تفصلني عن المحروسة، آلاف الكيلو مترات، لكن هذه الانفجارات، التي سمع بها كل سكان القاهرة، وصلت إلى أذني، حيث أجلس، ومذيع التلفزيون المصري في حالة ‘اندهاش كلي’، لأن هناك تهديدات من قبل وزير الداخلية، بأن من يقترب من المناطق العسكرية، ‘هالك لا محالة’، ربما الأزمة في تباين الآراء حول مفهوم المناطق العسكرية، وهل تعد وزارة الداخلية ومديريات الأمن من المناطق العسكرية أم لا؟ لا سيما وان الشرطة هيئة مدنية، على عكس ما يعتقد البعض.
في ظني أن الوزير كان يقصد وزارته وملحقاتها، عندما هدد من يقترب من المناطق العسكرية، لا سيما وأن وزارة الداخلية مستهدفة، منذ قيام الثورة، ولهذا فإنها وقعت تحت حماية الجيش، بعد انهيار الشرطة، وبعد 28 يناير 2011 علم الشباب صغير السن أن حبيب العادلي وزير الداخلية ما زال متحصناً بالوزارة فعملوا على الهجوم عليها، وخرج منها في مصفحة للجيش.
لم يف وزير الداخلية بما وعد، وهذا ولا شك يجعل قبيلة من الفئران تلعب في صدورنا، ولدينا تاريخ طويل من التفجيرات، التي كانت تقوم بها أجهزة أمنية لم تبدأ بتفجير كنيسة القديسين في زمن المخلوع وعامله على الداخلية حبيب العادلي. والتفجيرات التي وقعت بعد الانقلاب تم تعليق التهمة فيها في رقبة تنظيم اخترعوه اسمه ‘أنصار بيت المقدس′، وقد راعنا الحس الوطني الخلاق، الذي يتمتع به المنخرطون في هذا التنظيم، فبالرغم من أن أجهزة الأمن كانت مشغولة بتأمين الاستفتاء على الدستور، إلا أنهم لم يستغلوا الفراغ الأمني ليقوموا بأي عملية!
بدا من الواضح أن سلطة الانقلاب ليست بحاجة إلى تنظيم ‘أنصار بيت المقدس′، فقد اهتدوا أخيراً إلى أنه لا بد من تعليق العمليات الإرهابية في رقبة جماعة الإخوان.
اللغز
في برنامج ‘بلا حدود’ فسر المستشار وليد شرابي اللغز، فهناك تخطيط على مستوى دولي، من اجل التعامل مع الإخوان كجماعة إرهابية، لقطع الطريق على القضايا المرفوعة أمام المحاكم الدولية ضد قادة الانقلاب، بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد المتظاهرين السلميين، وهذا التفجير مهد لقرار حكومة الانقلاب بإدراج الإخوان في قوائم الإرهاب، ليصبح الصراع بين الانقلاب والإخوان، شبيهاً بالصراع بين بوش وتنظيم القاعدة، فلا يؤاخذ الرئيس الأمريكي قضائياً بتهمة اجتياح أفغانستان وقتل الناس هناك.
في الأسبوع الماضي أشرت سريعاً إلى مقابلة ‘بلا حدود’ مع المستشار وليد شرابي، الذي بدا واضحاً أن سلطات الانقلاب تنظر إليه على أنه الأخطر من بين من غادروا مصر من الرافضين للانقلاب، وهذا ما يفسر كيف أن احمد الزند، رئيس نادي القضاة، بدا في مداخلاته التلفزيونية في غضب عارم وهو يؤكد أنه سأل وزير الداخلية كيف خرج؟ فكان الرد أن الخروج لم يكن من المنافذ الرسمية، في الوقت الذي وجه فيه القاضي المعزول الشكر لرجال الأمن في مطار القاهرة، الذين عاملوه بتقدير بالغ، وسهلوا له إجراءات خروجه.
في يوم السبت الماضي، تلقيت رسالة من صديقي الصحافي المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، جاء فيها وصفاً لي بـ ‘المتأخون’ ولم أفهم ما إذا كانت هذه الرسالة وصفاً من الصديق، أم هي بقايا رسالة له من صديقه المحامي الدولي الذي قال شرابي انه محامي السيسي، من خلال وثيقة حصل عليها من مكتب الفريق عبد الفتاح السيسي، حسب قوله، وتفيد أن قائد الانقلاب قام بتوكيل هذا المحامي المشهور بالانحياز للقضايا العربية، في مواجهة الهيمنة الغربية.
