في تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” على موقعها الإلكتروني، أمس، عن تقديرات الاستخبارات الأمريكية للصراع في سوريا منذ بدايته، خلُص الكاتب إلى أن بقاء نظام الأسد مثال على عدم قدرة أميركا توجيه الأحداث من بعيد.
يقول الكاتب: في الأيام الأولى من الثورة السورية، تنبأت وكالات المخابرات الأمريكية بأن أيام الرئيس السوري بشار الأسد باتت معدودة، وردَد الرئيس باراك أوباما ومسؤولون في الاستخبارات الأمريكية التقييم نفسه علنا أكثر من مرة.
وقال الرئيس أوباما من وقت قريب، في 22 ماؤس، في مؤتمر صحافي عقده في عمان مع العاهل الأردني الملك عبد الله: “أنا واثق من أن الأسد سوف يرحل، والمسألة ما عادت إذا كان سيذهب وإنما متى سيرحل”.
وراء الكواليس، بدأت أجهزة الاستخبارات الأمريكية بالفعل التقاط مؤشرات على أن هذا الافتراض كان خاطئا.
في فصل الشتاء وأوائل الربيع الماضي، تلقت وكالات التجسس الأمريكية والإسرائيلية معلومات استخبارية أن إيران ونظام الأسد يضغطان على الزعيم مترددة لميليشيات حزب الله في لبنان للالتزام بإرسال مقاتليه في سوريا بشكل جماعي، كما أفصح مسؤولون أمريكيون حاليَون وسابقون.
دعم حزب الله للأسد يمثل نقطة تحول حاسمة في الصراع السوري، حيث مُنح بشار القوة من القوة بما يكفي لبقائه، ولكن ليس بما يكفي للغلبة.
وسارعت وكالات المخابرات الأمريكية وخطابات الإدارة إلى حذف الإشارة إلى الرحيل الوشيك للأسد من تصريحاتها العلنية.
في الواقع، يقول الكاتب، اعتقد المسؤولون الأمريكيون أن فرص توجيه نتائج الصرع قد تقلصت بشكل كبير. إذ إن التقييمات الاستخباراتية التي أظهرت مرة واحدة أن الأسد على وشك الهزيمة، تقول الآن إنه يمكن أن يبقى في السلطة مستقبلا في الأجزاء الرئيسية من البلاد على الحدود مع لبنان وساحل البحر الأبيض المتوسط .
ولا تعتقد الاستخبارات الأمريكية أنه سيكون قادرا على استعادة السيطرة على البلاد كلها مرة أخرى.
الحرب الأهلية قد تستمر عشر سنوات أخرى أو أكثر بناء على تحليل وكالة المخابرات المركزية لتاريخ حركات التمرد.
وكان البيت الأبيض غير راغب في تخصيص موارد كبيرة لدعم مقاتلي المعارضة حذرا من الانجرار إلى صراع آخر في المنطقة أو دعم المتطرفين عن غير قصد.
وحذر مسؤولون في المخابرات الأمريكية واضعي السياسات أنه لا وجود لمعارضة متماسكة منظمة بشكل جيد، وليس من المرجح أن تتشكل حتى لو دعمتها الولايات المتحدة بشكل أكبر.
وفي الوقت نفسه، يقول مسؤولون أمريكيون، إن الداعم الرئيسي للأسد، إيران وحزب الله، لم يدخر جهدا لإنقاذ حليفه.
ويقول كبار المسؤولين الأمريكيين إن المشاركة المحدودة السرية للرئيس أوباما في سوريا كان جزءا من جهد مقصود لتجنب المزيد من التورط في المنطقة وحتى لا تنجر لحرب جديدة، كما أفاد أحد كبار المسؤولين الأمريكيين.
ومع ذلك، يقول الكاتب، فقد حذر القادة العرب بصراحة نظراءهم الأميركيين من أن سورية تشكل معضلة، بحيث على الولايات المتحدة أن تتدخل الآن أو تدفع ضريبة التأخر أكثر في وقت لاحق، عندما يسيطر تنظيم القاعدة بالكامل على الأراضي السورية التي لا تسيطر عليها الحكومة.
