مزرعة “الجميز” بصحراء النقب، التي دفن فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون، يوم أمس، تقول عائلة الزرباوي المصرية إنها “مالكة للأرض المقامة عليها المزرعة، وأن لديها المستندات وأوراق الملكية التي تثبت ذلك، وهو ما لم يتسن الحصول على تعقيب فوري من قبل السلطات الإسرائيلية بشأنه.
ليس ثمة الكثير مما هو معلوم عن مزرعة رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل أرييل شارون، والتي سماها بـ”حفات هشيكيم” بالعبرية أو “الجميز” بالعربية، والبالغة مساحتها نحو خمسة آلاف دونم (الدونم 1000 متر مربع) والممتدة في الجهة الشمالية من صحراء النقب (جنوبي إسرائيل).
لكن ما هو معلوم عن تلك المزرعة التي خصصها شارون قبل دفنه فيها يوم أمس الإثنين، لتربية الماشية ، واستقبل فيها على مدى سنوات، العديد من المسؤولين الأجانب ومن بينهم وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق كوندوليزا رايس، هو ما كان في أدراج عائلة “الزرباوي” المصرية، مالكة الأرض المقامة عليها تلك المزرعة، “منذ ما يزيد عن 90 عاماً” والتي تتهم اليوم شارون بـ”باغتصاب الأرض حياً وميتاً”.
الحاج فايز سليم سليمان الزرباوي، الذي تجازو الستين من عمره، وتحدثت معه الأناضول من محل إقامته بمدينة العريش (شمال شرق مصر)، هو واحد من بين “ورثة” أرض المزرعة، والتي “سبق لأجداده الذين كانوا يقيمون في مدينة بئر السبع (كبرى مدن النقب) أن اشتروها، ولديهم صك بملكيتها (الطابو)، ومستندات ما زالت محفوظة في دائرة أملاك الغائبين في المدينة”.
وأملاك الغائبين، هي دائرة تابعة للحكومة الإسرائيلية، وتسيطر على أراضي وعقارات الفلسطينيين والعرب الذين خرجوا من الأراضي الفلسطينية بعد احتلال إسرائيل لها عام 1948.
وعن “هشيكيم” التي أوصى شارون أن يدفن فيها إلى جانب زوجته الثانية “لِيلِي”، والمجاورة لتلة “شقائق النعمان”، يقول الزرباوي، “تعود قصة الأرض إلى عام 1920 عندما اشترى أجدادي الذين كانوا يقيمون في مدينة بئر السبع، وكانوا يملكون أراضٍ هناك، تقدر مساحتها بـ25 ألف دونم، بينها أرض المزرعة، ومسجلة رسمياً بدائرة (الطابو)، عندما كانت الأرض فلسطينية قبل احتلالها على يد إسرائيل”.
ويضيف وريث عائلة الزرباوي التي يعود موطنها إلى منطقة “بلبيس” بمحافظة الشرقية بدلتا النيل، “عند احتلال فلسطين عام 1948 رحل أجدادي من بئر السبع إلى مدينة رفح المصرية، ومنها إلى العريش، وبقيت أرضهم هناك، إلى أن استولت عليها إسرائيل”.
وبحسب الوريث المصري لمزرعة شارون، فإن “لدى العائلة أوراقاً رسمية تعترف بها بريطانيا، وإسرائيل، والأتراك خلال فترات حكمهم في المنطقة”.
ويتابع “لقد اكتشفنا أن جزءً من أملاكنا في النقب، أقيم عليها أيضاً مفاعل ديمونا النووي، وقمنا على إثر ذلك برفع دعاوي ضد شارون شخصياً، لاسترداد الأرض التي أقام عليها مزرعته، ولكن إسرائيل راوغت، ولم نحصل على أي حكم لصالحنا، وغير ذلك قمنا بتقديم ملكية الأرض إلى الخارجية المصرية للمطالبة باسترداد الأرض عبر القنوات الرسمية، ولكن لم نصل إلى نتائج إيجابية حتى اللحظة”.
ولم يتسن الحصول فوراً على تعقيب من قبل الجهات الإسرائيلية أو السلطات المصرية بشأن قضية عائلة الزرباوي، والدعاوي التي يقول وريثها إنه تقدم بها لاستراداد الأرض.
