مما لا شك فيه أن اليمن اليوم كغيره من دول عربية أخرى يقع على خريطة التجاذبات الدولية، التي تتحول بين فينة وأخرى الى حرب باردة بين قوى إقليمية، تنعكس بصورة دموية في اشتباكات مسلّحة بين حوثيين مؤيدين لإيران وسلفيين تابعين للسعودية، فيما لا يزال «السعيد» ساحة مُستباحة لطائرات الأميركيين بلا طيار، التي تقصف كما تشاء بحجة ملاحقة عناصر تنظيم القاعدة.
ولعل آخر أوجه هذا الصراع الاغتيالات المتلاحقة التي كانت في الفترة الماضية تستهدف قادة وعناصر أمنيين، وتحولت أخيراً الى اغتيالات سياسية لا يستبعد المراقبون أن تكون ضمن خطة الاستخبارات السعودية لمحاربة النفوذ الإيراني بالقرب من حدودها الجنوبية.
فاغتيال أحد ممثلي جماعة الحوثي (أنصار الله) في مؤتمر الحوار الوطني، أمس، لا يمكن فصله عن اغتيال دبلوماسي ايراني يعمل في صنعاء السبت الماضي، كما لا يمكن استبعاد محاولة اغتيال نجل الأمين العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح أمس من دائرة هذا الصراع الاقليمي، وخصوصاً أن حزب التجمع المشارك في حكومة الوفاق الوطني، من أكبر الأحزاب في اليمن، وتأسس بعد الوحدة بين شطري اليمن يوم 13 أيلول 1990، بصفته تجمّعاً سياسياً ذا خلفية إسلامية، وعدّه البعض امتداداً لفكر الإخوان المسلمين.
بعد ثلاثة أيام على قيام «مجموعات إرهابية» باغتيال الدبلوماسي الإيراني علي أصغر أسدي، في صنعاء، فتح مسلحون مجهولون النار أمس من سيارة مسرعة في العاصمة على سيارة عضو القائمة الحوثية في الحوار الوطني، العميد السابق لكلية الحقوق في جامعة صنعاء، أحمد شرف الدين. وللتذكير فإن مقتل شرف الدين ليس الأول الذي يستهدف سياسياً من جماعة الحوثيين في مؤتمر الحوار، فقد قتل أيضاً النائب وممثل الحوثيين في الحوار عبد الكريم جدبان برصاص مجهولين نهاية تشرين الثاني الماضي في صنعاء.
وتأتي عملية الاغتيال في ظل تجدد المواجهات بين الحوثيين والقبائل الموالية لهم من جهة، وأجنحة من قبائل حاشد النافذة بزعامة آل الأحمر في محافظة عمران الشمالية، ما أدى إلى سقوط 22 قتيلاً في الايام الأخيرة.
في هذه الاثناء، أعلن الحوثيون انسحابهم من مؤتمر الحوار الوطني، احتجاجاً على مقتل شرف الدين. وقال المتحدث الرسمي باسم الحوثيين في مؤتمر الحوار، علي البخيتي، لوكالة «الأناضول»، إن انسحاب الحوثيين، جاء احتجاجاً على مقتل ممثلهم لدى مؤتمر الحوار.
ولم يعط البخيتي أي تفاصيل إضافية حول الانسحاب، إلا أن مصادر في مؤتمر الحوار الوطني قالت لـ «الأناضول» إن الانسحاب سيستمر حتى توفَّر الحماية الأمنية للأعضاء الحوثيين.
اغتيال الدبلوماسي الايراني والمسؤول الحوثي ونجاة نجل الأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح عبد الوهاب الآنسي هذا الاسبوع، في غمرة استمرار القتال بين السلفيين المدعومين من السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران، طرح علامة استفهام حول مغزى هذا النوع من الاغتيالات السياسية. واقع عبّر عنه بوضوح وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي، في تصريحات خاصة لصحيفة «السياسة» الكويتية أول من أمس، حين اتّهم «مجموعات إرهابية تحاول بما فعلته الإساءة إلى العلاقات بين صنعاء وطهران» بقتل المسؤول المالي في السفارة الإيرانية في صنعاء السبت الماضي.
