منذ أن نشر “المركز الدولي لدراسة التطرف” تقديره الأول في نيسان/أبريل، أصبحت قضية المقاتلين الأجانب في سوريا تمثل مصدر قلق كبير للحكومات الغربية. فقد تبع ذلك ظهور المزيد من التقارير، رغم أن القليل منها هو الذي نجح في القياس الدقيق لنطاق الظاهرة الكامل وتطورها.
توفر إطلالة “المركز الدولي لدراسة التطرف” تحديثاً لتقديراتنا من نيسان/أبريل، حيث تقدم الرواية الأكثر شمولية وثراءً لظاهرة المقاتلين الأجانب في سوريا من مصادر مفتوحة. ووفقاً لأكثر من 1,500 مصدر تشير تقديراتنا إلى أن ما يصل إلى 11,000 شخص من 74 دولة أصبحوا مقاتلين في المعارضة في سوريا – أي ما يقرب من ضعف تقديراتنا السابقة. وقد تجاوز هذا العدد ثلاثة أضعاف بين صفوف القادمين من غرب أوروبا – من (ما يصل إلى) 600 في نيسان/أبريل إلى 1,900 الآن.
كم عدد الذين ذهبوا إلى سوريا؟
تشير تقديراتنا – من أواخر عام 2011 وحتى 10 كانون الأول/ديسمبر 2013 – إلى أن ما بين 3,300 و 11,000 شخص ذهبوا إلى سوريا للقتال ضد حكومة الأسد. وتشمل هذه الأرقام الموجودين هناك في الوقت الحالي ومن عادوا إلى أوطانهم منذ ذلك الحين أو من تم اعتقالهم أو قتلهم.
واستناداً إلى مصداقية مصادر مختلفة، وتقديرنا الخاص والتعقيبات التي تلقيناها منذ نشر تقديراتنا في نيسان/أبريل، فإننا نرى أن الرقم “الصحيح” يتجاوز 8,500. وهذا يعني أن الرقم تضاعف تقريباً منذ نيسان/أبريل، مع زيادة حادة على وجه الخصوص في صفوف غير العرب، لا سيما الغربيين.
وفي حين ما زال العرب والأوروبيين يشكلون الجزء الأكبر من المقاتلين الأجانب (ما يصل إلى 80 في المائة)، فقد حددنا هوية مثل هؤلاء الأفراد من جنوب شرق آسيا وأمريكا الشمالية وأستراليا ودول (غير عربية) في أفريقيا. وعموماً، نعتقد أن المقيمين والمواطنين من ما لا يقل عن 74 بلداً قد انضموا إلى جماعات المعارضة المسلحة في سوريا.
غرب أوروبا
تشير تقديراتنا إلى أن عدد المقاتلين من أوروبا الغربية يتراوح بين 396 إلى حوالي 1,937. ومقارنة بشهر نيسان/أبريل، عندما قدمنا تقديراً يتراوح ما بين 135-590 مقاتلاً، تمثل الأرقام الجديدة زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف.
ولا يمكن تفسير هذا الارتفاع بزيادة التقارير عن المشاركين فحسب. فالأرقام الرسمية تشير إلى قصة مماثلة: فقد ضاعفت الحكومتان الفرنسية والدنماركية تقديراتهما منذ الربيع، بينما زادت الأرقام التي قدمتها الحكومات البلجيكية والبريطانية والألمانية بمعدل أربعة أضعاف.
ويمثل الأوربيون الغربيون الآن ما يصل إلى 18 في المائة من المقاتلين الأجانب في سوريا، حيث يأتي معظم المجندين من فرنسا (63-412)، وبريطانيا (43-366)، وألمانيا، (34-240)، وبلجيكا (76-296)، وهولندا (29-152).
وإذا قمنا بتعديل الرقم وفقاً لحجم السكان، فإن البلدان الأكثر تأثراً هي بلجيكا (بما يصل إلى 27 مقاتل أجنبي/المليون نسمة) والدنمارك (15)، وهولندا (9)، والسويد (9)، النرويج (8)، والنمسا (7).