ويقول الكاتب إنه في العام 2011 والنصف الأول من 2012 ، كان مسؤولون في البيت الأبيض يعتقدون أن الثوار يمكنهم أن يحققوا نصرا سريعا، إما عن طريق قتل الأسد أو إجباره على الفرار من البلاد. في ذلك الوقت، أبلغ كبار المسؤولين الأمريكيين الوفود العربية الزائرة أن الأسد يمكن أن يرحل “خلال أشهر”، وفقا للمشاركين في الاجتماع. في حين قال بعض المسؤولين العرب الذين حضروا الاجتماعات إنهم سخروا مما اعتبروه تقديرات أمريكية ساذجة بشأن مهارات الأسد للبقاء على قيد الحياة السياسية.
التلميحات الأولى إلى أن تلك الافتراضات كانت خاطئة جاءت في النصف الثاني من عام 2012، عندما أدركت وكالة المخابرات المركزية أن الجيش السوري قد بدأ في تغيير تكتيكاته بمساعدة من المستشارين الإيرانيين، ثم جاء بعد ذلك الدفع بحزب الله.
ويقول الكاتب إن المسؤولين في المخابرات الأمريكية أخطأوا في تقديراتهم إلى أي مدى كان حزب الله مستعدا لمضاعفة دعمه للأسد.
وأظهرت الاستخبارات الأمريكية في البداية أن زعيم حزب الله، حسن نصر الله، قاوم النداءات المتكررة من القادة الإيرانيين، بما في ذلك قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بإرسال مقاتلي حزب الله بأعداد كبيرة إلى سوريا لتعزيز نظام الأسد، كما أفاد بذلك مسؤولون أمريكيون حاليَون وسابقون.
وتعتقد وكالات التجسس الامريكية أن قيادة حزب الله في ذلك الوقت كانت منقسمة وغارقة في نقاش داخلي، كانت تشعر بالقلق من أـن التدخل في انتفاضة مجاورة سيسيء لسمعة الحزب ويثير ردود فعل في الداخل، وفقا لمسؤولين على اطلاع بالمعلومات الاستخبارية.
وأُبلغ مسؤولون أمريكيون حاليَون وسابقون من الاستخبارات بأن نصرالله وافق، لوحده، على نشر ميليشياته بعد أن تلقى طلبا شخصيا من الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي أوضح أن طهران يتوقع من حزب الله أن يتصرف بشكل حاسم.
كما إن الضغوط تزايدت على الرئيس الأمريكي أيضا. ذلك أن أوباما أحجب ابتداء عن تقديم الأسلحة إلى المعارضة في عام 2012، ولكن في شهر أبريل أذن سرا لبرنامج صغير لـ CIA بتوفير الأسلحة لمقاتلين معتدلين مختارين وبكميات محدودة، وهي إستراتيجية تهدف للحد من مخاطر وقوع الأسلحة في أيدي الإسلاميين، كما أورد الكاتب.
ولم يكن الهدف من مساعدة الثوار أكثر من تهدئة الحلفاء الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة لم تشارك، كما اعترف سريا المسؤولون في الإدارة: “تخفيف الضغوط وكسب الوقت”، كما كشف مسؤول بارز.
ورأى مسؤولون عسكريون أميركيون، الذين سعوا إلى بذل المزيد من الجهد لمساعدة الثوار، في خطة التسليح السرية خطوة معيبة، لأنهم يعتقدون أن هذا الدعم جهد صغير جدا لا يمكنه إحداث فرق في الميدان. وقالوا إن النهج الحذر في تسليح مثل هذه الأعداد الصغيرة من الثوار من شأنه، في الواقع، أن يعيق الجهود الرامية إلى دعم المعارضة للصمود.
وكان المفترض في البرنامج، في ذلك الوقت، أن يُخرج ما بين 50 و100 مقاتلا جديدا في الشهر، سيواجهون الآلاف من مقاتلي حزب الله في سوريا، وآلاف أخرى أكثر تدريبا وتجهيزا من قبل إيران وتنظيم القاعدة.
