التاريخ 23 أكتوبر 2002، المكان مسرح “دوبروفكا” بموسكو الروسية.. حوالي 40 مسلحا شيشانيّا، ضمنهم نساء مُنقّبات بأحزمة ناسفة استعدادا لتفجير المكان، يحتجزون أزيد من 800 رهينة داخل المسرح، والهدف مطالبة الجيش الروسي بالانسحاب من الأراضي الشيشانيّة.. النتيجة بعد يومَين ونصف من الحصار، مقتل 170 شخصا، بمن فيهم المُقاتلين و130 من الرهائن، بعد أن ضخّت القوات الخاصة الروسية غازاً كيميائيا سامّاً عبر فتحات التهوية داخل المسرح، أدى إلى اختناق الجميع، لتقوم القوات بعد ذلك باقتحامه دون أي تفجير انتحاري..
تفجير فولغوغراد.. المشهد نفسه
مشاهد “الجهاديّات” الشيشانيّات تبادر إلى الأذهان الأحد الماضي، بعد أن أعلنت السلطات الروسية إقدام امرأة انتحارية، تدعى أوكسانا أصلانوفا، وهي أرملة لمقاتل داغستاني، على تفجير نفسها داخل محطة فولغوغراد الروسية، القريبة من منطقة القوقاز المضطربة، مخلفة مقتل 16 شخصا على الأقل وجرح حوالي 40 آخرين؛ وهو الحادث الذي يأتي شهرين بعد هجوم انتحاري آخر نفذته امرأة على متن حافلة بالمدينة ذاتها، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة حوالي 30 آخرين.
يأتي تفجيرا فولغوغراد المتعاقبَيْن، بعد دعوة زعيم تنظيم “إمارة القوقاز” في الشيشان، دوكو عماروف، أتباعه من المقاتلين الإسلاميين للوقوف بالقوة من أجل منع إقامة دورة الألعاب الشتوية المزمع تنظيمها فبراير القادم بمدينة سوتشي الروسية على البحر الأسود، وذلك عبر شريط مصور بثه مطلع يوليوز الماضي، قال فيه “إن روسيا تخطط إقامة الألعاب على عظام أجدادنا، وعظام العديد من المسلمين الذين دفنوا على أرضنا في البحر الأسود.. ونحن كمجاهدين علينا أن نمنع ذلك باستخدام كل الطرق التي أحلها الله لنا”.
بعد أزمة “رهائن مسرح موسكو” بسنتين، وبالضبط 1 شتنبر 2004، 31 مقاتلا شيشانيّا، تتزعمهم نساء مُحاطات بأحزمة ناسفة، يقتحمون مدرسة ببلدة بيسلان الروسية، ويحاصرون لثلاثة أيام كل من فيها.. والحصيلة، بعد تدخل عسكري بالدبابات والأسلحة الثقيلة للقوات الروسية، مقتل 320 رهينة على الأقل من بينهم 186 طفلا، وهو ما عرف حينها بـ”مجزرة رهائن مدرسة بيسلان”، التي تبناها زعيم المقاتلين الشيشان آنذاك شامل باساييف.
“Black widows” أو “الأرامل السود”..
باللغة الروسية Chyornaya Vdova، هو اللقب الذي بات يطلق على النساء الشيشانيات اللاتي احترفن تنفيذ العمليات الانتحارية منذ 13 سنة، حيث اشتهر اللقب كثيرا في حادثتيّ “مسرح روسيا” و”مدرسة بيسلان”، فيما يعلن قادة القتال الشيشاني انتماءهن لكتيبة تدعى “رياض الصالحين للشهداء”، إذ يتدربن على تقنيات عالية من القتال والمناورة العسكرية، وعلى استعمال الأسلحة الخفيفة وإتقان الأحزمة الناسفة، التي يتحزّمنَ بها لتفجيرها في أماكن روسية مستهدفة، “جهادا في سبيل الله” وانتقاماً لأقاربهن الذي قضوا في معارك استقلال الشيشان التي اندلعت منذ 1994، في أعقاب الحرب الأولى والثانية ضد روسيا.
