المملكة البريطانية, من عاصمتها لندن, ومن أروقة قاعة الكومنويلث، قدّم معرّف الحفل مفتتحاً المؤتمر الإعلامي الخاص بفيلم “ملك الرمال” بالعبارات التالية: “إن ملك الرمال هو بناء سياسي لواقع مغاير لأيديولوجية مسيطرة وحاكمة في المملكة العربية السعودية، في الواقع هو عن الاّخر, الذي صارع إلى حد ما لنشر أفكاره ومواقفه، وهو أيضا بخصوص رفض كونه سينما مغيبة، بل فعلا هو منظم جدول أعمال, وهو بخصوص وجود سينما التيار البديل واختيار سينما الفن”.
– فيلم “ملك الرمال” الذي يتناول شخصيّة مؤسس المملكة العربية السعودية، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، ويبحث الفيلم مستعرضاً الطريقة التي وصل بها الملك عبد العزيز للسلطة، وصولا إلى إعلان المملكة.
ويؤكد صانع الفيلم المخرج نجدت اسماعيل انزور أنه يحاكي في هذا الفيلم تاريخ الإرهاب وجذوره وعلاقة ذلك بما يحدث اليوم في العالم قاطبة, ويعرض الفيلم جانبا من الاتفاق بين آل سعود والمملكة البريطانية للقضاء على أسرة آل الرشيد التي كانت تحكم الرياض آنذاك والتخلص من العثمانيين، والذي تم بموجبه عدم اعتراض الملك عبد العزيز على إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين مقابل توطيد حكمه وإقامة مملكته السعودية، ما مهد لبسط نفوذ الغرب على المنطقة.
وكان لـ”زمان الوصل” مصادرها الخاصة التي مكنتها من استعراض طريقة الإنتاج وظروفها والأجواء التي عاشها الفيلم في هذه المرحلة وصولا إلى عرضه.
من قاعة الكومنويلث في أهم القصور البريطانية اللندنية عقد المخرج “نجدت أنزور” مؤتمراً خاصاً حضرته شخصيات معدودة ومنتقاة وذلك بعد انتهائه من إخراج فيلمه “ملك الرمال”.
حيث تناولت الأسئلة التي طرحت على المخرج نجدت أنزور الكثير من التفاصيل السياسية الحساسة وكانت بمنتهى الدقة والموضوعية والمشروعية.
أميرتان
ونقلاً عن المصادر، فقد كان من بين المدعوين إلى المؤتمر الأميرتان السعوديتان اللتان تمثلان طرفي النزاع المتجسد في فيلمه “ملك الرمال”، وهما الأميرة الدكتورة مضاوي الرشيد المؤرخة وأستاذة علم الإنسان في الكلية الملكية، وصاحبة السمو الملكي الأميرة بسمة بنت سعود بنت عبد العزيز إلى جانب مجموعة من الفنانين والمخرجين والصحفيين من مختلف الجنسيات العربية والأجنبية.
وقد استهلت الأميرة بسمة بنت عبد العزيز سؤالها للمخرج الأنزور بـ :”لماذا الاّن وفي هذه المرحلة بالذات تخرج فيلما عن مؤسس المملكة العربية السعودية، كونه من المضحك أن أسألك لماذا لم تخرج فيلما اسمه الأسد؟”، في دلالة واضحة منها على أن طريقة الأسد في امتلاكه ووصوله للسلطة لم تختلف في الشكل أو المضمون عما قام به عبد العزيز اّل سعود في توطيده لأركان سلطته.
فأتت إجابة المخرج عن سؤالها عامة غير محددة حين اكتفى بالقول: “لقد بدأت بالعمل على هذا الفيلم منذ سنتين وقبل أن تحدث “الفوضى في الشرق الأوسط” ولكنه تزامن مع ما يحدث الآن ..أعتقد أننا بحاجة الّان لمثل هذه المواضيع ولطرحها خارج العالم العربي لأنه في العالم العربي يستطيعون شراء أو إيقاف هذا الفيلم يستطيعون فعل أي شيء لتغيير فكرة الفيلم أو بعض مشاهد فيه. ولكن أشعر أنه يوجد حرية أكبر بالخارج لعرض مثل هذه المواضيع الحساسة”.
وقد تقدم مراسل موقع (ميدل إيست أون لاين) بالسؤال التالي: “تقول إنك بدأت التجهيز للفيلم قبل ثورات الربيع العربي، وها أنت الاّن تتكلم عن العلاقة بين ما يحدث في بلدك الاّن وبين المملكة السعودية، ما العلاقة بين آل الرشيد وفيلمك؟ هل موّلوا الفيلم؟.
