تناول الباحث الإسرائيلي المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، ايهودا ايعاري في دارسة نشرها موقع “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”، ما أسماه “المثلث الجديد: مصر، إسرائيل، حماس”.
وأشار ايعاري إلى التطورات العسكرية والترتيبات التي جرت على معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية، حيث سمحت الاتفاقية للجيش المصري الثاني بقيادة اللواء أحمد وصفي نشر طائرات أباتشي ومدرعات في المناطق القريبة من الحدود مع “إسرائيل”، وهي محظورة بالنسبة للجيش المصري بموجب الملحق العسكري للمعاهدة.
ورأى الكاتب وهو مؤلف أكثر من دراسة عن حركة حماس ومعلق في القناة الإسرائيلية، أن “الهدف من التعزيزات العسكرية هي ملاحقة العناصر الجهادية التي تتخذ من سيناء مركزاً لها”.
وناقش الكاتب في دراسته ما أسماه “نجاح الجيش المصري إلى حد كبير في تحييد الجماعات الجهادية من خلال عزل القرى البدوية واعتماد سياسة الأرض المحروقة ومعاملة السكان بوحشية”.
وأضاف الكاتب أنّ الهدف الآخر من تعزيزات الجيش المصري مواجهة حركة حماس في غزة، “ما يبدو أن إسرائيل مترددة ناحيتها”.
وقال إن “الجيش المصري بات ينظر لغزة كعدو، وحث الإعلام على مهاجمة حماس، كما طلبت مصر مراراً من إسرائيل التفكير بطرق غير عسكرية لمراكمة الضغط على حماس. ويقول إن مصر ترى ان القضاء على الإخوان المسلمين في مصر لن يكتمل طالما لم يتم القضاء على حماس”.
مراجعة سرية للمعاهدة
وأشار الكاتب إلى أن مصر وإسرائيل استخدمتا في العام الماضي تفاهما قانونيا تسمح فيه معاهدة السلام تجاوز القيود على عدد القوات المصرية في منطقة سيناء.
وتابع أن قيامهما بهذه العملية كان دون احتساب لمخاطر العودة و”مراجعة” المعاهدة من جديد. وقال “ومن هنا نشرت القوات المصرية بموجب هذا الاتفاق قوات لها وبشكل مستمر في مناطق وسط وشرق سيناء المعروفة بـ “بي و سي”، وبطريقة لم يكن يتخيلها الطرفان اللذان تفاوضا عليها قبل ثلاثة عقود”، بحسب الدراسة.
وذكر ايعاري أن “هذه السياسة ستترك أثرها على كل من إسرائيل ومصر، ومن المستبعد التراجع عنها في القريب العاجل، وفي ظل العمليات العسكرية المستمرة في سيناء ومصير حماس في غزة”.
ويقدم الكاتب تفاصيل البند العسكري في المعاهدة الموقعة عام 1979.
ولاحظت الدراسة أن الجيش المصري منذ العام الماضي يظهر حضورا في المناطق التي كان محظورا عليه نشر قوات فيها حيث وصل عدد القوات المصرية فيها إلى حجم جيش مقاتل، ويبلغ حجم العدد المسموح فيه في منطقة غرب سيناء 22 ألفا وهي المنطقة التي لا تخضع لنفس القيود التي تخضع إليها منطقة الوسط والشرق.
وقال إيعاري إن “التغير في طبيعة المعاهدة تم التوصل إليه عبر مفاوضات قادها الدبلوماسي الأمريكي ديفيد ساترفيلد، المسؤول عن قوات المراقبة الدولية المتعددة الجنسيات”.
وتابع أنه “وبناء على آلية النشاطات المتفاهم عليها والتي تم التوصل إليها من خلال القوات المتعددة الجنسيات، وافقت على دخول القوات المصرية المناطق “المحظورة” في شرق ووسط سيناء، وسمح بهذا التوسع من ناحية العدد وطبيعة الأليات.
وأشارت الدارسة إلى أن الجيش المصري عادة ما يتم توصيف عملية انتشاره على أنها “مناورات”، “ولكنها لم تكن أبداً تدريبات للوحدات المقصودة” على حد قول الكاتب.