وتعتبر خافا باراييفا، أول “أرملة سوداء” تفجر نفسها في قاعدة للجيش الروسي بالشيشان في يونيو 2000، تلتها بايموراتوفا، التي فجرت جسمها محاولةً اغتيال الرئيس الشيشاني المعين، أحمد قاديروف، وسط مهرجان حاشد بموسكو، ما أسفر عن مقتل 16 شخصا وإصابة 150 آخرين..
وعرف عام 2003 لوحده تنفيذ أربع عمليات انتحارية متفرقة نفذتها 5 “أرامل سود”، واحدة منها في فندق قريب من مبنى الكريملن الروسي، والثانية على متن قطار مزدحم، وأخرى أثناء حفل موسيقي في مطار موسكو، وهي العمليات التي أسفرت عن مقتل أزيد من 80 شخصا وجرح 125 آخرين..
“كاميكاز جهادي”.. صناعة عربية إسلامية..
ارتبط تكتيك “الانتحاريات”، أو “الاستشهاديات” كما هو في أعراف المقاومة، بعمليات الفصائل العربية والإسلامية المسلحة المجابهة للاحتلال الإسرائيلي، حيث برزت الشابة اللبنانية سناء يوسف محيدلي، كأول فتاة استشهادية (17 سنة) تنفذ عملية مسلحة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، بعد أن فجرت نفسها، في 9 أبريل 1985، داخل سيارة مفخخة بأزيد من 200 كلغ من المتفجرات، مقتحمة تجمعاً لآليات الجيش الإسرائيلي، ما أسفر عن مقتل ضابطَيْن إسرائيليّين وإصابة اثنين آخرين.
بعدها، تبنت فصائل مقاوم فلسطينية نهج “الاستشهاديات” في عملياتها العسكرية، من ضمنها حركتيّ فتح وحماس، حيث ظهرت أسماء لا زالت تخلَّد في تاريخ المقاومة الفلسطينية، أبرزها وفاء ادريس (26 سنة) ابنة كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، التي فجرت نفسها في شارع يافا بالقدس المحتلة في 28 يناير 2002، مخلفة مقتل إسرائيليّ وإصابة 90 آخرين، تلتها بحوالي الشهر زميلتها دارين أبو عيشة (22 سنة)، التي فجرت جسدها قرب حاجز عسكري صهيوني شمال الضفة الغربية المحتلة، مسفرة عن مقتل 3 جنود وجرح آخرين.
اسم “استشهادية” آخر ظهر بعد شهر من عملية رفيقتها “دارين”، هي آيات الأخرس (18 سنة)، التي فجرت حزامها الناسف في 29 مارس 2002، في أحد أسواق القدس الغربية المحتلة، لتقتل إسرائيليّين اثنين وتصيب العشرات؛ في وقت اهتز معبر بيت حانون “ايرز” شمال قطاع غزة، صباح الـ14 من يناير 2004، على وقع عملية “استشهادية” نفذتها ريم صالح الرياشي، من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة “حماس”، لتقتل بذلك 4 إسرائيليّين..
ولا تزال فصائل وجماعات إسلامية مقاتلة أخرى تراهن في معاركها على أجساد النساء لتنفيذ عمليات انتحارية، أو “استشهادية” من منظروها، كتنظيم القاعدة في العراق وحركة “طالبان” في أفغانستان، لكون هذا النوع من العمليات يوقع خسائر أكبر في الأرواح من جهة، ولأن تحركات المرأة لا تخضع كثيرا للمراقبة كما تخضع لها الرجل، إضافة إلى أن ملابس المرأة، في بعض البلدان، تكون الأنسب لإخفاء العبوة والحزام الناسف..
هسبريس – طارق بنهدا