مع تركيز العالم على مناطق أخرى في الشرق الأوسط المضطرب، تواصل السعودية تضييقها على حقوق الإنسان، محاولة إسكات نشطاء حقوق الإنسان والمدافعين عن الديمقراطية بالاعتقالات والمحاكمات والتخويف في سنة يسميها الإصلاحيون واحدة من أكثر السنوات قتامة بالنسبة لجهودهم لتحسين أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في الدولة الحليفة للولايات المتحدة.
المملكة تحاول تحديث اقتصادها لتقلل اعتمادها على أرباح النفط ولتوفير وظائف لسكانها الذين يتزايد عددهم باستمرار. ولإدارة ذلك التحول في الاقتصاد، يقول النشطاء أن حكام السعودية سيطروا على الفئات شديدة التنوع داخل المجتمع السعودي، يلعبون تارة على الحساسيات القبلية، وتارة أخرى يوجهون رسائلهم للباحثين عن الحريات والليبراليين، ومرة ثالثة إلى شيوخ الوهابية الذين يعطون الشرعية للعائلة المالكة.
وبينما تتنقل العائلة المالكة بين تلك التيارات، يصد النظام الملكي دعوات الإصلاح السياسي خوفا من الاضطرابات التي من شأنها أن تفكك قبضة العائلة الحاكمة على السلطة على غرار الربيع العربي.
هذا العام، قامت المملكة بسجن ما لا يقل عن تسع إصلاحيين لفترات طويلة بتهم منها “عدم الولاء للملك”، كما اضطر محام حقوقي إلى الفرار من المملكة خوفا من الاعتقال، كما تم إغلاق أبرز المنظمات الحقوقية في المملكة، جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم)، ووافقت الحكومة مؤخرا على قانون صارم لمكافحة الإرهاب. القانون يحدد تعريفات مطاطة للغاية للاتهامات مثل “الإساءة إلى سمعة الدولة” واعتبرتها “إرهابا”
اعتقلت الدولة أكثر من ٢٠٠ متظاهر معظمهم من النساء والأطفال في بريدة شمال الرياض، لمطالبتهم بإطلاق سراح ذويهم المسجونين. كما حُكم على مواطن سعودي هذا الأسبوع بالسجن ٣٠ عاما لقيادته مظاهرات في المناطق ذات الأقلية الشيعية التي تشكو من التمييز، كما اعتقلت نساء بسبب كسرهم حظر قيادة السيارات، بالإضافة إلى الناشط طارق المبارك المتضامن معهم كذلك لمدة تجاوز الأسبوعين.
المحامي عبدالعزيز الحصان، الذي فر للولايات المتحدة، حذر من أنه إذا لم تتعامل الملكية السعودية مع دعوات التغيير بجدية فإنها ستتصاعد وستؤدي إلى زعزعة الاستقرار في البلاد، وأكد أنه “إذا انتظرنا سبعة أعوام أو عشرة آخرين فإننا سنتحول إلى وضع أخطر من الوضع المصري أو السوري”
وقال الحصان أن “الحكومة ليس لديها خيار سوى التصالح مع شعبها” وتابع أن الإصلاحيين لا يريدون الإطاحة بآل سعود، وإنما يطالبون “بالإصلاح واحترام حقوق الإنسان في إطار من الشفافية”
المملكة السعودية هي واحدة من الملكيات المطلقة القليلة في العالم، حيث تتركز جميع القرارات في يد الملك الذي يتجاوز عمره ٩٢ عاما، الذي لديه اليد العليا في التصديق على القوانين وإصدارها في ظل غياب برلمان.
أغلب النشطاء في السعودية يتحدثون عن “ملكية دستورية” ذات برلمان منتخب يستطيع مساءلة الحكومة، لا سيما في معرفة مصارف إنفاق عائدات النفط الضخمة.
المملكة تراقب الهواتف، والرسائل ورسائل البريد الإلكتروني، كما يرصد الأمن مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك، حيث تنتشر النكات على الملك العجوز أو يتصاعد الغضب من الفساد والفقر والبطالة.
وقالت إحدى الناشطات الفتيات، التي وُضعت مؤخرا تحت الإقامة الجبرية ومُنعت من استخدام تويتر على خلفية انتقادها للحكومة، أن السعوديون يخشون بشدة من بطش الدولة الأمنية. وتابعت أن الجميع في المملكة “يتوقعون ثورة، نحن لا نريد ثورة لأن الشعب منقسم على نفسه، والشيء الوحيد الذي يوحدنا هو قمع السلطات” لقد تحدثت لنا على ألا يتم ذكر اسمها لأن مسؤولين أمنيين حذروها من أن والدها قد يُعتقل بسبب نشاطها.
خلال الأسبوع الماضي أصدرت هيومان رايتس ووتش تقريرا يتهم السعودية بمضاعفة القمع ضد النشطاء منذ أوائل ٢٠١١، أما الداخلية السعودية فقد رفضت تماما الإجابة على أي من أسئلتنا.
جمعية حسم تشكلت في ٢٠٠٩ في تحد لاعتقالات السعوديين لفترات طويلة بدون محاكمة والذين يظلون مسجونين لفترات طويلة خلاف عقوبتهم الأصلية. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت حسم واحدة من المنظمات الأكثر صخبا في المملكة، على الرغم من رفض السلطات إعطائها رخصة رسمية لمزاولة العمل.
في السعودية هناك منظمتان فقط لحقوق الإنسان مسموح لهم بالعمل في المملكة، لكن لا يُسمح للنقابات المهنية أو منظمات المجتمع المدني المستقلة بالعمل.
قبل عامين، كانت حسم وغيرها من المنظمات الحقوقية قوية بما يكفي للضغط على الحكومة للتخلي عن مسودة قانون مكافحة الإرهاب الذي تمت الموافقة عليه مؤخرا من قبل مجلس الوزراء. قبل عام تحدت حسم القانون الذي يوجب على المواطنين مبايعة الملك، ونشرت عريضة على الانترنت تدعو الملك ليكون أكثر مسؤولية تجاه شعبه، بدلا من أن ترث العائلة الحاكمة ممتلكات الشعب.
اليوم، هناك حوالي عشرة أعضاء من حسم رهن الاعتقال إما تحت التحقيق أو للمحاكمة.
عمر السعيد، البالغ من العمر ٢٣ عاما، حُكم عليه هذا الشهر بالسجن لمدة أربعة سنوات وبالجلد ٣٠٠ جلدة. وأُعلن الحكم في غياب المحامي وأسرة المتهم، كما لم تعلن المحكمة عن التهم التي أُدين بسببها عمر.
وفي سياق آخر، حُكم على اثنين من أعضاء حسم المؤسسين، وأهم رموز حركة الإصلاح في السعودية، محمد القحطاني وعبدالله الحامد بالسجن لمدد تتراوح بين ١٠ و١١ سنة و بالمراقبة وحظر السفر لمدد تصل إلى عشر سنوات بعد الإفراج عنهم، بتهم عدم طاعة الحاكم أو “كسر الولاء له” وتهم أخرى منها تأسيس منظمة غير مرخصة.
المحامون كذلك يتم ملاحقتهم، عبدالعزيز الحصان تم استجوابه، والشييلي، المحامي الذي يمثل عمر السعيد تم استجوابه كذلك بتهمة المشاركة في أعمال حسم.
قال لنا الشبيلي “أنا مستعد لأن أُسجن، أنا على استعداد أن أُجلد، أنا مستعد لأي شيء” وتابع “من الصعب علينا أن نرى أجدادنا يموتون لتوحيد البلاد التي نراها الآن تتجه للمجهول”
نون بوست