فأجاب: لا علاقة لأحد بتمويل الفيلم لقد مولته بنفسي. ودفعت كل أموالي ولا علاقة له بالتأكيد بما يحدث في الشرق الأوسط.
وعندما طرحت مراسلة تلفزيون “برس” سؤالها الذي يقول: ماذا ستحقق من عرض الفيلم عالميا وما هي رسالتك؟ أجاب المخرج: إن تشابه أحداث الفيلم ماضيا مع ما يحدث اليوم في منطقتنا من تقسيم جديد، وإعادة رسم الخارطة العربية هو ما دعاني لإنتاج هذا الفيلم، إن الأمة العربية بحاجة للتخلص من كل الدكتاتوريات الموجودة في العالم العربي وإعادة تشكيل المجتمع من جديد، على الأقل في المرحلة الحالية علينا أن نسمع الآخر والآخر يسمعنا، أن نستطيع التحاور.
وهنا تتجلى بشكل واضح أولى تناقضات المخرج نجدت أنزور في إجابتيه حول نفس الموضوع أي نيته إنتاج هذا الفيلم، حيث قال مرة: إن التحضير للفيلم كان قبل سنتين من بداية ما أسماها “فوضى الشرق الأوسط” وإنه لم يكن لإنتاج الفيلم علاقة بما يحدث الآن فيها، ومرة كانت إجابته إن إنتاجه للفيلم يأتي في سياق ما تشهده المنطقة من محاولات جديدة للتقسيم.
أين الإجابة
وفي إجابته اللاحقة عن نفس السؤال بعد عرضه في دمشق، نقلت وكالة (يونايتد برس إنترناشونال) عن أنزور قوله:
“فكرة الفيلم استوحيت من وقائع ما يحدث اليوم في العالم العربي من إعادة تقسيم للمنطقة وكأننا في “سايكس -بيكو” جديدة، والدور الغامض الذي تمارسه دول الخليج العربية ولا سيما السعودية في ذلك وبشكل يؤثر على وجودنا كعرب وكأحرار ويتداخل مع الفن بشكل سلبي وكأن الإبداع أصبح يشترى بالمال ويقيّم على أساس الولاء.”
وقد أتى سؤال الدكتورة مضاوي الرشيد خلال المؤتمر والذي لم يلق إجابة من المخرج الأنزور على الشكل التالي: إن المثقف العربي كان شريك السلطة في المرحلة الماضية وكان يعمل على تلميع صورتها، بينما ثورات الربيع العربي عملت على إسقاط الرموز عن طريق الفن والكتابة والشارع والميدان هل تعتقد أن فيلمك سوف يؤدي إلى المزيد من الإنتاجات الفنية التي تحطم الرموز وليس فقط تحطيمها بل إعادة صياغتها، فالرمز له وجهان سلبي وإيجابي، والرمز ليس إلاه وكتبنا التاريخية قدمته بصورة إيجابية، ولمعت صورته فهل اللحظة مناسبة لإعادة صياغة هذا التاريخ من جديد حتى ننتقل منه إلى المستقبل؟. فقد اكتفى المخرج بالإجابة عن ملحق بهذا السؤال تناولت به الدكتورة دور المرأة في الفيلم مجيبا بشكل فكاهي ساخر إن للمرأة في فيلمه أدوارا كثيرة سوف ترينها عند عرض الفيلم.
وكان لمراسلة “bbc”سؤال حار حين قالت: لماذا الآن تنتج وتخرج فيلما عن المملكة العربية السعودية، أنت سوري والتاريخ السوري لم يكن دائما مضيئا، فلماذا لم تسلط الضوء على التاريخ السوري؟.
حيث أجاب المخرج: “إن شخصية عبد العزيز استفزتني ولو استفزتني أية شخصية أخرى لأخرجت عنها فيلما، ولو أن أحدا أراد أن يخرج فيلما عن حافظ أسد لن يمنعه أحد وأنا مستعد أن أخرج فيلما عنه لو شعرت بأن هذه الشخصية استفزتني”.
خطورة
واللافت أن هذا المؤتمر الإعلامي تناول الفيلم من زاوية سياسية أكثر منها فنية، فقد توقف المخرج (أنور قوادري) كأحد المدعوين إلى المؤتمر عند هذا الملمح، حيث أثنى على المخرج فنيا وأضاف: دعونا نتوقف عند الفيلم من الناحية الفنية، إذ لاحظنا أن أسماءً مثل الكاتب ومدير التصوير والكثير من الفنيين قد أغفلت ولم تذكر فلماذا؟
فتمحورت إجابة المخرج حول رغبة الكثيرين منهم عدم ذكر اسمائهم وذلك لما تشكله هذه الخطوة من خطورة على مستقبلهم المهني كونهم عاملين في فيلم يتطرق لشخصية مثل الملك عبد العزيز بما يحمل من خصوصية ومحاذير.