الشرق الأوسط /شمال أفريقيا
لا يزال الأفراد من بلدان الشرق الأوسط يمثلون أغلبية المقاتلين الأجانب (بنسبة 70 في المائة تقريباً). ونقدر أن ما يصل إلى 6,774 من العرب غير السوريين و 523 مقاتل إضافي غير عربي من المنطقة (الأوسع) توجهوا إلى سوريا.
وجميع الدول الخمس التي قدم منها أكبر عدد من المقاتلين الأجانب في سوريا هي جزء من الشرق الأوسط : فالأردن هي أكبر مساهمة منفردة (ما يصل إلى 2,089)، تليها المملكة العربية السعودية (1,016)، وتونس (970)، ولبنان (890)، وليبيا (556).
بيد أنه تجدر الإشارة إلى أن أرقام الشرق الأوسط أقل موثوقية من أرقام غرب أوروبا، حيث إن الحكومات أقل صراحة فيما يتعلق بتقديراتها الرسمية وهناك تقارير أقل حول الحالات الفردية.
مناطق أخرى
تشكل دول البلقان ودول الاتحاد السوفياتي السابق المناطق الأكثر أهمية لتجنيد المقاتلين الأجانب خارج دول أوروبا الغربية والشرق الأوسط. ففي البلقان يأتي أكبر المساهمين من المقاتلين الأجانب من كوسوفو (4-150)، وألبانيا (9-140)، والبوسنة (18-60)، مع أعداد أقل من مقدونيا (3-20) وصربيا (3)، وبلغاريا (1). ومن بين دول الاتحاد السوفيتي السابق، تأتي الأعداد الأكبر من روسيا (9-423 باستثناء الشيشان؛ 36-186 من الشيشان)، كازاخستان (14-150)، وأوكرانيا (50)، وقيرغيزستان (9-30)، بينما يأتي حوالي 10 مقاتلين أو أقل من ذلك من الدول الأخرى.
وأبرز الدول الغربية غير الأوروبية هي استراليا (23-205)، وكندا (9-100)، والولايات المتحدة (17-60). وبلدان المنشأ البارزة الأخرى هي باكستان (7-330)، والصين (6-100)، والصومال (5- 68)، وأفغانستان (12-23).
والنقطة المعتمة المهمة الوحيدة في دراستنا الاستقصائية هي الهند التي لا تتوافر حولها أي تقارير موثوقة. ويُعتقد أن جميع البلدان الأخرى قد أسهمت بأقل من عشرة مقاتلين أجانب.
تحليل
تثير أرقامنا العديد من التساؤلات التي لا يمكن الإجابة عليها بشكل وافٍ عن طريق البيانات وحدها. ورغم ذلك، قد تساعد بياناتنا في توفير الأساس لعدد من جوانب النقاش الهامة.
ما هي المجموعات التي ينضمون إليها؟
صرح نحو 20 في المائة فقط من المصادر عن انتماءات لمجموعات بعينها. وقد كانت الغالبية العظمى مع “جبهة النصرة” و تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) – اثنتان من جماعات المعارضة المسلحة التي هي الأقرب إلى تنظيم «القاعدة».
وإلى حد أقل بكثير، أوردت التقارير أيضاً بأن بعض المقاتلين هم أعضاء في “جيش المهاجرين والأنصار”، و “حركة أحرار الشام الإسلامية”، و “كتيبة صقور العز”، و “لواء الأمة”، و “حركة شام الإسلام”، من بين فصائل أخرى.
ما الذي يفسر الارتفاع الحاد؟
من الصعب التأكد من ذلك، لكن ربما لا يكون من قبيل المصادفة أن الفترة التي مضت منذ نشر تقديرنا الأول قد تزامنت مع المشاركة الأكثر عنفاً وانفتاحاً من قبل الجماعة اللبنانية «حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية وقوات الحكومة الإيرانية إلى جانب الأسد. وربما يكون ذلك قد أدى إلى تعزيز وتقوية التصور بين بعض السنة بأن الصراع طائفي في المقام الأول، وأن السنة بحاجة إلى الوقوف معاً من أجل وقف تقدم الأعداء “الشيعة”. وفي الواقع أن هذا النوع من التضامن أدى إلى عدد من عمليات حشد المقاتلين الأجانب السابقة التي تضمنت مقاتلين سنة.
