والقمع السائدين في المجتمع المصري"، حسب تعبيره.
وأوضح يوسف أن ما يحدث في مصر هو "إعادة لأخطاء النظام السابق لكن بشكل أسوء. إذا كان الاقتصاد أيام مرسي منهارا أو قائما على الاستجداء فاليوم نتلقى مساعدات مالية من كل دول الخليج. ليس لدينا أي اقتصاد. وخلاصة القول، إن الوضع في مصر أصبح مزريا".
وعن تركيز البرنامج على شخصيات دون غيرها، أفاد يوسف بأن "رموز المعارضة لنظام مرسي شكلت مادة خصبة للاشتغال عليها لأنه لم يكن أحد يتناولها بينما كانت كل البرامج الحوارية تتعرض لأخطاء مرسي وتضخمها".
وفي هذا الإطار، أكد مقدم "جوتيوب" بأن لا أحد من طاقم البرنامج ينتمي إلى جماعة الإخوان بدليل أن الجماعة لم تسلم بدورها من السخرية. وفند يوسف ادعاءات منتقدي البرنامج الذين وصفوه بكونه أداة الإخوان لمواجهة انتقادات البرامج السياسية الساخرة الأخرى.
يوتيوب.. فضاء خصب للتعبير
موقع يوتيوب سمح للبرنامج بالانتشار الواسع والاستمرار
برأي مقدم جوتيوب، يمثل موقع يوتيوب الخيار الأمثل لأي شخص يود تقديم فكرة ويريدها أن تنتشر.
وأضاف أن موقع يوتيوب سمح للبرنامج بالاستمرارية، ومكنه من تحقيق انتشار واسع.
وذكر يوسف حسين بأنه تلقى عروضا كثيرة من قنوات تلفزيونية عديدة، لكن المشكل في رأيه يكمن في أن "أغلب القنوات تسعى إلى طرح وجهة نظرها سواء أكانت قناة إسلامية أو تابعة للتيار الليبرالي أو المؤسسة العسكرية".
وتجدر الإشارة إلى أنه تم مؤخرا إيقاف برنامج مشهور يقدمه المذيع باسم يوسف بعد انتقاده ولو بصفة غير مباشرة المؤسسة العسكرية في مصر وخاصة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي.
واعتبرت وسائل إعلام أجنبية مثل صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أو "الغارديان" البريطانية أن الأمر يشير إلى التضييق على حرية التعبير في مصر.
برامج السخرية السياسية.. مرآة الشارع
اعتبر الرئيس السابق لاتحاد الإذاعة والتلفزيون وأستاذ الإعلام سامي الشريف أن برامج السخرية السياسية وسيلة من الوسائل الناجعة لنقد الواقع السياسي والتعبير عن وجهات النظر المعارضة للأنظمة الحاكمة.
وقال الشريف إن ظهور مثل هذه البرامج بدأ في مصر مع بروز القنوات الخاصة وتحديدا بعد ثورة يناير التي أدت إلى سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك. وأضاف أن البداية كانت مع برنامج "آدم شو" من تقديم الكوميدي أحمد آدم.
وأكد أن التجربة الأكثر شهرة تظل برنامج "البرنامج" لباسم يوسف الذي "وجهت له العديد من الانتقادات سواء من السلطة الحاكمة أو من بعض المنظمات الحقوقية باعتبار أنه يهين رموزا وطنية وانتهى به المآل إلى توقيفه".
وأوضح الإعلامي المصري أن برامج السخرية السياسية على اختلاف أنواعها "لعبت دورا في تبصير الرأي العام وفي إشعال مشاعر الغضب لدى المواطن المصري على أنظمة الحكم".
وفي ما يخص التزام هذا النوع من البرامج، خاصة منها المذاعة عبر مواقع مثل يوتيوب، بالضوابط الأخلاقية، قال الشريف إن "الواقع الإعلامي المصري يشهد حالة من الانفلات التام عقب الثورات التي عرفتها المنطقة". وأضاف أن هذا الانفلات قاد إلى "عدم التفرقة بين ما هو نقد مقبول وما هو سب وتجريح ربما يصدم المشاهد ولا يتفق مع القيم المجتمعية".
شهرة تعدت حدود مصر
تجاوزت شهرة برنامج جوتيوب حدود مصر لتمتد إلى دول المعمور. وتمكن البرنامج من نيل إعجاب متابعين من مختلف دول المنطقة العربية كما يتضح من خلال الصفحة الرسمية للبرنامج على موقع فيسبوك.
ومن بين هذا الجمهور العريض، عبر أحمد فيالة وهو شاب تونسي عن إعجابه الشديد بطريقة إعداد وتقديم البرنامج بعيدا عن كل إيديولوجية. وقال فيالة إن "البرنامج يتسم بالكثير من الذكاء الذي يتجلى في انتقاء المواد وطريقة معالجتها إضافة إلى تمكنه من إيصال الفكرة بطريقة واضحة".
واعتبر فيالة أن العمل يتسم بالاحترافية والمهنية، إذ أن "عملية تجميع هذا الكم من المواد وإيجاد الخط الرابط بينها ووضع اليد على التناقضات التي تعتري تصريحات الساسة يستلزم مجهودا كبيرا يخال المرء معه أن خلية بحث كبيرة تقف وراء كل هذا".
وأوضح فيالة بأنه كمتابع غير مصري مكنه البرنامج من الوقوف على تغير مواقف بعض الشخصيات وفقا للظرفية التي تمر منها البلاد.
الحظ كان حتما حليف يوسف حسين وطاقم برنامج جوتيوب الذي ذاع صيته في فترة وجيزة وأصبح يشهد له بالمهنية رغم أن البداية جاءت بمحض الصدفة. ولكن الحظ والصدفة ليسا بالمعطيين الوحيدين في تركيبة النجاح هذه.