مثل هذا التوكيل لهذا المحامي مفهوم في عالم القضايا، فبعض المتهمات مثلاً في قضايا الآداب، يفضلن ان يكون المحامي مشهورا بالانتماء للجماعات الدينية، وبتوجهه الديني، وبعض المتهمين في قضايا التطرف والإرهاب يفضلون أن يكون المحامي من التيارات الأخرى، لتسهيل مهمة إثبات البراءة، ولا يستبعد أن يبحث من قتل المتظاهرين السلميين عن محام له هذه السمعة الطيبة.
لم يشغلني وصف ‘المتأخون’، بالرغم مما فيه من استهانة بشخصي الكريم، فأنا المرشد، وقد بدأ الأمر بوصفي عقب الانقلاب بأنني من الخلايا النائمة، وترقيت في سلك الاتهام لأصبح إخوانياً، وها هو صديقي يهبط بي درجة بأن وصفني بالمتأخون.
خلايا نائمة
تذكرون ما كتبته هنا عن المناظرة التي جرت بيني وبين من انحازوا للانقلاب عقب وقوعه مباشرة على قناة ‘الحرة’، وكيف أن السياسي المستجد محمد أبو حامد اتهمني على الهواء مباشرة بأنني ‘اخواني’، وعندما رد عليه مقدم ‘ساعة حرة’ حسين جرادي بأني على خلاف مع الإخوان، قال بشموخ إنه ‘خلايا نائمة’ إذن!
على ذكر هذه المناظرة التاريخية، والتي تستمد تاريخيتها من كوني شاركت فيها، فتذكرون أنني تحدثت عن شخص كان معنا حرص قبل أن نكون على الهواء، على أن يُطلق عليه الفقيه الدستوري، وأستاذ القانون الدستوري، وهو الذي صك شرعية غير مسبوقة في تاريخ الديمقراطيات الحديثة هي ‘شرعية الحناجر’، وهي أهم من شرعية الصناديق، والأولى ليس معترفا بها دستورياً في حين أن الثانية حاصلة على صك الاعتراف، وذلك ليؤكد على أن الشرعية مع السيسي، الذي هتفت باسمه الحناجر، وليست مع الرئيس محمد مرسي، الذي أفرزته صناديق الاقتراع!
هذا الشخص، استمعت إليه في الأسبوع الماضي، وهو يتم تقديمه على ‘الجزيرة مباشر مصر’ بأنه أستاذ القانون الدولي، لأن الحلقة كانت حول الدعوى القضائية، التي تطالب بسحب الجنسية المصرية من عدد من العاملين في قناة ‘الجزيرة’ وضيوفها، وقد جاء ليبرر الدعوى، علماً بأن الجنسية ليست هبة ممنوحة لحامليها من الفريق السيسي، وعلماً بأن مصر لم تسحب الجنسية حتى من أولئك الذين اتهموا في السابق بالجاسوسية والتخابر لصالح إسرائيل وصدرت ضدهم أحكام قضائية بالسجن المؤيد.
وبعيداً عن كل هذه التفاصيل، فصاحبنا ليس إستاذاً للقانون الدولي، أو القانون الدستوري، فهو حاصل على درجة الدكتوراه في القانون التجاري، وما أظن ان القانون التجاري مما يعاب الناس منه!
ما علينا، فصديقي العزيز، أخذ علي أنني شاركت في محاولات اخوانية للتشهير بالمحامي الدولي، الذي لا تعجب مواقفه الإخوان، مع أني لست طرفاً في الموضوع، وكان رأيي والقضية على هذا النحو، وقد أثيرت في فضائية بحجم ‘الجزيرة’، أن يطلب المجال للرد، أو أن يصدر مكتبه بياناً يؤكد فيه انه لا علاقة له بالعسكر في مصر وقضاياهم، وبحسب معلوماتي أن القوم في ‘الجزيرة مباشر مصر’ حاولوا الاتصال به دون جدوى، وهذا ما أكده زين العابدين توفيق وهو يحاور المستشار شرابي، الذي قال الزند في احدى مداخلاته للمذيع غاضباً: ‘شرابك أنت’.. وليس ‘شرابي أنا’.. شر البلية ما يضحك!