هل سيستمر هذا الاتجاه؟
تقوم توقعاتنا على أن تجنيد المقاتلين الأجانب سوف يستمر، وإن كان بمعدل أكثر بطأ. سوف تفرض شهور الشتاء ظروفاً أكثر قسوة وقد تردع المجندين المحتملين عن الانضمام إليها. ورغم ذلك، وفي ظل غياب حل سلمي، فإن الدوافع الأساسية للذهاب إلى سوريا ستظل كما هي. وفي هذا الصدد، فإن مؤتمر “جنيف 2” القادم لن يحدث فرقاً على الأرجح، لأن هؤلاء المتعاطفين مع المعارضة المسلحة – وفي الواقع، غالبية المسلحين أنفسهم – يرون أن “جنيف 2” هو خطوة ترقيعية لا تمثل جميع الأطراف، وقد صرحوا بالفعل أنهم لن يلتزموا بما تتمخض عنه من نتائج.
ما هو وضع عمليات الحشد الحالية بالمقارنة مع سابقاتها؟
إن عملية الحشد الحالية هي أكبر من جميع عمليات حشد المقاتلين الأجانب الأخرى منذ حرب أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. ورغم أن صراعات أخرى مثل تلك التي حدثت في العراق والصومال وأفغانستان استمرت لفترات أطول (بكثير)، إلا أن أياً من تلك الصراعات لم يستطع حشد هذا العدد من المقاتلين الأجانب. وحتى العمليات الجهادية المناهضة للسوفيت في ثمانينات القرن الماضي لم تجذب هذا العدد من الأجانب كما في سوريا خلال نفس الفترة الزمنية. وفي الواقع فبالنسبة لعدد من البلدان الأصغر حجماً – الدنمارك وبلجيكا، على سبيل المثال – فإن عدد المقيمين الذين ذهبوا للقتال في سوريا قد يكون قد تجاوز بالفعل الأعداد الإجمالية المجمعة لجميع الصراعات السابقة.
ما حجم الأجانب في المعارضة السورية؟
كما ذكرنا في تقديرنا السابق، فإن العدد الكبير نسبياً للمقاتلين الأجانب لا يعني أن القتال ضد الأسد تقوده أو تهيمن عليه “قوات أجنبية” أو “غرباء”، كما اقتُرح من قبل الرئيس الأسد. وحتى لو ثبتت صحة أعلى تقديراتنا، فما زالت “التعزيزات الأجنبية” لا تمثل أكثر من 10 في المائة من المعارضة المسلحة، التي يعتقد أن عدد أفرادها يزيد عن100,000 رجل.
المصادر والتقييدات
إن الهدف من هذه الإطلالة هو قياس النطاق والتطور الكلي للظاهرة، وكشف الاتجاهات ورسم المقارنات الأساسية. ولا يوجد لدينا أي وهم بأن البيانات الضمنية غير مكتملة – وفي كثير من الحالات – غامضة ايضاً. وفي ضوء طبيعة الموضوع، لن تكون أي تقديرات لتدفقات المقاتلين الأجانب دقيقة.
وتتضمن مجموعة البيانات لدينا نحو 1,500 مصدر مفتوح تم جمعها منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2011. ومن بينها: تقارير إعلامية حول المقاتلين الأجانب باللغات الإنجليزية والعربية وعدة لغات أخرى (من كلا طرفي النزاع)؛ وتقديرات الحكومة، والبيانات حول المقاتلين الأجانب من قبل الجماعات الجهادية، التي نُشرت عادة في المنتديات المتطرفة على الانترنت وفي وسائل الإعلام الاجتماعية.
وبالنسبة لكل دولة، فنحن نوفر تقديرات “منخفضة” وأخرى “مرتفعة”، حيث لا تشمل الأرقام المنخفضة سوى الحالات المؤكدة تماماً حيثما تكون الأسماء معروفة، بينما تمثل الأرقام المرتفعة العدد الأقصى للأفراد وفقاً لمصادر موثوقة.