وقال مسؤولون إن العديد من المحللين في وكالة الاستخبارات المركزية، بمن فيهم السيد موريل (مايكل موريل كان يشغل منصب نائب مدير وكالة “سى آى إيه”)، متفقون على أن الفرص كانت غير متكافئة. وأفاد هؤلاء المسؤولون أن نصر الله رمى بثقله في الصراع إنقاذا للأسد بينما لم تتحرك الإدارة الأمريكية بالقوة نفسها لدعم المعارضة.
بحلول منتصف الصيف (الماضي)، كانت وكالات المخابرات الأمريكية تراقب تنامي انتشار حزب الله في سوريا، وخلصت إلى أن زخم الحرب تحول لصالح نظام الأسد، رغم أن الولايات المتحدة لا تعتقد أن قواته قوية بما يكفي لاستعادة السيطرة على البلد برمته.
وقال مسؤولون أمريكيون إن الثوار العلمانيين لم يحصلوا على الأسلحة الأمريكية لعدة أشهر، وأعرب بعض عملاء المخابرات الأمريكية عن إحباطهم حول ما اعتبروه كمية ضئيلة من الدعم المقدم.
وأثار النهج الحذر للولايات المتحدة غضب الأمير بندر بن سلطان، مدير الاستخبارات السعودية الذي أصبح قائد الجهود الدولية لمساعدة الثوار، وفقا لتعبير الكاتب.
وقال دبلوماسي مقرب من السعوديين، محذرا البيض الأبيض، كما نقل عنه الكاتب، إذا تمكنت إيران ومعها حزب الله من حشد الدعم للأسد، فإنها تكون أكثر جرأة في التفكير بأنه “يمكنهم المشي على الماء”، والتحرك في أي مكان آخر يمكن أن يعرض أمن السعودية للخطر.
وازدادت التوترات سوءا بعد تراجع أوباما عن وعده بتوجيه ضربة عسكرية للنظام في سوريا بعد أن شنت قواته، كما أفاد به مسؤولون، هجوما بالأسلحة الكيميائية في 21 اغسطس الماضي.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن قرار الإدارة بتجنب ضربات عسكرية وإجراء مفاوضات لاحقة حول إنهاء برنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا، منح الأسد فرصة أكبر للبقاء في السلطة. وقد اعترف كيري سرا للحلفاء أن قرار الإدارة بعدم الرد عسكريا على هجوم 21 أغسطس بالأسلحة الكيميائية أضرَ بمعنويات المعارضة، التي كانت تتوقع الضربات العسكرية.
غضب المسؤولون السعوديون من الولايات المتحدة لفشلها في تنفيذ ضربات عسكرية ضد الأسد بعد الهجوم بالأسلحة الكيميائية، وهدَد الأمير بندر بتقليص التعاون مع وكالة المخابرات المركزية.
ويقول الكاتب إن الإحباط كان متبادلا، ففي اجتماعات خاصة مع مسؤولين أمريكيين، خص كيري بالذكر معاتبا، وقال عنه إنه “مشكلة”، وشكا من سلوكه، وفقا للمشاركين في الاجتماع .
سخط الأمير بندر من الولايات المتحدة دفعت إلى اتخاذ “خطوة خارج المظلة” التي وفرها برنامج وكالة المخابرات المركزية للتسليح والتدريب، والعمل مع جماعات معارضة أخرى، وفقا للسناتور بوب كوركر من ولاية تينيسي، العضو الجمهوري البارز في لجنة العلاقات الخارجية، الذي التقى مؤخرا مع الأمير بندر.
وقال مسؤول كبير سابق في إدارة أوباما إن القادة السعوديين أخطأوا في قراءة مشاعر الولايات المتحدة. البيت الأبيض، كما قال المسؤول السابق ، ليس مُلزما بالنجدة “عندما يختارون معركة لا يمكن الفوز بها”.
ورأى دبلوماسي أميركي اشتغل لفترة طويلة في المنطقة، أنه: حتى الآن، يبدو أن الأسد، نصر الله وسليماني “انتصروا”.