زين قال إن محاولات للاتصال بالمحامي الدولي فشلت، وأنه يطلب منهم في الكونترول أن يواصلوا الاتصال به لنهاية الحلقة، وانتهت الحلقة دون أن يتوصلوا إليه.
وأخرجوا ألسنتهم
على ذكر ‘الجزيرة مباشر مصر’، فقد استمعت للعميد طارق الجوهري، أحد عناصر الحراسة على منزل الرئيس محمد مرسي، وهو يقول إن السبب في عدم الإفراج عن حبيب العادلي إلى الآن هو أنه كان يتجسس على أعضاء المجلس العسكري، وكأن هذا سبب البطش به في وقت نعيش موسم البراءات لسدنة المعبد القديم، والذين طلوا علينا، وأخرجوا لنا ألسنتهم، ولم يكن احمد فتحي سرور، رئيس برلمان مبارك، هو آخر من تصدر المشهد، فقد طالعنا صوراً لفاروق حسني، وزير الثقافة في عهد المخلوع، بدعوة من وزير الثقافة الحالي في فعالية ثقافية رسمية، ولا ريب فقد كان حسني يعد الوزير الحالي ليخلفه.
ربما تكون واقعة التجسس على أعضاء المجلس العسكري صحيحة، لكن من الملاحظ أن العسكر لم يعاملوا حبيب العادلي على قاعدة العداء، وعقب ثورة 25 يناير، كانت تسريبات من قبل المجلس العسكري تجد طريقها للنشر في الصحف، للضحك على الذقون، عن القبض على حبيب العادلي وإيداعه السجن، فلما اطمئن الثوار إلى نهايته، استيقظنا ذات صباح على بيان من العادلي نفسه بعد سقوط مبارك بأكثر من شهر، منشوراً في جريدة ‘المصري اليوم’ يؤكد فيه أنه في منزله وليس في السجن، وثارت ثائرة الثوار، وهددوا بإلقاء القبض عليه في منزله، فكان اعتقاله لحمايته، ولامتصاص الغضب، ومرة أخرى، يتم النشر المكثف عن الاهانات، التي يتعرض لها في السجن، وكيف أنهم حلقوا له شعره، وتبين ان كل هذه أكاذيب وان الرجل يعامل في السجن على انه وزير وتقدم له التحية العسكرية.
دعكم من قصة التجسس على المجلس العسكري في عهد مبارك، فالجميع كان يعمل عند ‘خولي’ واحد، والدم لن يتحول الى ماء، وتسلط احدهم على الآخر بما انه لصالح ‘الخولي’ فلا تثريب على المتسلط، وفي اتحاد الإذاعة والتلفزيون كان رجل العسكر هو عبد اللطيف المناوي، رئيس قطاع الأخبار، في حين أن ولاء أنس الفقي، كان لمبارك ولأهل بيته، ودخل انس الفقي السجن وخرج منه قبل أيام!
المعنى أنه لو طال أمد الانقلاب العسكري فسوف يتم الإفراج عن حبيب العادلي والمسألة مسألة وقت!
العادلي هو بطل أفلام الأكشن، وعندما وقعت تفجيرات صباح يوم 24 يناير الجاري تذكرته، لكن غيري تذكر محمد حسنين هيكل باعتباره هو من رسم سيناريو الانقلاب، وأسس لقاعدة بمزيد من الدم والاعتقالات ينته الأمر، ليأتي الإخوان لمائدة المفاوضات محلقين ومقصرين، فلا سيناريو لدى هيكل غير سيناريو 1954، وهناك تفجيرات سبقت الاعتقالات الكبرى للإخوان في عهد عبد الناصر.
لكن هيكل لا يعلم أن الزمن تغير، وأن الشعب الذي اسقط طاغية بحجم مبارك لم يعد يقبل الدنية في أمره.
على ‘سي بي سي’ قال احد الضيوف انه تم رفع الكمين الموجود أمام مديرية امن القاهرة قبل وقوع التفجيرات بربع ساعة. وفي المنصورة قال احد الجنود على احدى الفضائيات إنه لا يعلم لماذا تم إلغاء الكمين في الليلة، التي تم تفجير مديرية الأمن فيها.
لا بأس، فقد عشنا مع الانقلاب وصلة من الرقص الشعبي الأصيل في يومي الاستفتاء على دستورهم.. واليوم نحن فاصل من التفجيرات.
*صحافي من مصر