وبينما كان شارون يدفن في مزرعته، كان الحاج الزرباوي يتابع الحدث عبر شاشات التلفزة، ويحدث نفسه قائلاً:” ها هو من اغتصب أرضنا حياً، يغتصبها اليوم ميتاً بدفن جثمانه في التراب الذي اشتراه أجدادي بعرق جبينهم”.
وفي وصف فريد لمزرعة شارون، يقول المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) المختص بالدراسات الإسرائيلية (غير حكومي) في تقرير له، حصلت الأناضول على نسخة منه، “تمتد مساحة مزرعة الجميز على خمسة آلاف دونم من الأراضي المزروعة والبيارات ومناطق الرعي، وهي تقع على الشارع الواصل بين سديروت ومفرق بيت قما، جنوب شرق المدينة، ويقطعها واديان يجريان في الشتاء”.
وبحسب (مدار)، “فقد دفع شارون ما يقارب مائتي ألف دولار للدولة مقابل الأراضي التي كانت فوقها القرية العربية “حوجه”، وقد حصل شارون على المال كقرض بشروط مريحة جداً من صديقه المقرب إليه رجل الأعمال اليهودي مشولام ريكليس”.
وتابع” في داخل المزرعة التي يقطعها شارع، يوجد بيتان كبيران محاطان بالحدائق الخضراء المعتنى بها، في البيت الأول المكون من طابقين يعيش شارون مع ولده جلعاد ، الذي يدير المزرعة بمساعدة شركة إدارة خاصة ، وزوجته عنبال وأولادهم الثلاثة، أما البيت الثاني فيقطن فيه من حين لآخر الإبن عومري، وخارج المزرعة، فوق تلة “شقائق النعمان”، يوجد قبر زوجته ليلي”.
ووفقاً للتقرير ذاته “فقد اشترى شارون المزرعة من دائرة أراضي إسرائيل قبل حرب أكتوبر/تشرين أول 1973، بعد أن فشل في الحصول على منصب قائد أركان الجيش الإسرائيلي ، وعلى مدى سنوات فقد ترددت باستمرار الاتهامات الموجهة له باستغلال مناصبه الرسمية من أجل جني الأرباح من المزرعة”.
ويقول “في العام 1977 ومع تعيينه وزيراً للزراعة في حكومة مناحيم بيغن، عين شارون في منصب مركّز العمل في المزرعة زميله في السلاح، مردخاي ليفي، الذي عبر معه القناة في حرب 73 وجرح خلال المعارك، وبموجب تقرير صحفي نشرته أسبوعية (كول هعير) في أبريل 2002 ، فقد طلب شارون آنذاك من ليفي التوقيع على اتفاق استئجار تجنباً لمخالفة قانونية محتملة، وأخذ على نفسه المسؤولية القانونية عن المزرعة، وقد رفض إسحاق نفتسئيل، مراقب الدولة في حينه ، صراخ المعارضة ضد تناقض المصالح، مدعياً أن ليفي ليس من أبناء عائلة شارون”.
ولفت التقرير إلى أن “عشرات العمال الأجانب معظمهم من التايلانديين، يعملون في مزرعة شارون، وللتخفيف عن ولده جلعاد في إدارة المزرعة تم استئجار خدمات شركات إدارة خاصة”.
وفي بداية العام 1989 نقل شارون الملكية إلى نجليه جلعاد وعومري لتفادي تضارب المصالح اثر توليه مناصب حكومية، أما في العام 2010 فقد جددت سلطة أراضي إسرائيل تأجير المزرعة لمدة 49 سنة بقيمة 142 ألف شيكل إسرائيل سنويا.
ومع إعلان مستشفى “تل هشومير” الإسرائيلي قرب تل أبيب، في الحادي عشر من الشهر الجاري، وفاة شارون الذي كان في حالة غيبوبة منذ ثماني سنوات إثر إصابته بسكتة دماغية عام 2006، ومواراته الثرى بعد يومين في مزرعته المقامة في النقب الملاصق لقطاع غزة، ما زال المواطن المصري فايز الزرباوي، وعلى الرغم من تقدمه في العمر، يأمل أن “تعود الأرض لهم، وأن تتوارثها الأجيال وتحافظ عليه”.