نحن أكثر ثقة في أرقامنا الآن عما كان عليه الحال وقت تقديرنا الأول. فلقد أصبحت قضية المقاتلين الأجانب في سوريا تحظى بالمزيد من الاهتمام ومن ثم توافرت لدينا المزيد من المصادر الصحفية والمستقلة للرجوع إليها والمقارنة معها. كما أن المزيد من الحكومات نشرت أرقاماً رسمية، الأمر الذي سهل التحقق من البيانات والحصول على مدلول عن حجم هذه الظاهرة وتطورها (حيث يتم الحكم على هذه الأرقام كونها ذات مصداقية).
ومع ذلك لا يزال هناك العديد من جوانب الغموض ومصادر الخطأ المحتملة التي ندركها جيداً:
وتمثل أرقامنا الإحصائيات الإجمالية، وليس عدد المقاتلين المشاركين في القتال حالياً. وفي سبيل تقدير العدد الأخير، سيتعين على المرء أن يعرف تماماً عدد الأشخاص الذين توفوا أو اعتقلوا وعدد الذين عادوا إلى بلدانهم، وهو الأمر الذي نفتقر – في هذه المرحلة – إلى منهجية موثوقة ومتسقة لإنجازه.
ويُرجح أن تكون الأرقام المرتبطة بالدول الغربية صحيحة عن غيرها من البلدان غير الغربية، ويرجع ذلك جزئياً إلى وجود المزيد من التقارير المستقلة (ومن ثم المزيد من المصادر للرجوع إليها)، كما يعود ذلك جزئياً إلى قيام العديد من الحكومات بنشر أرقام موثوقة بين الحين والآخر.
وبعد بيان ما سبق، لا يمكن مقارنة جميع الأرقام الرسمية. وفي حين أن بعض الحكومات لا تدرج في تقديراتها للمقاتلين الأجانب سوى “المتطرفين المعروفين”، فإن حكومات أخرى تدرج أفراداً يرجح – رغم عدم وجود أي روابط لهم بالمتطرفين – أن يدخلوا سوريا بهدف المشاركة في القتال.
والمصدر الآخر المحتمل للغموض هو جنسية الفرد. فأرقامنا تشير عادة إلى المقيمين في البلدان ذات الصلة، والتي قد تشمل مواطني دول أخرى. ونتيجة لذلك نشك في أن عدد مواطني البوسنة في سوريا، على سبيل المثال، أعلى بكثير من عدد المقاتلين الأجانب القادمين من البوسنة المدرجين في قوائمنا. وينطبق الشيء نفسه على الشيشان، حيث أن عدداً كبيراً منهم من سكان روسيا.
وأخيراً، ندرك أنه قد يكون هناك عدد كبير من الأشخاص غير المعروفين، ومن بينهم المقاتلين الأجانب الذين يطمحون في المشاركة في الحرب ويسافرون تحت “غطاء” القوافل الإنسانية، والأفراد الذين ذهبوا إلى سوريا لأسباب إنسانية لكنهم انضموا إلى جماعة قتالية عقب قضاء بعض الوقت في البلاد.
ورغم أوجه القصور سالفة الذكر، إلا أننا نرى أن هناك قيمة في نشر هذا التقدير. إن بياناتنا أكثر ثراءً وكثافة من المصادر المستخدمة في تقديرات أخرى، ونرى بقوة أن المناقشات العامة ينبغي أن تقوم على الأساس المحتمل الأكثر صحة. وعلاوة على ذلك، فإنه في حين أن الأرقام الفردية قد تنطوي على أوجه قصور، إلا أننا على ثقة من تقييمنا للاتجاهات الكلية.
هارون ي. زيلين هو زميل ريتشارد بورو في معهد واشنطن وزميل رينا وسامي ديفيد في “المركز الدولي لدراسة التطرف”. وقد ساهم كادر آخر من موظفي “المركز الدولي لدراسة التطرف” في جمع المعلومات لهذا التقرير.