نقطتان مهمتان لا بد من إثارتهما عند الحديث عن قرار الائتلاف بالذهاب إلى جنيف. أولاهما: الموقف من القرار وقانونيته، وثانيهما مهمة الائتلاف بعد قراره هذا.
نودّ أن نشير أولاً أن أحداً من السوريين لم يكن يتوقع أن يرفض الائتلاف الوطني الذهاب إلى جنيف 2. والقرائن على ذلك كثيرة، من أهمها تصريحات “أصدقاء الشعب السوري” التي كانت تتحدث عن مسار المؤتمر قبل أن تتم الموافقة عليه، بل ومسار المفاوضات في بعض الأحيان. فهم كانوا متأكدين من الموافقة، ولا أشك أن الجربا لم يحصل على أي ضمانات لتنحية الأسد، لكنه أعطى ضمانات بحضور المؤتمر.
جاءت استقالة أربعة وأربعين عضواً من الائتلاف لتعطّل مسار الموافقة بعض الوقت. لكن لم يكن بمقدور الجربا ومن عينه رفض القرارت الدولية المتعلقة بالمسار السياسي. ولم يكن للائتلاف أن يعترض على “رغبات” الدول الراعية للمؤتمر، خاصة تلك المسماة أصدقاء الشعب السوري، فهو مهدد بقطع التمويل والمساعدات بل والاستبدال.
علاوة على ذلك، أ فلا نسأل لماذا شكل الائتلاف أصلاً؟. ونحن نعلم جيداً أنه شكل في لحظة التفاف على المعارضة التي كانت لا تتوقف عن انتقاد المواقف الغربية، وعن المطالبة بتسليح الثوار أو على الأقل فرض حظر جوي على طيران الأسد. لا يستطيع أحد أن يخفي أن رياض سيف وفورد هما من شكل الجسم الجديد بهدف التحول إلى البحث عن حل سياسي، والتخفيف بالتالي من إحراج الغرب الذي ترك الشعب السوري يذبح على مدار ثلاث سنوات.
بالعودة إلى قانونية القرار، إن انسحاب عدد كبير من الأعضاء جعل الهيئة العامة غير قادة على التصويت قانونياً لتمرير قرار الذهاب، فما كان من السيد الجربا وبعض مناصريه إلا الطلب إلى اللجنة القانونية للاجتماع عاجلاً وإيجاد وسيلة لتحويل شرعية الموافقة على القرار من الثلثين إلى الأغلبية البسيطة، وبالفعل اجتمعت اللجنة المؤلفة من ستة أشخاص، إلا أن أربعة من أعضاء اللجنة رأوا أنه لا مجال لتغيير النظام الأساسي للائتلاف في سبيل تمرير المشروع، ومع ذلك تم عقد الهيئة العامة والتصويت لصالح القرار بثمانية وخمسين صوتاً مع أنه يحتاج إلى ثمانين ليصبح نافذاً.
يعتريني شك في أن جنيف سيشرعن الأسد بعد أن كان عدواً، وقد تطول المحادثات مع نظامه سنين عديدة تكون مترعة بدماء السوريين وتهجير ما تبقى منهم لصالح قيام دولة طائفية. الخوف يأتي بالطبع من التجارب السابقة مع “الدابي” الذي جعل النظام على حق واتهم المعارضة بالاعتداء على الجيش السوري كما قال، ثم بكوفي عنان الذي لعب دوراً واضحاً في إطالة عمر النظام السوري، ثم بالأخضر الإبراهيمي الذي كان أسوأ صحبه لدرجة أنه كان يهدد المعارضة بقبول خططه أو الجحيم كما قال بالنص. بعد سنوات قد يعلن الغرب قبل الشرق أنه متمسك بالأسد، وأن النظام في دمشق هو الضمانة للأقليات، ولأمن الكيان الصهيوني أيضاً، وهو السدّ المنيع في وجه “الإرهاب”.
تم إقرار الذهاب إلى جنيف وانتهى الأمر، وعلينا بالتالي البحث في الإيجابيات الممكنة لهذا المؤتمر، ولهذا فإنني أعتقد أن على الائتلاف أن يثبت حضوره من خلال وفد سياسي وآخر قانوني وثالث إعلامي. كما أن عليه أن يضم ممثلين عن الثوار، وعليه، إن كان صادقاً في خدمة أهداف الثورة السورية، أن يضع سقفاً زمنياً للتفاوض مع العدو، ولعل هذه النقطة الأهم، فإن رأى ممثلوه أن الأسد ومن وراءه يماطلون، فلينحسب فوراً. والحقيقة فإن علينا أن نعتبر الائتلاف عدواً للشعب السوري تجب محاسبته في حال فرط بمطالب الثورة السورية أو بعضها، أو في حال أنه لم يحترم سقفاً زمنياً لمفاوضاته.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام.فرنسا