اتسم الموقف الإيراني بالارتباك حيال ما عرف بـ “ثورة يونيو” إذ تراوحت مواقف المسؤولين الإيرانيين بين التنديد والصمت والترقب. ولم يكن هناك موقف نهائي رسمي موحد حيال ما جرى بالرغم من تصريحات بعض المسؤولين الذين عبروا عن امتعاضهم للإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي معتبرين ذلك “انقلابا على الشرعية”.
أكثر التصريحات حدة جاءت على لسان الناطق الرسمي لوزارة الخارجية عباس عراقجي الذي قال إن تدخل القوات المسلحة في المشهد السياسي أمر غير مقبول، وأنه لا يجب الإطاحة برئيس منتخب ديمقراطيا. وهو ما رفضته الخارجية المصرية معتبرة ذلك تدخلاً في شؤونها الداخلية.
وقال علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) الإيراني حينها إن “بيانات الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية بشأن تدخل إيران في الأزمة الداخلية في مصر هي إسقاط للوم عن عدم القدرة على إدارة الشؤون الداخلية للبلاد وصرف أنظار الرأي العام عن الحقائق على الأرض في ذلك البلد”.
كان واضحا أن إيران المعروفة بسياساتها البراجماتية اتبعت منذ البداية سياسة “الترقب والحذر” في ما يخص أحداث مصر وإن لم تخف في نفس الوقت انزعاجها لعزل الرئيس محمد مرسيـ لكنها لم تشأ أن تحرق الجسور خلفها وسعت إلى الإبقاء على كل الخيارات في التعامل مع الأزمة المصرية وفق ما تقتضيه مصالحها القومية.
الآن وبعد مضي أكثر من نصف عام تقريبا على تلك الأحداث والتطورات، يبدو أن نظام الجمهورية الإسلامية بات يتعامل مع الأوضاع الجديدة في مصر بطريقة أكثر واقعية وبراجماتية متخذا مواقف أكثر وضوحًا، إذ أصبح يميل إلى قبول الأمر الواقع وبناء سياساته على هذا الأساس، ربما عملا بالمبدأ الغربي القائل ان العلاقات تتغير لكن المصالح ثابتة.
وهناك بوادر تشير إلى رغبة طهران في التقرب من القاهرة وتحريك المياه الراكدة لعلاقاتها معها. فقد أكد علي أكبر ولايتي وزير خارجية إيران السابق ومستشار قائد الثورة الإيرانية، أن هناك علاقات تاريخية طيبة تربط بين الشعبين المصري والإيراني، مؤكدا أنه لا يوجد حاليا أي عوائق تقف أمام توثيق العلاقات بين البلدين وتعزيزها.
وقال ولايتي خلال لقائه أمس مع الوفد الإعلامي المصري الذي يزور طهران حاليا إن ”مصر وإيران هما الركيزتان الأساسيتان في العالم الإسلامي، ولديهما قواسم مشتركة كثيرة”، وفق ما نقلت صحيفة “القدس”.
في مجال العلاقات التجارية قال المدير العام لشرکة “سايبا” لصناعة السيارات الإيرانية في 17 ديسمبر الجاري إن شركته تعتزم تصدير أول شحنة من سيارات النقل الخفيف طراز “برايد- 151” إلى مصر. وأوضح في تصريحات صحيفة أن الشحنة سيتم تصديرها فى غضون 10 أيام وستشمل 3 آلاف سيارة.
وتردد حديث عن عرض إيراني لمساعدة مصر في المجال النووي. إذ قال رئيس مكتب رعاية المصالح المصرية في إيران السفير خالد عمارة في معرض حديثه عن العلاقات المصرية – الإيرانية إن الجانب الإيراني عرض على الحكومة المصرية مساعدتها في تنفيذ برنامجها النووي، سواء خبرات فنية أو غيرها، إلا أن العرض الإيراني لم يتم الرد عليه حتى الآن من الجانب المصري، على حد قوله، موضحا أن العلاقات المصرية-الإيرانية تتطور والتعاون الثنائي هو لمصلحة البلدين.
