ألا تخجلون أيها المتحاربون في الشمال ، وقد تركتم قتال الأسد ووجهتم بنادقكم إلى صدور إخوانكم. لا أدري كيف يشعر أحدكم وهو يرى الصور المروعة التي بثتها وسائل الإعلام لشهداء الجوع في مخيم اليرموك، ولا يرعوي بعدها أن يوجه بندقيته إلى أخيه ويرفعها عن عدونا جميعاً.
هذه الرصاصة التي كنتم تشْكون من عدم توفرها ومن منعها عنكم، تطلقونها اليوم إلى أهليكم وبنيكم وإخوتكم. تلك الأسلحة الثقيلة التي تستخدمونها الآن والتي ادعيتم عشرات المرات أنكم لا تملكونها، تستعملونها اليوم في الاحتراب البيني وتتركون عدوكم في دمشق.
إن الذي رأى “كواكب حمص” وهم يستشهدون لإيصال أكياس الطحين إلى داخل الأحياء المحاصرة لحري به أن يعرف عدوه، فإن لم يعرف فما حاجة الثورة به. أكثر من خمسين شاباً من زهرات حمص عملوا أشهرأ عديدة، يحفرون تحت الأرض ليحملوا القوت إلى إخوانهم، ثم اغتالتهم يد الغدر وأنتم لا تكتفون بالتفرج، بل يقتل بعضكم بعضاً وكلاكما يرفع صوته بالتكبير.
لا أدري إذا كان المتقاتلون اليوم يعرفون سبب انطلاق هذه الثورة وضد أي عدو قامت. أ فيعقل أن عمل المخابرات الدولية والمال السياسي جعل بعضنا يقتل بعضاً، وجعل الأسد صديقاً لا عدوا.
في الوقت الذي تتطاحن به قوات الثوار على اختلاف فصائلهم يستمتع الأسد بقتل ريف دمشق وحمص جوعاً، ويرسل براميله إلى داريا فلا يبقي بشراً ولا حجراً. ويستمر في حرق المدن السورية وتهجير أهلها.
تناقلت بعض الأخبار أمس أن عدد القتلى في الحرب الدائرة بين تنظيم الدولة الإسلامية والفصائل المقاتلة لها وصل إلى 700 رجل. أ يعقل أن ثورتنا خسرت كل هؤلاء الشباب الذين لم يستشهدوا في الحرب التي نذروا أنفسهم لها في البداية، ولم يمت منهم أحد وهو يقاتل النظام، الذي يستبيح كل شيء في بلادنا بل ماتوا في احتراب داخلي للسيطرة على تلك المنطقة أو لتحريرها من سيطرة بعض الإخوة.
أ يعقل أننا نسينا 1600 طفل ماتوا بالسلاح الكيماوي ومائتي ألف شهيد واثني عشر مليون مشرد. هل تحررت سورية من الأسد حتى نختلف بيننا ويقتل بعضنا بعضاً.
لنفترض أن تنظيم الدولة صنيعة مخابرات الأسد، فهل نوجه سلاحنا للذنَب ونترك الرأس وقد قالت العرب لا تقطعنْ ذنب الأفعى وترسلها *** إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنبا. وسؤال آخر، طالما أن الفصائل الإسلامية تنتقد تنظيم الدولة لأنه يسيطر على مناطق محررة فهل أنتم تقاتلون التنظيم اليوم في دمشق أم في المناطق المحررة نفسها التي تنتقدونه عليها، هل عندما يسقط مقر لتنظيم الدولة في الرقة يكون الأسد قد خسر جندياً واحداً أو شبيحاً واحداً أو رصاصة واحدة، أو هل يسمع وهو في قصره في دمشق صوت انفجارات أسلحتكم. وهل يعقل أن يقاتل مع الفصائل الإسلامية قاسم سعد الدين وجمال معروف وغيرهم من اللصوص المتسلقين على الثورة.