ومن خلال تجديد هذه الترتيبات شهريا بين مصر وإسرائيل فقد تم خلق وضع يحضر فيه الجيش المصري وبشكل دائم في منطقة سيناء. ورأى الكاتب أن التغيير في طبيعة المعاهدة سيصبح شكلا دائما، ولم يعد هناك حاجة للتفاوض حول أي بند من بنود المعاهدة. ومن خلال التهرب من الدعوات المصرية لمراجعة بنود المعاهدة خاصة الملحق العسكري منها، فقد تجنب الطرفان المخاطر المترتبة على فتح ملف المفاوضات من جديد على المعاهدة مما يؤدي لتدخل أكثر من أي طرف سياسي.
حملة سيناء
قال الكاتب إن التشكيلات الجديدة في منطقة سيناء قد ساعد الجيش على الانتصار في المعركة ضد المتشددين الذين وجدوا ملجأ آمنا لهم في المنطقة “وبعد عزل وتنظيف المنطقة المأهولة من السكان في شمال سيناء، أحيانا باستخدام الوسائل القاسية وسياسة الأرض المحروقة ضد القرى، ومضارب وأحياء البدو- وضع الجيش الكثير من الجماعات الإرهابية في وضع الدفاع خاصة أنصار بيت المقدس. وقتل في العملية حوالي عشرين من قادة الإرهابيين، على الرغم من عدم القبض على عبدالله الأشقر قائد أنصار بيت المقدس”.
وقال ” يتوقع البدء بالحملة القادمة في الربيع المقبل ضد معاقل الإرهابيين في جبل هلال أو كما يعرف “تورا بورا” سيناء حيث يعتقد تحصن حوالي ألف متشدد فيه.
وهناك هدف ثانوي سيتبع هذا وهو مهاجمة منطقة جبل عمرو القريبة من الحدود مع إسرائيل. وفي كلا الهجومين من المتوقع اعتماد المصريين على القصف الجوي والمدفعي بدلا من الهجوم باستخدام المدرعات، وهناك بعض الإرهابيين ممن غادروا سيناء تحسبا للهجوم”.
وشدّد الكاتب على أنّ إسرائيل لها مصلحة واضحة بنجاح الحملة المصرية؛ لأن المتشددين في سيناء هاجموا أكثر من مرة أهدافا داخل الحدود الإسرائيلية، سواء من خلال العمليات الإنتحارية أو الصواريخ أو الكمائن.
وزاد على ذلك بالقول”في الحقيقة شجعت إسرائيل القاهرة منذ زمن لتبني استراتيجية استباقية ضد هؤلاء الإرهابيين”.
من جانبهم يتعامل المصريون مع المتشددين في سيناء كتهديد مباشر لمصر أو مناطقها الرئيسية وفقاً للكاتب.
و”بالتأكيد فالتقارير عن نشاط أنصار بيت المقدس وبقية الفصائل في منطقة قناة السويس تم تأكيدها. وقامت هذه الجماعات بالإعلان عن مسؤوليتها عن الهجون في 24 كانون الأول/ديسمبر أمام مقر مركزي للأمن في مدينة المنصورة والذي قتل فيه 16 شخصاً، كما حاول الإرهابيون تعويق الملاحة البحرية في قناة السويس واستخدموا قنابل هاون مما دفع القاهرة لاتخاذ اجراءات أمنية خاصة حول القناة بما في ذلك تركيب نظام رقابة وبمساعدة أمريكية”.
وأضاف الكاتب أن مظاهر القلق المصرية هذه تزاوجت مع مخاوف إسرائيل من قيام نفس المجموعات هذه باستهداف السفن الإسرائيلية في خليج العقبة وكذلك ميناء إيلات، والمناطق السكانية الإسرائيلية على طول 250 كيلومترا من الحدود مع مصر.
ورأى الكاتب أن “مستوى التنسيق وتبادل المعلومات بين الطرفين هو الاعلى منذ زمن طويل، حيث يتواصل القادة الكبار من البلدين على قاعدة يومية”.
ويشير إلى أن الوحدة متعددة الجنسيات “أثبتت أنها اداة يمكن الوثوق بها، وسرية وفاعلة لتسهيل الاتصالات بين المصريين والإسرائيليين وتبادلهم المعلومات بعيدا عن أعين الرأي العام، وتلعب دورا لا يقدر بثمن، بالتزام كل طرف بالتفاهمات وتقدم أداة يمكن من خلالها حل المشكلة سريعا ومنع وقوع الازمات. ولهذا فوحدة القوى المتعددة الجنسيات نقطة اتصال لا تعوض في الوضع العسكري في سيناء”.
