في مقال سابق قلنا بأن الإنتخابات القادمة سوف تؤجل لدواعي أمنية طالما إن المالكي على ثقة بأنه سيخسر فيها. فالأصوات المؤيدة له ستقتصر على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بموجب سياسة الترهيب والترغيب، إضافة إلى الطائفيين من أتباع الولي الفقيه في المحافظات الجنوبية وكربلاء والنجف، وطرح الكثير من الكتاب والمحللين السياسيين نفس الإحتمالات. والمالكي أدرى من غيره بأن خسارته ستفتح عليه أبواب جهنم أشدها الإبادة الجماعية وأخفها ملفات الفساد. لذا كان أمام المالكي ثلاثة طرق لإشعال الفتنة الطائفية:
أولهما: إعادة سيناريو عام 2006 بتدميير أحدى العتبات المقدسة في كربلاء والنجف وإتهام أهل السنة بها، ومن ثم شنٌ عملية الثأر من خلال الإعتقالات والمداهمات والتعرض للمناطق السنية بحملات عسكرية قوية بإسناد من ميليشيا حزب الله وجيش المختار، وبموجب ردة الفعل المقابلة، سيعلن المالكي حالة الطوارئ ويمدد فترة حكمه بموجب الدستور، وسوف يلقم الرئيس أوباما مداسا في فمه لأنهم هم من وضعوا الدستور وهو يتبعه فلا حرج عليه.
ثانيهما: إعتقال الصدر وشن حملة على التيار الصدري وتصفية رموزه كما حصل في صولة الفرسان في البصرة، وأشارت الأخبار بأن المالكي أوكل إلى لجنة خاصة في مكتبه للعمل على ملف مقتدى الصدر، وتم إنجاز مستلزمات إعتقاله بجريمة قتل مجيد الخوئي، وفتح الملفات القديمة ومنها خطف وقتل منتسبي دائرة البعثات، وكذلك رئيس اللجنة الأولمبية وعدد من أعضاء اللجنة من قبل جيش المهدي، ودفنهم قرب السدة الترابية في مدينة الصدر.
ثالثهما: الهجوم على ساحة العزة والكرامة في الرمادي بدعوى أيواء عدد من أعضاء تنظيم القاعدة أو التضحية بقائد عسكري أو أمني بدعوى قتله أو إغتياله من قبل أهل الأنبار أو تنظيم القاعدة بالترتيب مع الشيوخ الأسافل الذين يؤيدون المالكي والخامنئي. وربما أفضل قربان هو قائد الفرقة السابعة محمد الكروي لضرب عصفورين بحجر، للتخلص منه بإعتباره المسؤول عن مجزرة الحويجة من جهة، ولشحن بطارية الغضاء عند فرقته العسكرية ودفعها للإنتقام بضراوة، والثأر من أهل الأنبار.
الإحتمال الأول والثاني يعني صدام شيعي ـ شيعي وسوف لا يخدم المالكي في الإنتخابات القادمة، كما إن الصدر قد يشعل النار ويغلي جيش المهدي المجمد، ويحصل ما لا يحمد عقباه. وربما الحوزة العلمية والمجلس الأعلى سيقفون إلى جانب الصدر، سيما بعد التقارب الأخير بين مقتدى الصدر وعمار الحكيم. وإنزعاج الحوزة من ممارسات المالكي وفشله الدائم والذي إنعكس عليها بإعتبارها هي التي زكته وحثت على إنتخابه لدورتين متتاليتين. والمالكي لا يمكن أن يخطو هكذا خطوة دون موافقة الخامنئي، وهناك صعوبة في الحصول على موافقة منه بشأن صدام شيعي ـ شيعي. أما الإحتمال الثالث فهو صدام شيعي ـ سني مع الأخذ بنظر الإعتبار أن القوات العسكرية والأمنية وقوات سوات من الشيعة. ومما يساعد المالكي على الأخذ بهذا الإحتمال هو إستمالته لعدد من أسافل شيوخ الأنبار إلى صفه، والحصول على تأييد من المحافظات الشيعية، وقد أعلن بعضها فعلا الموافقة على القيام بعمليات في الأنبار، وبسرعة ملفته للإنتباه مما يدل على تنسيق مسبق. وأخيرا التخلص من الإعتصامات التي قصمت ظهره منذ عام.
يلاحظ المراقب للمشهد العراقي إنه بعد كل زيارة لإيران يقوم بها نوري المالكي، يعقبها إعتداء سافر على معسكر أشرف، وضغط وتهديد لساحة العزة والكرامة في الأنبار. من كربلاء وليس غيرها هدد المالكي المعتصمين وأطلق تسمية(ساحة الفتنة) على ساحة العزة والكرامة مدعيا وجود(30) من عناصر القاعدة فيها. المالكي يسميها ساحة الفتنة وهو صانع الفتن وسيد المنافقين! لاحظ إن التهديد جاء في كربلاء وليس غيرها لأغراض طائفية وإنتخابية في ظل وجود شيوخ عشائر لا يقلون عن المالكي حقدا وطائفية على أهل السنة، والأجدر بهم أي يشدوا خرقا على أوساطهم بدلا من العُكل. العُكل للرجال وليس للقرود الذي يهوسون ويرقصون لكل الحكام.