في الوقت نفسه، أفادت مصادر أمنية بأن عبوة ناسفة زرعت في سيارة عامر الآنسي، مضيفة أن العبوة انفجرت قرب مؤسسة «مجموعة الجيل الجديد» التي يملكها الآنسي، ما أدى إلى إصابته في رجله، ورأسه.
سياسياً، من جهته، كان موقف الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، ينم عن تحدٍ لأي محاولة من شأنها نسف مسيرة الحوار الوطني في بلاده. فبعدما دان أمس عملية اغتيال شرف الدين، أمام المشاركين في آخر جلسات الحوار، قال إن «هذا الحوار سينجح وستفشل قوى الشر»، لكنه فيما كان يعلن أن حفلاً ختامياً سيقام السبت المقبل لمناسبة انتهاء جلسات الحوار، غادر عدد من ممثلي «أنصار الله» القاعة. وأشار عبد ربه إلى أن الوضع الحالي في بلاده لا يزال صعباً، داعياً إلى اصطفاف وطني للخروج من الأزمات التي تعصف باليمن.
وحول وثيقة حلول القضية الجنوبية التي تعد القضية الشائكة في مؤتمر الحوار، رأى الرئيس اليمني أن الوثيقة لا ترمي إلى تقسيم البلاد، «بل إنها وثيقة تأسيس وحدة اليمن أرضاً وإنساناً، وهي التي ستمثل جوهر اليمن الجديد».
وأضاف إنها «وثيقة تاريخية، وهي وثيقة ملك الشعب اليمني كله يحميها ويسهر على تطبيقها ويعاقب من يريد إعاقة تنفيذها».
بدوره، أدان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، ومستشاره الخاص الى اليمن، جمال بن عمر، «بشدة» اغتيال شرف الدين.
وقال في بيان «انها جريمة في حق اليمن، واستهداف جديد للعملية السياسية، ومحاولة يائسة لإحباط مؤتمر الحوار».
وأشاد بن عمر بشرف الدين، الذي «كان له دور بارز وفاعل في مسيرة التغيير في اليمن منذ بدايتها، وخصوصاً مساهماته البنّاءة في مرحلة الإعداد لانعقاد» الحوار.
من جهة ثانية، سيستمر هادي، الذي أصبح رئيساً للبلاد عام 2012، فترة ولاية مدتها عامان، وفقاً لاتفاق جرى التوصل إليه بوساطة خليجية، حيث سيشرف على الانتقال إلى نظام اتحادي، يرمي إلى استيعاب مطالب الانفصاليين في الجنوب، بالحصول على المزيد من الحكم الذاتي. وكان من المقرر أن تنتهي فترة الرئاسة في شباط المقبل.
وجرى تفويض الرئيس أيضاً بتعديل الحكومة، وباعادة هيكلة مجلس الشورى لمنح الجنوب والمتمردين الحوثيين في الشمال مزيداً من التمثيل. ومن المقرر أن يشرف الرئيس أيضاً على صياغة دستور جديد لليمن.
ووافق المشاركون في الحوار على نظام اتحادي، لكن عليهم الاتفاق على بعض التفاصيل، التي ستناقشها لجنة خاصة يرأسها رئيس البلاد.
وبدأت جلسات الحوار الوطني في اليمن في آذار الماضي، بمشاركة 565 شخصية تمثل شرائح المجتمع اليمني، وهي ترمي إلى وضع حلول لـ 9 قضايا تقف وراء أزمات اليمن، من بينها قضية الجنوب، وقضية صعدة، وبناء الدولة وقضايا ذات الصلة بالحقوق والحريات، والعدالة الانتقالية، والتنمية، إلا أن عدم سرعة التوافق على بعض قضايا المؤتمر، مثل القضية الجنوبية، أجبر الأمانة العامة لمؤتمر الحوار على تمديد فترته، حتى السبت المقبل، برغم أنه كان من المقرر أن تنتهي أعماله في أيلول الماضي.