يخطو النظام العسكري المصري خطوة كبيرة هذا الأسبوع نحو تثبيت الاستبداد الأكثر قمعا من أي حكم عرفه البلد من عقود، حيث يُستدعى المواطنون إلى صناديق الاقتراع للتصويت على الدستور الجديد الذي يعفي الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات من الرقابة والسيطرة المدنية، ويسمح لهذه الأجهزة بمحاكمة أي شخص يرونه تهديدا في المحاكم العسكرية.
وألمح الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي قاد انقلابا في يوليو الماضي ضد الحكومة الإسلامية المنتخبة، إلى أن الاستفتاء على الدستور هو تصويت عليه ليصبح رئيس مصر القادم.
ويجري الاستفتاء في مناخ يجعل نزاهة الاقتراع أمرا مستحيلا، حيث أُلقي القبض على الناشطين الذين حاولوا القيام بحملة سلمية للتصويت بـ”لا”، ومحاكمتهم بتهمة محاولة تغيير “المبادئ” الدستورية، ومنعوا تنظيم التظاهرات العامة، وقتلت الشرطة 27 شخصا واعتقالت 703 حاولوا الاحتجاج فى الجمع الثلاث الماضية وفقا لهيومن رايتس ووتش.
والمستهدفون ليسوا الإسلاميين فقط، ولكن أيضا العلمانيين المؤيدين للديمقراطية. فقد سُجن أربعة من القادة الأكثر شهرة في ثورة 2011 ضد حكم مبارك المطلق المدعوم من الجيش، بتهمة المشاركة في مظاهرات غير مصرح بها، وأُغلقت وسائل الإعلام المعارضة، وسجنوا ثلاثة صحفيين يعملون في قناة الجزيرة في القاهرة من دون تهمة.
والمصريون الذين يشاركون في الاستفتاء لا يعلمون متى ستقوم الحكومة بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي وعدت بها، أو بأيَهما ستبدأ. وفي هذا أشارت “ميشيل دن” من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إلى أنهم أيضا لن يعرفوا قواعد توزيع الدوائر الانتخابية، والتي كان يُتلاعب بها في الماضي من قبل الجيش لاستبعاد أحزاب المعارضة، ولا يعرفون ما إذا كانت السلطة التنفيذية القادمة سوف تحتفظ بصلاحيات في تعيين المحافظين أم لا.
كما إن أغلبية المراقبين ينتمون إلى منظمات تؤيد اعتماد نتيجة الاستفتاء، في حين طُرد المعهد الديمقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي من البلاد، وقد سبق لهم أن رصدوا الانتخابات في مصر 2012.
في ظل هذه الظروف، فإنه ينبغي أن يكون واضحا أن “خارطة الطريق” لاستعادة الديمقراطية التي يروجها الجنرال السيسي ليست أكثر من ورقة توت تغطي عملية استعادة نظام ما قبل ثورة 2011، في شكل أكثر خُبثا. ومع ذلك، فإن إدارة أوباما تناور لاستئناف جميع برامج المساعدات الأمريكية لمصر.
ومن شأن تمرير قانون الإنفاق الشامل الذي يجري إعداده لموافقة الكونجرس، بناء على إلحاح الإدارة الأمريكية، إعفاء مصر من قانون ينص على قطع المساعدات حال وقوع انقلاب عسكري.
وهو ما سيسمح باستئناف إرسال 1 مليار دولار من المساعدات السنوية إذا صادقت الإدارة (الأمريكية) أن مصر “قد نظمت الاستفتاء على الدستور ودعمت التحول الديمقراطي”. في حين سيُسمح بإرسال 500 مليون دولار أخرى بعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وشهادة أن “الحكومة المصرية تتخذ خطوات لدمقرطة الحكم وتنفذ الإصلاحات الاقتصادية “.
ولا يمكن لهذه الشهادات أن تكون نزيهة وصادقة. كما إنها ليست من الحكمة في شيء: أساليب الجيش القمعية لا يمكن أن تحقق الاستقرار في مصر، ناهيك عن معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الحادَة.
وإذا اعتقد الرئيس أوباما أنه يجب فرض عقوبات على الاستبداد الجديد في مصر، فإنه يجب أن يثير القضية للدفع بذلك، وإلاَ فعلى إدارته مساندة المصريين الذين يواصلون النضال من أجل ديمقراطية حقيقية، بدءا من أولئك الذين سُجنوا.