ويترافق العرض الأول للفيلم في المملكة البريطانية مع تاريخ الضربة الإرهابية التي نفذتها القاعدة على برجي التجارة العالميين في نيويورك 11/9/2001، بما يحمل هذا الحدث من دلالة على الإرهاب العالمي، وعقب عرض الفيلم للمرة الأولى عربيا والذي كان في دار الأوبرا في دمشق 12/12/2013 كان لوكالة (لندن يو. بي.أي) لقاء مع صاحب الفيلم ومخرجه نجدت أنزور.
مجيباَ فيه عن نفس السؤال المتعلق بالممول لعملية إنتاج الفيلم بالتحفظ والسرية وعدم رغبته في ذكر الجهة الممولة، وهذا الكلام يأتي متناقضا مع ما أكده في مؤتمر لندن بأنه هو من مول الفيلم ولم يكن لأحد علاقة بذلك، في حين ونقلا عن أحد العاملين في الفيلم، فقد أوضح لنا أن المخرج الأنزور قد أكد لكل كادر عمل الفيلم من فنانين وفنيين أن شركة إنتاج بريطانية تقف خلف تمويل هذا الفيلم، وأن جميع العقود التي وقعت مع العاملين فيه قد تضمنت شرطاً إلزامياً بعدم التصريح لأي جهة إعلامية مسموعة أو مقروءة أو مكتوبة عن موضوع الفيلم تحت طائلة شروط جزائية صارمة.
مما يفتح الباب على مصراعيه لمجموعة من التكهنات يأتي في مقدمتها وبناء على هذا التناقض وعدم الوضوح في إجابات المخرج وفي ظل غياب الجهة الإنتاجية عملياً وفي سياق موضوع الفيلم بالمعنى السياسي، وفي توقيت إنتاجه وعرضه, فإنّ الاحتمال الأول أن يكون النظام السوري أو الإيراني هو الممول الحقيقي لفيلم “ملك الرمال”, وذلك في ظل استقطابات الموضوع السوري حاليا بشكل خاص, إذ ما مصلحة بريطانية وفي هذا التوقيت بالذات في إنتاج فيلم يسيء إلى النظام السعودي بما له من ثقل سياسي في المنطقة حتى لو كان ما عرضه الفيلم حقيقيا من حيث الوثيقة التاريخية, وما مصلحة الأنزور أن ينتج فيلما خاسرا عربيا وغير قابل للتسويق والعرض على الصعيد العربي.
في حين تستمر تصريحات نجدت الغامضة وغير الدقيقة، إذ صرح في مؤتمر لندن عند سؤاله عن مكان تصوير الفيلم بأن قال: في كل أنحاء العالم وقد أكد ذلك في لقاءاته اللاحقة مع الصحف والوكالات العربية والأجنبية التي التقته بعد عرض الفيلم في دمشق, في حين أن الفيلم وبناء على تصريح أحد العاملين فيه قد صورت أحداثه في منطقة الهيجانة بالقرب من مطار دمشق الدولي وفي بيت الدين في جبل لبنان.
من المعروف أن نجدت أنزور مخرج مبدع أحدث نقلة في الدراما السورية في مرحلة ما, ومن المعروف أنه ومن خلال العديد من أعماله الدرامية تبنى تسليط الضوء على الإرهاب في كثير من أعماله الدرامية كثلاثيات (المارقون) و مسلسلات مثل (الحور العين) و(ما ملكت أيمانكم) و(تحت سقف الوطن) فهل يأتي هذا الفيلم استكمالا لهذا السياق خاصة وأنه اختار الحادي عشر من أيلول، بما يحمل هذا التاريخ من دلالة على العمل الإرهابي والفكر الإرهابي ليكون موعدا لعرض فيلمه “ملك الرمال” ولأول مرة في لندن.
وبعد سؤال الصحيفة عن إمكانية توقف عرض الفيلم أوضح الأنزور أن الفيلم يأتي عرضه في سياق أهمية وطنية, مؤكدا أنه لن يتوقف عرضه إلا إذا توقفت السعودية عن تصدير الإرهاب إلى سوريا.