لنفترض جدلا وجود عناصر من تنظيم القاعدة ضمن مليون معتصم، فهل يعني هذا إن الساحة تسمى بأسماء الثلاثين قاعدي، وليس المليون معتصم؟
كما إن قوات المالكي تحيط الساحة من كل الجهات وتفتش المعتصمين عند دخولهم للساحة، فلماذا لم يلقِ القبض عليهم؟
من جهة أخرى سمح عدد من زعماء الإعتصام لقوات المالكي بتفتيش الساحة بحرية وإلقاء القبض على الإرهابيين المزعومين، فلماذا لا يأخذ المالكي بهذا الإقتراح السليم، ويتجنب سفك الدماء؟
علاوة على ذلك، سبق إن إعترف المالكي بالحقوق المشروعة للمتظاهرين، فلماذا لا ينفذها بدلا من إقتحام الساحة وإشعال فتيل الحرب الأهلية؟ ألا يكفي سفك دماء الشعب إرضاءا للولي الكريه ليسفك المزيد منه؟
صرح المالكي يوم 23 كانون الاول 2013″ بحسم قضية الاعتصامات في محافظة الانبار خلال الأيام القليلة المقبلة، وأكد وجود 30 من قيادات تنظيم القاعدة في خيام المعتصمين كان قد تغاضى عنهم سابقا”! حسنا كيف يتغاضى رئيس دولة القانون عن هؤلاء الإرهابيينّ ولماذا؟ وهو يعرف بأنهم سيمارسون أعمالا إرهابية يروح ضحيتها الأبرياء؟ ولو كان هناك قانون فعلا في دولة القانون ألا يُحاسب المالكي بتهمة التغاضي عن إلقاء القبض على إرهابيين؟ كما أشار المالكي في لقاء تلفازي مع قناة آفاق يوم 27/12/2013 بأن” اليوم سيشهد أخر صلاة جمعة في ساحة الفتنة بمدينة الرمادي، ومن يريد الصلاة الموحدة فأن مكانها الجوامع، وليس في قطع الطرق، مطالبا عشائر الأنبار التي تنصب خيما في ساحة الفتنة مكرهة، بأن يسحبوها حتى لا تتعرض للحرق إكراما للعشائر”. تصريح تافه غير قادر على سد الثلم الذي يخرقه لأنه يجافي الحقيقة تماما. إنه لا يعلم بأن التضييق سيختصر الطريق، لكن عليه وليس له!
نسأل هذا الوغد الصفوي: هل بيوت الله سواؤ للمسلمين أو المسيحيين آمنة ليصلي فيها العراقيون؟ ألم يقدم مسيحيو العراق حوالي(100) ما بين قتيل وجريح في أعياد رأس السنة الحالية؟ وتحول العيد إلى مأتم، والإبتسامة إلى دمعة، في ظل وجود مليون من عناصر الشرطة والقوات الأمنية عجزت عن حماية بضعة كنائس وجوامع؟ أم إن دولة القانون غير معنية بشؤون الجاليات(تسمية أطلقها المالكي على المسيحيين في العراق لأنه لا يعرف بأن المسيحيسن من سكان العراقيين الأصلاء وليسوا مثله من التبعية الفارسية). وكل يوم نسمع بإغتيال شيخ جامع وتفجير أحد بيوت الله من قبل المليشيات الرسمية؟ إذن ماذا يفعل المليون عنصر أمني؟ لماذا لدى كل وزير ونائب ومسؤول وضابط جوق من الحمايات وليس للشعب من حمايات؟ تحمون أنفسكم الضالة في الحصون المنيعة، وتقدمون أبناء الشعب الأبرياء قرابيين للإرهابيين!
نسأل هذا الوغد الصفوي: لماذا تلبس النظارة السوداء وتستر وجهك اللعين كي لا ترى جموع الملايين من المعتصمين؟ ولماذا تضع اصابعك المشبوهة في اذنيك كيلا لا تسمع صوت المطالب المشروعة؟ ولماذا ترفس بقدميك الوسختين الشرفاء، وتحني ظهرك ليمتطيك الفاسدون؟ لماذا تلاحق الشرفاء وتتغاضى عن السفهاء والسفلاء؟ هل ميليشيا البطاط وعصائب اهل الحق تدغدغ الناس وتنظيم القاعدة يقتلهم؟ هل اسلحة البطاط والخزعلي تُحي الناس واسلحة القاعدة تفنيهم؟
لقد بلغ فسادكم الزبى، وتصاعدة ابخرة الظلم والاستبداد عاليا، وقد أزمعت السماء أن تصب على رؤوسكم الخاوية جام غضبها، وستمطركم قريبا إن تجرأتم على إقتحام ساحة العزة والشرف بنار وشرار يزلزل منطقتكم الخضراء، وتهز عروشكم رعود قاصفة، وبروق لامعة وعواصف جامحة. انه الجحيم منكم وفيكم، لا ناموس يردعكم ولا ضمير يوخزكم، ألا لعنة الله على الظالمين.
