ما أن أعلنت السلطنة على لسان الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية أنها لا تؤيد الاتحاد الخليجي في الوقت الراهن وأنها لن تكون جزءا منه إن أصرت عليه منظومة دول مجلس التعاون حتى تكالبت الاتهامات عليها من كل فج ٍ عميق من مسئولين حكوميين خليجيين ومن كتاب ومن مغردين ومن حاقدين حتى وصل الأمر بهم أن يقولوا عنها ما لم يقله مالك في الخمر .
ونسوا أو تناسوا من هي السلطنة .. ومن هو قابوس . ونسوا الشواهد التاريخية على ما فعلته السلطنة قديما وحديثا ودورها في إرساء ركائز السلام ونشر المحبة والألفة .
نسوا (أن القَصَّاب لا تهوله كثرة الغنم ) .. لست هنا لأعرض الشواهد التاريخية لكني هنا لأرد على أخر الشتائم للسلطنة ولرمزها وهي طرفة الموسم الشتوي بالمناسبة خرجت من كاتب ٍ ومغردٍ سعودي يدعى محمد آل الشيخ الذي أساء سمعا فأساء إجابة والذي قال : (( عمان هي المتضررة من الخروج من مجلس التعاون لا بقية دول الخليج وأنه لولا مليارات الخليج التي انقذت قابوس لكان عندنا لاجئ ))
إيه وربي .. صدق اينشتاين: يستطيع أي أحمقٍ جَعل الأشياء تبدو أكبر وأعقد، لكنك تحتاج إلى عبقري شجاع لجعلها تبدو عكس ذلك .
يا آل شيخ أما أنك لا تقرأ الكلام جيدا وأما أنك لا تفهم .. فالوزير المسئول عن الشؤون الخارجية في السلطنة قالها صراحة وبالحرف الواحد بعد استفزازات وزيركم وغمزه ولمزه :أن هناك ترتيبات جديدة جاءت نتيجة للظروف الأخيرة والتطورات في المنطقة التي حتما لا السلطنة ولا نحن كشعب خليجي لنا ناقة فيها ولا جمل .. وأشار الوزير بن علوي أن على الجميع النأي عن الصراعات الإقليمية والدولية في داخل مجلس التعاون وخارجه وأن القوة لا تعني بالضرورة أن يتعسكر الناس من أجل الدخول في صراعات ونحن غير مستعدين للدخول في صراعات ولا علاقة لنا بالمواجهات ولسنا ذاهبين للصراعات على الإطلاق لا شرقا ولا غربا وأن التركيز على أهم مرتكزات مجلس التعاون أهم من الاتحاد ”
هل قرأت هذا الكلام جيدا؟ لأنك بدوت لنا كحاف ٍ يسخر من ناعل !
ما الذي لا تفهمه بالضبط يا آل شيخ فحتى الأعمى يدرك أن مجلس التعاون حتى هذه اللحظة هو مجلس حكام لا مجلس شعوب ومجلس قادة لا مجلس قيادة وأننا طيلة الـ 30 عاما الماضية كنا نسمع جعجعة ولا نرى طحينا فما بالك بالاتحاد الخليجي ؟ هل سيمثل الشعب الخليجي فعلا أم أنه سيمثل القادة ؟ هل سنشهد أفعالا تصب في صالح المواطن الخليجي أم أننا سنشهد أفعالا تصب في صالح الحكام بعيدا عن قناعات شعبهم ومطالبه ؟
أكثر من ثلاثين عاما يا آل شيخ ونحن نحلم بأبسط الأشياء عملة موحدة حتى استيقظ النائم من حلمه ولم نستيقظ .. وحين استيقظنا لم نجد في أيدينا من التعاون المزعوم إلا كلام وخطابات وشعارات وبطاقة مدنية نتنقل بها بين دول المجلس .. يا له من إنجاز خليجي عظيم !
ربما يكون أمثالك يؤمنون بنظرية القفز على الواقع .. ويؤمنون بالذي ولد ليزحف أعني ذاك الذي حتماً لن يستطيع أن يطير .. أليس كذلك ..؟
لكننا ولدنا لنطير . وموقفنا من الاتحاد الخليجي .. وبغض النظر عن موقف المملكة الرسمي وموقف بقية دول الخليج ثابت وراسخ ناهيك عن أنه موقف ليس جديد فقد سبق وأن صرحت السلطنة أكثر من مرة بهذا الأمر وسبق وأن أعلنت أن علينا العمل على التكامل الخليجي قبل القفز إلى الاتحاد الخليجي ناهيك عن أن السلطنة ليست عبدا ولا تابعا ولا إمعة هي حرة وستبقى حرة في أن تفعل ما تشاء وبتاريخها كله لم تنعق كما يفعل غيرها خلف كل ناعق .
نعم يا آل شيخ طيلة تاريخنا كإمبراطورية وكسلطنة كنا ولا زلنا أحرارا وأصحاب قرار لا نقبل أن يملي علينا غربا أو شرقا ما نفعل وما نختار .
نعم نحن لا نتدخل كما يفعل غيرنا في الدول الأخرى ولا نسعى كما يفعل غيرنا للفرقة وللشتات وللإرهاب في الدول الأخرى ولا نسارع كما يفعل غيرنا للعمل في الظلام وعقد مؤامرات مع الشيطان من أجل أن تستمر شلالات الدم في أماكن مختلفة من العالم.
نحن إن ركضنا .. ركضنا نحو السلام .. وإن لهثنا لهثنا من أجل السلام .
نحن سلطنة حرّة ومستقلة تفعل ما يناسب مصالحها ومصالح شعبها ومعروف عنها استقلالية القرار ومعروف عنها الوسطية والاعتدال وأنها لا تصنع عدو بل تصنع أصدقاء في كل مكان .
نعم يا آل شيخ صناعة العدو ليست صناعتنا وآلة الحرب ليست آلتنا وهي حتما آلة وصناعة لها روادها في بلدان ودول معظم قراراتها قائمة على ردة الفعل وعلى الطائفية والمذهبية والعنصرية وعلى أحلام برميل النفط الأسود .
من يصنع الحرب يا آل شيخ ومن يسعى إلى الفتنة و الشتات والفرقة هو من يشعل فتيلها في كل مكان ، من يسعى إلى تقويض الوحدة هو من لا يملك بصرا ولا بصيرة هو من لا يضرب ببصره أقصى القوم هو من لا يحسب حساب التاريخ لا يقرأه ولا يحلله ولا يفهمه واسأل التاريخ وستعرف جيدا من تفاصيله من كان سيدا للسلام ومن كان سيدا وخادما للحرب . اسأل التاريخ والشواهد كثيرة من هي السلطنة في القديم البعيد ومن هي في الحاضر القريب . واسأل حاضرك الآن عنك وعن عواهن اتحادك الخليجي ولماذا أطل برأسه مجددا في هذا الوقت تحديدا ؟
هل من أجل الوحدة الخليجية فعلا أم أنه جاء كردة فعل على القراءات السياسية والتطورات الدبلوماسية الأخيرة من الاتفاق التاريخي بين إيران ( عدوك المزعوم الذي صنعتموه صنعا أو صنعه الغرب لكم صنعا) والقوى الست الكبرى ؟
أم أنك تخشى من الجارة إيران أن تمارس حقها الطبيعي وتستعرض عضلاتها السياسية والدبلوماسية بعيدا عن تقسيماتكم الطائفية البغيضة في رعاية مصالحها ومصالح شعبها كما تفعل بقية دول العالم وكما تفعلون أنتم ؟
لا أستغرب قولك ولا فعلك .. نعم إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وَصَدَّقَ ما يعتاده من توهم وأنت صدقت الوهم الذي خلقوه وآمنت بعدو صنعوه وهذا أمر يقودني لسؤال مهم:
كيف تحدد الصديق من العدو؟ هل تحددونه أنتم فعلا أم أن الغرب من يحدده لكم ؟ هل هي السياسية أم الطائفية ؟ أم الأهواء والمزاج ؟ قل لنا أي شيء قل لنا الشيطان لكن إياك أن تقول أن من يحدده هو الحق فالحق والحق أقول جانبكم كثيرا ً فإذا كنتم مع الحق وتطلبونه مثلا في سورية فلماذا لا تطلبونه في دولة أخرى حاكمها يفعل ما يفعله بشار بشعبه دون أن ينبس أحدكم ببنت شفة ؟
حسنا لماذا لا تسلحون المعارضة في تلك الدولة ؟ لماذا عينكم ترى المعارضة في سورية فقط ولا تراها في أماكن أخرى مطالبها مستحقة ؟
حسناً.. لماذا لا تسلحون المقاومة في فلسطين وحتى اللحظة وعلى الرغم من كل الاتهامات التي توجه لإيران هي من تقوم بتمويل حماس ودعمها ودعم بعض الفصائل الفلسطينية المسلحة فيها ؟
إذا ً المسألة ليست مسألة حق هي مسألة سنة وعلوية وسنة وشيعة وخليجي وعربي وعربي وفارسي بالمختصر المسألة برمتها تعتمد لديكم على التقسيم الطائفي والعقائدي والعنصري والعرقي وليس لها علاقة بالحق ولا بالفضيلة ولا بالله ولا برسوله لا من بعيد ولا من قريب .
نحن يا آل شيخ لسنا مثلكم ولن نكون مثلكم فعمان مر عليها زعماء والتاريخ يشهد على حكمتهم ونظرتهم الثاقبة والمتزنة في تسيير أمور الدولة أخرهم سلطاننا قابوس المعظم الذي يعمل من أجل مصلحة شعبه بعيدا عن الطائفية والاصطفاف العنصري والعرقي البغيض فليس لدينا هنا إرهاب نصدره للعالم عن طريق أسامة بن لادن وليس لدينا هنا مؤسسة تعاني من حالة سيكوباتية من الدرجة الرابعة تعمل وصية على عقول الناس وتصادر ابسط حقوقهم في الحرية والتعبير وليس لدينا هنا وكلاء عن الله يوزعون كوبونات جهنم على الملأ فقط لأنهم لم يؤمنوا بعقيدتهم وبملتهم .
نعم يا آل شيخ في السلطنة لن تجد إلا المحبة والرحمة والتآلف بين كافة شرائح وأطياف المجتمع .
أما عن علاقتنا بإيران فيشرفنا أن نعلنها صراحة بأنها علاقة تاريخية بل موغلة القدم وتنبع من الداخل العماني ولم تفرض علينا بفرمان أميركي ولا أوربي ولن يقطعها لغوكم ولا اتحادكم الذي خرج علينا مثل المثل القائل : ما جاء بسرعة سيذهب بسرعة )) نعم نحن نقول ما قاله سلطاننا وما قاله وزير خارجيتنا : سننسحب بكل بساطة .
أي اتحاد هذا الذي سيقوم دون دراسة و تخطيط وخطط سأصدقك القول اتحاد مثل هذا سيشبه حتما لقيطا نسبوه إلى قبيلة .
أخيراً .. يا آل شيخ .. ماذا لديك لتفخر به ؟ وماذا في يديك أصلا كي ترمي بكل جهل عمان التاريخ والحضارة ؟ ماذا في عقلك حتى تسيء لقابوس المعظم ؟ ماذا لديك وغيرك يأكل الدجاج وأنت والتاريخ يشهد لا زلت في السياج !
يحق لي يا آل شيخ وأنا مواطن عماني أن أدافع عن سلطاني وقائدي وأبي الذي لولا ملياراتك الخليجية كما تدعي لأصبح لاجئا لديكم .
وبما أنك من هواة القفز دعني أسألك أولاً أيها الملياردير:
ماذا تريد ؟ ..
هل تريد حربا تشعل المنطقة بأسرها ؟ هل تريد أن تشتري بملياراتك سلام وأمن الشعوب الخليجية إرضاء لمصالح ضيقة وخاصة تعنيكم أنتم ولا تعني غيركم فقط لأنكم تنظرون إلى الآخرين بنظرة أحادية وبمنطق أعرج وأعوج ؟
هل تحب القفز إلى المجهول .. حسنا افعلها ونحن نعلم تماما أنك ستفعلها “لا حبا في معاوية ولكن كرها في علي” لأنكم دربتم وعلمتم أن أخوتكم في الدين الذين يخالفونكم في المعتقد أشد خطرا من إسرائيل كما قال أميركم المترف ؟ أم أنك تعتقد أن سلطنة المجد ستحركها مليارات الآخرين كما حرّكت ملياراتكم غيرها ؟
خذها مني : “السرج المذهب لا يجعل من الحمار حصانا” .
هذه حقيقة عليك أن تعيها .سأساعدك لتعي وتفهم قبل أن ترمي غيرك بالطوب وبيتك من زجاج .
إليك ما يلي :
هل تعلم جنابك أن إسرائيل تحتل جزراً وممرات بحرية سعودية منذ عام 67 وأن غالبية شعبك لا يعرف أن إسرائيل ” الحلوة والصديقة والرقيقة ” تحتل صنافير وتيران .
ومن ثم يأتي أميرك المترف ليدافع عنها ويقول كما تقول شريحة كبيرة من أمثالك أن إسرائيل ليست عدو وأن الخطر الأكبر متجسدا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ؟!!
تصور يا آل شيخ ..
نعم تصور هذا العار وهذا الخزي ثم قل لنفسك ولأميرك المترف الذي تحدث عن إسرائيل كصديقة في مقابلته الشهيرة مع الصحافي الإسرائيلي مؤخرا أن هذه الصديقة تضع أصابعها على جزيرتين لهما موقعا استراتيجيا عظيما لأنهما تحرسان منفذ إسرائيل الوحيد في البحر الأحمر .
قل له ولنفسك أن الصديقة إسرائيل تضع حاليا في الجزيرتين محطة إنذار مبكر تحميها من أي سوء وأن الساسة في بلدك قالوا عن الجزيرتين : (( جزر مرجانية غير مهمة )) وهذا كلام منافي للواقع وللحقيقة فالجزيرتان غاية في الأهمية خصوصا أن الجزيرتين تمكن من يحكم السيطرة عليهما من التحكم ببوابة خليج العقبة وإيلات الإسرائيلية .
ألم أقل لك أن “السرج المذهب لا يجعل من الحمار حصانا”
الآن قل لي: لماذا لا تطالبون بجزركم المحتلة ؟
هل سمعت صوتا سعوديا رسميا واحدا ينادي بها ؟
هل رميت إسرائيل بسوء قبل أن تتجرأ وترمي السلطنة وترمي رمزها ؟
ثم قل لي: كيف تحولت بقدرة قادر إيران إلى عدو وتحولت إسرائيل إلى صديق ؟
كيف تحولت دولة جارة ومسلمة ربها ربك ورسولها رسولك وقبلتها قبلتك إلى وحش مفترس في حين تحول الوحش الصهيوني الذي فتك بفلسطين وبجزرك المحتلة إلى حملٍ وديع ؟
ببساطة مواقفكم تستطيع أن تقول عنها .. ((كالإبرة تكسي غيرها وهي عريانة))
اسمعها مني يا آل شيخ قديما قالوا : ” زمار الحي لا يطرب” خصوصا إذا كان مزماره لا يبعث ألحانا تجعل “الحي” يسلطن ويهتف قائلا : ” أحسنت يا زمّار” وهناك صنف من الزمارين لا تنبعث من مزاميرهم إلا الألحان الفاسدة التي تجعل كثير من سكان الحي حين يسمعوها يبحثون عن أي شيء (بيض- طماطم – كرسي-أكياس قمامة” ليلقوه على المزمار وصاحبه .
ليس لأن ألحان “الزمار” ستفسد ذائقتهم أو ستلوث آذانهم فحسب وإنما لأن مثل هذه الألحان قد تؤثر على أصالة “الحي” وعلى مكانته.
دعني أبسط لك الأمر :
نحن قوم جبلنا على الطيب وعلى قول الطيب لكن أيضا علمنا قائدنا بحكمته إن رمانا أحد بحجر أن نرد الحجر من حيث جاء ولهذا أرد عليك الحجر قائلا :
إذا رأيت رجلا يبيع الماء في حارة السقاءين فأعلم أن البائع فاشل وأنه لا يملك من الماء حتى ذاك الذي قد يجعله طاهرا وتيقن حينها أنه جاهل يحاول أن يقنع الجميع لقصورٍ في نفسه بأنه حكيم زمانه وأنه أشرف وأصدق من (مؤمن بني إسرائيل) لكنه في حقيقة الأمر نسخة كربونية من “سالومي”.
إنها السلطنة يا ابن المملكة .. وإنه السلطان يا ابن الملك ..
فأحفظ لسانك ..
ربما نعذرك لأننا نعلم تمام العلم أنه ليس على الأعرج حرج وليس على المريض حرج وليس على الأزميل المعوج حرج لأنه حتما لن يكون مستقيما أبداً كما نعلم أيضا أن الـطبال لن يكون إمام مسجد أبدأ فالأشياء يا آل شيخ تحافظ على كينونتها وما خلقه الله ليطير سيظل يطير وما خلقه ليزحف سيظل يزحف وعليه نحن لا نتصور أبدا أن تمساحا سيطير أو أن نسرا سيزحف .
لا شيء أفضل من الرد على الجاهلين بأمور السياسة من السياسة التي تجعلهم يلقون عصيّهم دون أن تتحول واحدة منها إلى “أفعى ” لا شيء أفضل لهم من المساحات الواسعة ليرعوا فيها إبل غبائهم وماشية حماقاتهم حتى تستزيد من الرغاء العديم القيمة السياسية والأدبية .
نعم سندعك تعبث بريش الشيطان وتلبس أجنحته وتزحف فربما هكذا قدّر الله لك أن لا تكون ملاكا ولا طيراً أبداً .
خالد العلوي
كاتب وأديب عماني