يحكى أن برميلاً متخماً بالذهب الأسود سكن الشرق المتوسط ، برميل نفط مثقوب لا يرى لا يسمع لكنه يتكلم .. ( فقط يتكلم ) .. كان البرميل يحلم بالزعامة بل أنه من أجل هذا الحلم تحديدا لا يكف عن إهدار ما تبقى من الذهب الأسود في بئره من أجل أن يصبح قائد ضرورة على بقية البراميل التي تعيش على نفس الآبار المجاورة لبئره.
في حقيقة الأمر بقية البراميل كانت تدرك أهدافه ولأنها تخشى سواد نفطه كانت ترضخ وتجامل وأحيانا تحتال باستثناء برميل واحد كان برميلا بسيطاً طيباً لكنه لم يك يخشى ولا يجامل ولا يحتال .
كان إذا ضرب أوجع من باب : إذا ضربت فأوجع فإن الملامة واحدة . ولأنه كان يعلم أن “ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد” ولأنه كان يعلم أنه مهما فعل لن يسلم من الانتقاد بأي حال فعل الصحيح كما يفعل دوماً ، أي نعم أن البرميل ليس في بطنه ما في بطن بقية البراميل من الذهب الأسود لكنه كان يحمل بداخله حرّة تجوع ولا تأكل بثدييها .
كان يحمل ما هو أعز وأثمن وأغلى من اللون الأسود كان يحمل لون الكرامة والعلياء في همة نفسه ومن أجلها كل ما يلقاه محبب وعليه لم يرضخ لأهداف وأطماع المتخم بالذهب الأسود.
العلياء ؟!! الكرامة ؟ هكذا صرخ البرميل المثقوب ! ماذا تعني الكرامة ؟
ولأن المثقوب لم يكن يعلم ماذا تعني الكرامة وماذا تعني العلياء استشاط غضباً من برميل الكرامة : لماذا لا يرضخ .. لماذا لا ينصاع .. لماذا لا يكون تابعا له وهو الذي إن أغلق فوهة برميله توقف العالم .
لم يتوقف غضب البرميل عند هذا الحد بل أطلق من ثقبه أوامر للتابعين بأن يهاجموا برميل الكرامة أن يتهموه بالشذوذ بالعنصرية بالطائفية بتمزيق وحدة البراميل بالعمل من أجل مصلحة براميل أخرى تحاول أن تأخذ قوته في سوق “المجتمع الدولي ” وتأثيره في محيط الآبار الزمني . وقد كان .
ولأن برميل الكرامة كان مؤمناً بقدراته كان أكيداً أن القطرات القليلة قد تصنع جدولا ولأنه يرى بأول رأيه آخر الأمور ولأن نفسه كبيرة وطبعا -إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام -علم أن صراخ المثقوب على قدر الألم ، وبينه وبين نفسه تذكر قصة تحكى عن برميل ٍ أعرج وأعور لا يرى إلا بعين ٍ واحدة .. تذكره حين طلب من الرسامين في بئره وفي الآبار التي تواليه أن يرسموه دون عيوب ودون ثقوب وأن ينشروا صورته أمام العالم أجمع بشكل أقرب للكمال والكمال لله.
تذكر رفض بعض الرسامين الشرفاء في تلك الآبار لطلبه فكيف يرسموه دون عيوب وهو أعرج وأعور وفوق هذا كله مثقوب .
تذكر بيت شعر يقول : ” لو كان العلم دون التقى شرف … لكان اشرف خلق الله إبليس” .
عموماً قيل في الأثر : للذهب ثمن … لكن الحكمة ليس لها ثمن)) لذا لم يوافق أحد على رسمه سوى رسام واحد أي نعم أظهره دون عيوب ودون ثقوب بعد أن قبض الثمن ورسم لوحة جميلة ومعبرة ونادرة لكن الرسام نسى والبرميل من خلفه نسى أن لا شيء في الدنيا يخفي نقص القادرين على التمام وأن الصورة لا يمكنها أن تجعل من يرى البرميل يغني” جميل جمال ” وأن الملامح المزيفة والألوان المزيفة لا يمكنها أن تخفي الحقيقة وأن كل من نظر إليها كان يعلم في أعماقه أن تحت ملامحها وألوانها برميل أعرج وأعور ومثقوب .
خالد العلوي
كاتب وأديب عماني