لقد طفحت قلوب المظلومين بالتألم والشكوى، فكان لا بد من المجاهرة بما تكنه جوانحهم من ظلم وتهميش، ومداهمات وإعتقالات وتفتيش، وكل ما يثقل عليهم العيش، جعلتم بتهميشكم وإقصائكم النفوس ترتعد فزعا وتضطرب جزعا، وتريدونهم أن يسكتوا على مصابهم؟ سنة كاملة من الإعتصام ولم تحركوا ساكنا، وإن تحركتم فبهدف القتل والإعتقال والإتهام والسب والشتيمة. دعوا فما أستجيب لدعواهم، وطالبوا فما أستجيبت مطالبهم؟
إن ممارسات الحكومة الطائفية وتصرفات القطعان المسلحة والميليشيا الطائفية الرسمية هي التي تصنع الإرهاب وتمده بالمال والرجال. الإرهاب صناعة وطنية بدعم إيراني مكشوف. وأن تسعة أعشار الأرهاب ناجمة عن الظلم والاقصاء والفساد والتهميش والتصرحات الطائفية. لقد هددتم ببحار من الدماء، وها أنتم تبحرون فيها وستغرقون حتما! ولا أسف عليكم فإلى جهنم وبئس المصير، لكن الأسف على من سيغرق معكم من الأبرياء. الإرهاب يا جودي المالكي لا يحارب بالجيش والشرطة فقط! فقوى الشر لا تقضي عليها سوى قوى الخير. العدل والمساواة والحق فقط كفيلة بهزيمة الارهاب وتمزيق شمله شدرا مذرا، ويغني عن إستخدام الجيوش وأي جيوش! العدل موهبة الهية ودواء للقلوب المنكسرة، العدل هو الذي يسد الباب بوجه الارهاب، ويستقبل الأمن والطمأنينة بترحاب.
قبل نهاية العام الحالي أبى الوغد إلا أن يزرع الموت أمام رحبة العام الجديد، فقامت قواته القذرة بالعدوان على بيت النائب العراقي أحمد العلواني وإعدام شقيقه علي العلواني وإبن عمه أمامه، بالرغم من تمتعه بالحصانة، ولكن حصانة النواب ليس لأهل السنة في دولة القانونّ، إنها تخص النواب الشيعة والأكراد فقط. كالعادة إنبرى النواب المأبونين بإقرار إعتقال العلواني ومنهم الداعر محمود الحسن الذي أشار بأن المادة63/ب تسمح بإعتقال النواب في حال الجرم المشهود، لقد أخذ فقرة من المادة وغض النظر عن الفقرات التي تكملها” بموافقة الأغلبية المطلقة” كذلك” متلبسا بالجريمة”. نقول لهذا المأبون طالما إن مجلسكم غير الموقر أرسل لجنة للتحقيق في الحادثة. فهذا يعني إن التحقيق لم يكتمل بعد! فكيف قررت بأنه متلبسا بالجريمة؟ اليس المفروض الإنتظار لحين إنتهاء عمل اللجنة؟ هذا الوغد عضو باللجنة القانونية النيابية، فما بالك ببقية الحثالات! لكن لا عجب في دولة القانون!
ويدعي المأبون الآخر بهاء الأعرجي بأن طروحات العلواني تتسم بالطائفية( لأنه إنتقد حسن نصر والنظام الإيراني). نقول له هل نسيت قولك بأن” المؤامرة مستمرة على الشيعة من أبو بكر لحد الآن”! هل هذه الكلام غير طائفي وكلام العلواني طائفي؟
نقول للمالكي الذي لا يختلف عن الجزار الذي يذكر اسم الله ويذبح، إلا بفقرة هي أن الجزار يذبح ما حلله الله، والمالكي يذبح ما حرمه الله. نقول له: إذا كان الدستور الوضعي يخولكم محاربة المعارضين، فإن الدستور الالهي يخولهم محاربة الفاسدين والطغاة أمثالك. وإذا كان الدستور يسمح لك بالهجوم عليهم، فالدستور نفسه يسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم.
نحذر هذا المعتوه: ويلك من الضعيف إذا إقتدر، ومن الشريف إذا احتقر، ومن المظلوم إذا أعتصر ومن المضطهد اذا احتسر. إنك تتساهل من الساقطين والفاسدين ولكنك تتجبر مع الاقوياء الشامخين، لا لعنة الله على الظالمين. لقد أشعلت النار في الدنيا وستلتهمك بإذن الله، وستنتظرك نار ثانية أعدت للأوغاد والمجرمين والسفلة أمثالك.
ونقول كلمة أخيرة للعلامة عبد الملك السعدي والعلامة ورافع الرافعي حفظهما الله: لقد أعلن الطغاة ساعة الصفر فما العمل؟ هل التحلي بالصبر؟ وإلى متى؟ لقد ثقلت فاتورة الدماء؟ إفتونا ولكم الأجر؟
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي