بقلم: شادي حميد / مدير أبحاث مركز “بروكنز” ــــــ الدوحة (*)
منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو في مصر، تحدث وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل مع الجنرال عبد الفتاح سيسي -صاحب الكاريزمية القوية في البلاد- أكثر من 25 مرة.
تبادل الرجلان، لأول مرة، التقارير الأولية على وجبة غداء لمدة ساعتين في ابريل (الماضي). على ما يبدو، يحب السيسي فظاظة هيغل. إن علاقتهما خلال واحدة من أسوأ موجات العنف في تاريخ مصر الحديث، تعطي صورة مقلقة ومثيرة للاهتمام عن التوجه الإستراتيجي لسياسة الولايات المتحدة في مصر وفي المنطقة.
منذ ذلك الغداء الأول، تحدث هاغل والسيسي كثيرا. فمن إجمالي 30 مكالمة أو نحو ذلك، قدمت الحكومة الأميركية 15 قراءة رسمية على مدى ستة أشهر، ومع كل واحد منها مجموعة من الرسائل المتشابهة إلى السيسي: حاول أن تكون أقل قمعا وأكثر احتضانا.
مصر هي البلد الوحيد الذي لهاغل خط مباشر للاتصال المنتظم، وليس مع وزير الدفاع وفقط، ولكن أيضا مع رئيس الدولة الفعلي، والسيسي يشغل كلا المنصبين.
مع مرور كل شهر، أصبحت النصائح المقدمة أكثر سريالية، مع طلب هيجل لواحد من أكثر النظم وحشية وقمعية في المنطقة ليكون “ديمقراطيا”. ورغم أن هناك أمثلة أخرى، مثل سوريا وإسرائيل-فلسطين، فإنه من الصعب التفكير في قضية أخرى انفصلت فيها السياسة الأمريكية تماما عن الحقائق على أرض الواقع، كما هو الحال مع مصر اليوم.
ثمة دلائل تشير إلى أن نصائح “هاغل” لم يكن لها تأثير يُذكر في السيسي وسلوك الحكومة المصرية، ذلك أنه منذ الانقلاب، كانت هناك أربع عمليات قتل جماعية، بما في ذلك أسوأ مذبحة في العقود الأخيرة (فض اعتصامي رابعة والنهضة)، وتم توقيف على 10 آلاف شخص أو احتجازهم، وحُظرت احتجاجات المعارضة. وتوسعت الحملة لتشمل الناشطين العلمانيين أيضا، حيث حُكم على ثلاثة منهم بالسجن لثلاث سنوات.
إذن، ما هو الهدف من كل هذه الأحاديث؟ التعاون الأمني مهم، لكنه لا يستدعي ما يقرب من 30 مكالمة واتصال هاتفي، بما في ذلك 10 في غضون أسبوع واحد فقط بعد الانقلاب؟ ماذا يجري بالضبط؟
إحدى الفرضيات أن وزير الدفاع كان يدرج ضمن حديثه تهديدات لينة.
ذلك أن “هاغل” ينحدر من مدرسة “الواقعية”، والتي تميل إلى التقليل من أهمية السياسة الداخلية للدول الحليفة: بالنسبة لـ”الواقعيين”، كل الأمور الأخرى متساوية، سيكون من الأفضل أن تكون مصر دولة ديمقراطية، ولكن هذا ليس مطلبا أساسيا. بينما الأهم من ذلك، بالنسبة لهيغل وغيره من الواقعيين، هو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتأثيره على المنطقة ككل، فيما يسميه الصحفي “جيفري غولدبرغ” نظرية “الربط”.
ولكن “هيغل” يعمل في نهاية المطاف تحت قيادة الرئيس باراك أوباما. على عكس ما قد يظن كثيرين في جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم، فإن إدارة أوباما لا تدعم الانقلاب، على الأقل ليس في الوقت الذي حدث فيه.
كما ذكر “آدم انتوس” في صحيفة وول ستريت جورنال، فقد حذر هاغل السيسي من مخاطر الانقلاب في 1 يوليو. لكن الارتباك ظهر عندما شن وزيرة الخارجية جون كيري، بعد أسابيع فقط، حملة لدعم استيلاء الجيش على السلطة، قائلا إن الجنرالات يعملون على “استعادة الديمقراطية” في مصر. ويبقي السؤال لماذا بالضبط يجب على السيسي الاستماع إلى هيغل، وخصوصا عندما كان كيري يغمز؟
كانت رسائل “هيغل” الخاصة مختلطة. ففي الوقت الذي كان يؤكد فيه طوال الوقت للسيسي على عدم الإقصاء وأن يشمل جميع الأطراف بالعملية السياسية، كان هو نفسه يعارض تعليق المساعدة العسكرية، التي تنص على دعم الولايات المتحدة لمصر بـ 1.3 مليار دولار سنويا.
ولكن المؤكد أنه في أكتوبر تحركت إدارة أوباما لقطع المساعدات بشكل جزئي، وكانت هذه خطوة رمزية إلى حد كبير، ربما على الأقل كانت تمهد الطريق لاستجابة أكثر قوة (من السيسي).
ومع ذلك، ذهب كبار المسئولين إلى مصر للتقليل من أهمية وتأثير وقف المساعدات، مؤكدين أن هذا الدعم سيستمر كالمعتاد.
وخلال زيارته لمصر يوم 3 نوفمبر، أكد كيري الرسالة بطريقه قوية ومباشرة، قائلا إن “قضية المساعدات صغيرة جدا”.
وفي الوقت الذي كانت فيه الحكومة تستعد لفرض حظر على احتجاجات المعارضة، ذهب كيري أبعد من ذلك، حيث أضاف أن “خارطة الطريق تتقدم في الاتجاه الذي تمناه الجميع”.
وفي اليوم التالي، قضي الرئيس المخلوع، محمد مرسي، وغيره من كبار الشخصيات في الإخوان يومهم في المحكمة بتهم ملفقة.