كتبت سالي أحمد: “يمنح القانون العراقي تفويضا رسميا من خلال نصوصه، لقضاة محاكم الاحوال الشخصية، تزويج الفتيات القاصرات في سن الخامسة عشرة، اي دون سن البلوغ القانوني”. هذا تحديدا ماذكره قاضي محكمة الاحوال الشخصية احمد الساعدي في حديثه خلال فلم وثائقي اعد من قبل مجموعة من منظمات المجتمع المدني.
ويبين الساعدي، ان هذا التفويض القانوني مقيد بشرطين هما “تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية لدى القاصر”، مستدركا بالقول، ان النصوص القانونية التي يتحدث عنها “صدرت قبل ما يزيد عن الخمسين عاما وهي تستند إلى اراء فقهاء المذاهب الاسلامية”.
وربما حاول الساعدي من خلال حديثه إضفاء نوع من الشرعية الدينية على النصوص القانونية المذكورة. والمعروف في مجتمع كالعراق ان كل ما يتعلق بالدين هو خط احمر غير قابل للجدل او التعديل.
ويقول الساعدي، انه قد يلام وينتقد على قول جملته التالية “ان الزيجات من هذا النوع شرعية”. ويقصد هنا من ناحية دينية وليس قانونية فحسب.
ويضيف، ان سلبيات زواج القاصرات كثيرة، فمن خلال عمله رصد الكثير من هذه الزيجات وكانت نتيجتها الطلاق السريع، فالزواج لايدوم في كثير من الاحيان سوى ايام معدودة او بضعة اشهر، واصفا عملية تزويج القاصرات بأنها “ماكنة لانتاج الضحايا”.
ويبين الساعدي، ان السبب في انتشار ظاهرة زواج القاصرات يعود الى ان “جهات انفاذ القانون في محاكم الدولة تعج بالفساد والبريوقراطية بشكل غريب”. ويضيف، “عندما يكون هناك ضعف في تنفيذ القوانيين والتشريعات بالطبع يجرؤ الجميع على خرقها”.
رئيسة منظمة المراة النموذجية عذراء الحسني قالت لـ “العالم”، ان زواج القاصرات نوع من انواع “الاتجار بالبشر”.
وتوضح الحسني، وهي ناشطة معروفة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، ان منظمتها اجرت بحوثا معمقة حول الموضوع ووجدت ان الامر يعد خطيرا جدا لان اغلب حالات زواج القاصرات تتم خارج المحاكم. فالسلطات في عهد النظام السابق اعطت في مرحلة ما رخص قانونية لافتتاح مكاتب مختصة بعقد القران خارج المحكمة واعطي لمن يديرها صفة الخبير القانوني. واستمر افتتاح هذه المكاتب حتى بعد سقوط النظام، بل انها تضخمت وزاد عددها بشكل كبير في السنوات الاخيرة. وهي تمارس عملها دون رقابة. وتعقد الكثير من زيجات القاصرات.
وكشفت الحسني، عن حالات لفتيات في سن الثانية عشرة من العمر “زوجن لمرتين اوثلاث مرات متتالية”، عن طريق تلك المكاتب وقد تم تسجيل حالة في احدى العيادات القانونية المعنية بمعالجة حالات العنف ضد النساء في العراق ومنها زواج القاصرات.
وكان وزير التخطيط والتعاون الانمائي علي الشكري ذكر في تموز من العام الماضي ان “هناك 5،5% من النساء متزوجات قبل سن 15 عاما 23% متزوجات قبل سن 18%”. ويضيف ان وزارته اجرت احصاء أظهر ان اجمالي نسبة زواج القاصرات وصلت الى 11% من بين حالات الزواج التي جرى عقدها في داخل المحاكم.
الا ان شكري لم يوضح عدد حالات الزواج التي تضمنتها الاحصائية ونتج عن حسابها النسب المذكورة.
ويقول الباحث الاجتماعي سامان كوركيس، ان “انتشار التخلف وانعدام الثقافة لدى العديد من العوائل العراقية اضافة الى ارتفاع معدلات الفقر الذي وصلت نسبته وفقا لوزارة التخطيط العراقية 11%، جميعها مسببات ادت الى انتشار ظاهرة زواج القاصرات، الذي ترتفع معدلاته بشكل كبير في جميع المحافظات العراقية دون استثناء”.
ولا يقف الامر عند هذا الحد. فبعض العيادات القانونية منها العيادة التابعة لمؤسسة دار فاطمة الخيرية النسوية، رصدت حالات لفتيات قاصرات زوجن وانجبن وهجرن من قبل ازواجهن وهن لايمتلكن اي مستمسكات قانونية تثبت انهن كن متزوجات. وتوضح رئيسة المؤسسة دلال الكناني لـ”العالم” ان عدم امتلاك القاصرات المتزوجات لمستمسكات تثبت زواجهن يعود لكون “زواجهن تم على يد رجل دين” واحيانا يكون الزواج لفظي، أي مجرد ذكر عبارات الزواج المعروفة وينتهي الامر دون تدوينه رسميا.
وتضيف الكناني، ان الكثير من الزوجات القاصرات يحضرن الى العيادة القانونية لمؤسستها بحثا عن مخرج قانوني يتيح لهن ايجاد اوراق ثبوتية لزواجهن، “ودافعهن في ذلك هو استخراج مستمسكات قانونية لابنائهن الذين كانوا نتاجا لهذا الزواج، ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي ولاينظر لهم من قبل المجتمع على انهم ابناء غير شرعيين”.
كتابات