*تناقضات أنزورية
يرى مراقبون أن دعوة الأميرتين (مضاوي الرشيد) و(بسمة بنت سعود) لحضور المؤتمر الصحفي الخاص بـ”ملك الرمال” وبما تمثلان معنويا على الأقل ما جسده الفيلم من صراع العائلتين على السلطة، تأتي في سياق الديمقراطية والشفافية والرأي والرأي الاّخر وحرية التعبير، بينما يرى اّخرون وبالاستناد إلى إتقان نجدت أنزور للعبة التسويق الإعلامي, وهذا ما أثبته عبر مسيرته الفنية من قدرة فائقة على صناعة الفيلم الترويجي (البروموشن)، قبل عرض كل أعماله الفنية.
فدعوة الأميرتين لا تتعدى كونها مفصلا من مفاصل هذه العملية الترويجية بدليل أن الأنزور وفي بداية الحراك السلمي السوري, ولم تكن الثورة قد تسلحت بعد قام بدعوة معظم شركات الإنتاج السورية لمقاطعة كل الفنانين والعاملين في الدراما السورية من المعارضين للنظام السوري, أو كل من يوقع على بيان يرفض من خلاله الطريقة الهمجية التي يتعاطى فيها النظام السوري مع المحتجين، فأين مفهوم الديمقراطية أو حرية التعبير في هذا السلوك؟ كما وتتناقض المقدمة التي أدلى بها مقدّم المؤتمر الإعلامي حين قال “ملك الرمال” بناء سياسي لواقع مغاير لإيديولوجيا حاكمة ومسيطرة في المملكة العربية السعودية “، فهل هذه الإيديولوجيا المسيطرة التي يتكلم عنها هي حكر على المملكة العربية السعودية؟ ألا تتطابق هذه الايديولوجيا مع كل السلوكيات السياسية لكل الأنظمة العربية؟، ألم يتناقض هذا الطرح أصلا مع ما نطق به الأنزور خلال المؤتمر من أن الأمة العربية بحاجة للتخلص من كل الدكتاتوريات الموجودة في العالم العربي، ألم يلجأ الأنزور أصلا إلى الغرب، وبحسب تصريحاته، لتوفر هامش الحرية غير المتوفر في العالم العربي؟
في حين يضيف آخرون أنه إذا كان الأنزور على قناعة بأن المملكة العربية السعودية هي الممول والمصدر للفكر الإرهابي ماديا ومعنويا إلى سوريا ..فما الذي سيمنع النظام السوري من الموافقة على إنتاج هذا الفيلم داخل الأراضي السورية وهو الذي وافق أصلا على عرضه وسوّق له عبر كل وسائله الإعلامية؟.
ويضيف المصدر لـ”زمان الوصل” أن الذين تعاملوا أو عرفوا الأنزور عن قرب يدركون تماما شخصيته الدكتاتورية الخارجة عن حدود الفن والتي تتعداها إلى حدود الدكتاتورية السلطوية، مستندا في ذلك لعلاقاته القديمة المستمرة والوطيدة مع أعلى رموز النظام.
وفي تصريح لـ “اكتشف سورية” قال المخرج نجدت أنزور: “هذا العرض يتزامن مع الهجمة البربرية الوحشية على سوريا لمحاولة تمزيق سوريا، أنا برأيي هذا أكبر رد على هؤلاء البرابرة على هؤلاء الخوارج «خوارج العصر» ونقول له نحن الفنانين السوريين واقفين جنباً إلى جنب مع الجندي العربي السوري الباسل الذي يقاوم ويدافع عن سوريا”.
كما تأتي الكلمة التي ألقاها مخرج الفيلم في حفل افتتاح فيلمه “ملك الرمال” في دار الأوبرا في دمشق والتي بدأت بعبارة “كاميرا الفنان جنباً إلى جنب مع بندقية الجندي العربي السوري في مواجهة الإرهاب” تأكيدا على ارتباط الفيلم من حيث الموضوع بما تشهده الساحة السورية من صراع، وهو ما نفاه المخرج من قبل، في مؤتمر لندن عندما قال إن لا علاقة للفيلم بما يحدث الاّن، وإنه قد بدأ بالتحضير للفيلم قبل سنتين من بداية ما أسماه “فوضى الشرق الأوسط”.
ربما يأتي فيلم “ملك الرمال” للمخرج نجدت أنزور بمثابة كلمة حق أريد بها باطل، ولكن ومن المعروف أن التحولات السياسية, والمصالح الدولية تاريخيا تؤكد أن لا صديق دائم, ولا عدو دائم في هذا الميدان، فعدو الأمس قد يغدو صديق اليوم والعكس صحيح، ومن المعروف أيضا أن النظام السوري شأنه شان كل الأنظمة الشمولية الدكتاتورية قد يضحي بأي كان مقابل مصالحه الخاصة. فهل سيكون الأنزور قربانا وهدية للنظام السعودي في لحظة ما؟ يتساءل آخرون؟.
سارة عبدالحي – دمشق – زمان الوصل