وبالمقابل فأنت أيها المهاجر الذي تركت بلدك وأهلك وأتيت إلى سورية، ألا تذكر أنك جئت لتساهم في رفع الظلم عن السوريين، ألا تذكر أنك قدمت بنية قتال الأسد لا سواه. أ فلا توجه سلاحك من جديد لصدر الأسد وتعود كما كنت قريباً من قلوب من استقبلك وفتح لك بيته. إذا كنت مخلصاً في قتال الأسد، فلتنضم إلى أي فصيل إسلامي يقاتله ولتساهم في وأد الفتنة، ولتعلم أن معظم الشعب السوري من المسلمين. هل يعقل أن يقوم مسلم بقتل مسلم لخلاف على أرض أو سلاح أو على خلاف بالرأي، ثم يخرج هذا فيكفر ذلك.أ يعقل أن يعتبر المسلمون بعضهم كفاراً فيضرب بعضهم رقاب بعض، ألا يدرك المتقاتلون اليوم أنهم شوهوا صورة الإسلام في العالم أجمع وشوهوا صورة الثورة السورية. وأوقعوا الناس في حيرة وتشظٍ.
أتوجه إلى العقلاء منكم، أ فلا تعودون إلى رشدكم وتشفون غليلنا وتثلجون صدورنا. لا تنشغلوا بقتل بعضكم بعضاً فإن الأسد وشبيحته يضحكون منكم ويستغلون قتالكم، وبقطع النظر عن المنتصر منكم في معركتكم هذه ،فإنه خاسر حتماً ولن يكسب إلا الأسد. أفلا تلحظون تقدم الشبيحة في حلب، وزيادة حركتهم في المناطق الأخرى. وأتوجه إلى علماء الأمة الذين حرضوا ضد هذا الفصيل أو ذاك، وأذكرهم بتقوى الله وحرمة الدم الذي يسيل في غير ساحات القتال ضد الأسد. فبدل أن ترأبوا الصدع وتجدوا الحلول ينفخ كثير منكم في نار الفتنة فلا تحصد إلا المسلمين، عجباً لنار لا تدركون خطورتها تحرقنا وتحرق بلادنا بينما تدفئ الأسد وشبيحته.
وأتوجه إلى الائتلاف أن لا يهرف بما لا يعرف فينضمّ إلى المحرضين ضد بعض الفصائل ثم يقوم بعض أعضائه بدعم جماعات محددة بالمال والسلاح في سبيل تحقيق مكاسب رخيصة لا قيمة لها.
وأتوجه إلى الدول الإقليمية التي تحرض الفصائل بعضها على بعض وتدعم أطرافاً بعينها للتخلص من أخرى، أن يتقوا الله في السوريين، فهذه أرضنا نحن، ونريد أن نحررها من عدوان أسدي مستمر منذ خمسين عاماً، نريد لبلادنا السؤدد والازدهار والاستقرار والقضاء على القتل والخوف والجريمة، فبأي نار تنفخون. أنتم تعطون الأسد بهذا فرصة عظيمة ليتلقط أنفاسه وينظم صفوفه ويقتل أكثر فأكثر.
أتوجه أيضاً إلى بعض وسائل الإعلام التي لا ترعوي عن إذكاء روح الفتنة بين الإخوة بل والكذب والتدجيل كي تصل إلى غاياتها المشبوهة.
أ لم نثر لديننا، فهؤلاء إخوة الدين يقتتلون، ألم نثر لأعراضنا أفرأيتم ما حل بها، ألم نثر لتحرير بلادنا، فما حررت حتى اليوم، ألم نثر لكرامتنا فأين كرامة لاجئينا الذين يعيشون أسوأ الظروف، أو ليس أيضاً لضحكات أطفالنا، أ فرأيتم ما فعل الزعتري والجوع والثلج بهم. أ هذه هي ذكرى حمزة الخطيب وغياث مطر وإبراهيم قاشوش.
أ ليس بيننا رجل رشيد، أنتم تقتلون بعضكم في الشمال والأسد يقتلكم في باقي الجبهات، ومع ذلك تستمرون…أفلا تخجلون؟!.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام. فرنسا