وأكد عمارة في تصريحات أدلى بها في طهران الخميس الماضي إن الجانب الإيراني “يؤيد الإرادة الشعبية المصرية التي خرجت في ثورة الثلاثين من يونيو”، مشيرا إلى أن كلاً من مصر وإيران من القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة وتعاونهما لا بديل عنه من أجل خدمة قضايا المنطقة.
من الجانب المصري، أكد ما يسمى بـ “التجمع العربى والإسلامي لدعم خيار المقاومة” الذي كان ضمن وفد شعبي مصري يضم 40 شخصية زار طهران الأسبوع الماضي أن هدف الزيارة هو عودة العلاقات المصرية الإيرانية، مشيرًا إلى أنهم عقدوا عدة لقاءات مع مسؤولين إيرانيين، مطالبين باتخاذ خطوات عاجلة نحو إعادة العلاقات بين البلدين، وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي للثورة المصرية.
وأضاف التجمع أنهم توصلوا لعدة نتائج من هذه الزيارة من بينها ترحيب الجانب الإيراني بعودة العلاقات المصرية الإيرانية، وأن إيران تحترم إرادة الشعب المصري في ثورتي يناير ويونيو.
سياسيا وفي محاولة لخلق “سياسة خارجية متوازنة”، في ما يبدو، أعلن الناطق باسم الخارجية المصرية، بدر عبدالعاطي، بحسب ما نقلت عنه وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء أن مصر لن ترفض توافقا دوليا يقضي بمشاركة إيران في مؤتمر جنيف2 الخاص بتسوية الأزمة السورية.
وكان المبعوث الأممي العربي لسورية الأخضر الإبراهيمي قد أعلن في وقت سابق أن الولايات المتحدة لا تزال ترفض حضور طهران المؤتمر المزمع انعقاده في الثاني والعشرين من شهر يناير المقبل.
النظام الإيراني لا يريد أن يفسد ما حققه من “مكاسب” حتى الآن في ما يخص التوصل إلى اتفاق مرحلي مع الغرب بشأن برنامجه النووي وترسيخ دوره في سوريا وتثبيت مواقعه في لبنان والعراق وتهدئة الأجواء (مرحليا) مع دول الخليج وليس بالضرورة مع السعودية، بتعكير صفو العلاقات أو بالأحرى “اللاعلاقات” مع مصر إن صح التعبير.
هناك مصلحة مصرية أيضا في فتح باب التقارب مع إيران لخلق توازن في علاقاتها الدولية والإقليمية بعد الفتور الأخير الذي طرأ على علاقاتها مع واشنطن بسبب أحداث “30 يونيو” وما بعدها.
لكن النظام الجديد في مصر محكوم بظروف واعتبارات عربية وإقليمية لا يمكنه تجاهلها. وآخر ما يفكر فيه هو إثارة وإزعاج دول الخليج وعلى رأسها السعودية التي سارعت مع الإمارات لدعمه سياسيا وماليا بمليارات الدولارات عشية الإطاحة بالرئيس محمد مرسي. لذلك ستتحرك القاهرة بعناية وحذر حيال مغازلات النظام الإيراني الأخيرة لها.
قامت طهران في عهد الرئيس محمد مرسي بجهود لإعادة العلاقات المقطوعة منذ أربعة عقود لكنها لم تفض إلى نتائج ملموسة بالرغم من حدوث بعض الانفراج. مصر بالنسبة إلى إيران دولة محورية في المنطقة لا يمكنها الاستغناء عن إقامة علاقات معها، بأي شكل كانت. والتلويحات الإيرانية الأخيرة بشأن تحسين العلاقات مع مصر والتصريحات الودية تأتي من هذا المنطلق.
مصر سياسيا لإيران كما تركيا اقتصاديا لها. لذا تسعى طهران إلى التقرب إلى أكبر دولة عربية “سنية” بغية إقامة علاقات رسمية أو غير رسمية معها تستطيع من خلالها خلق توازن في علاقاتها الفاترة والمتقلبة والمتوترة في حالات كثيرة مع السعودية من اجل تعزيز موقعها الاستراتيجي في المنطقة.