معضلة حماس
أمّا بالنسبة لحماس فمن وجهة نظر الكاتب “يتعامل الجيش المصري مع حماس في غزة كعدو، ويقوم علنا باتهامها بالمسؤولية عن الأعمال الإرهابية في سيناء. ويزعم الجيش المصري أنه حصل على معلومات موثوقة تقول إن الإرهابيين في سيناء بل ومن داخل مصر تم تهريبهم في مرة أو مرات لغزة، حيث تلقوا في معسكرات حماس تدريبات على تركيب المتفجرات والنشاطات العسكرية الأخرى.
واتهمت القاهرة قائدين بارزين في كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس بالإشراف على التدريب: رائد العطار، قائد المنطقة الجنوبية في رفح، وأيمن نوفل القائد السابق لمنطقة الوسط والذي أعتقل أثناء حكم حسني مبارك لكنه هرب لغزة بعد الثورة عام 2011.
كما تعي المخابرات المصرية الإتفاق بين حماس والسلفية الجهادية في غزة والذي لا تعترض بموجبه على الأخيرة من التعاون من زملائها في سيناء، في الوقت الذي يتجنب فيه السلفيون أية أفعال قد تؤدي لمواجهات مع إسرائيل على طول حدود القطاع مع إسرائيل”.
ويضيف أن هناك تعاونا بين الجيش والإعلام المصري “في الوقت نفسه حث السلطات العسكرية المصرية الإعلام الوطني الالتزام بحملة قاسية ومعادية لحماس. وفي العشرة أيام الأخيرة دعا قادة بارزون في الجيش المصري لم يكشفوا عن هويتهم إما ضرب غزة مباشرة أو القيام بحملة لإثارة السكان ضد حكام القطاع، وهذه الحملة سيتم التنسيق فيها مع السلطة الوطنية وبدعم تكتيكي من إسرائيل”.
و “بناء على هذه الآراء طلبت مصر مراراً من إسرائيل التفكير بأفكار خلاقة يتم من خلالها تشديد الضغط العسكري على حماس. ومع ذلك فعلى البلدين التوصل لاستراتيجية واحدة على تلك الجبهة. ففي الوقت الذي يعتقد فيه القادة العسكريون المصريون أن تدمير قوة الإخوان المسلمين السياسية في داخل مصر يقتضي التخلص من أختها في غزة، لكن الإسرائيليين مترددون في دفع حماس لحافة الإنهيار لخوفهم من المجهول، أي من سيحل محل حماس، إذا تم الإطاحة بها من خلال حركة احتجاج شعبي؟. ويخشى الإسرائيليون من الفوضى إن اندلعت في القطاع، أو أسوأ من هذا سيطرة جماعات أكثر راديكالية مثل الجهاد الإسلامي المتحالفة مع إيران أو السلفية الجهادية”.
ويقول التقرير إن حماس اتخذت إجراءات لمنع حدوث هذا وحذرت السكان من أية محاولات للتظاهر أو التخريب.
ويختم الكاتب تقريره بالقول “أدى حضور الجيش المصري في المناطق المحظورة في سيناء والتعاون الأمني المصري- الإسرائيلي وعزل غزة من خلال تقييد المرور على معبر رفح وتدمير أكثر من ألف نفق للتهريب بين عزة وسيناء، لخلق واقع جيوسياسي جديد في شبه صحراء سيناء وهو واقع يستحق الدعم من الولايات المتحدة”.
وأكد الكاتب أنّ تحقيق الإستقرار في سيناء سيؤدي لنزع خطر العمليات الإرهابية التي تهدد العلاقات المصرية – الإسرائيلية وتوفر الأمن لقناة السويس والخطوط البحرية الأخرى.
“وهذه النتيجة قد تؤدي إلى تراخي قبضة حماس القوية على غزة، وبالتأكيد مد بعض قادة حماس عن أيديهم لتقديم تنازلات للسلطة الوطنية، والبحث عن طرق لتوحيد الضفة الغربية مع غزة. وهذه واحدة من الإشارات أن مثلث مصر- إسرائيل- حماس سيترك أثره الكبير على المشهد الفلسطيني”.