في تقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، اليوم، عن تصاعد الخلاف السياسي بين أردوغان وفتح الله كولن، لمراسلها في أنقرة “دانيال دومبي”، رأى الكاتب أن المعركة بين أردوغان وكولن والممتدة منذ فترة طويلة بدأت تظهر بقوة على السطح.
“أنت تعرف أن الحرب قد بدأت بالفعل؟ أنت تعرف ذلك، أليس كذلك؟”
كان هذا في أواخر العام 2012، كما أورد الكاتب، وكان محدثي -وهو مساعد بارز سابق في الحكومة التركية- يشير إلى الصراع بين رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، وفتح الله غولن، الزعيم الديني الأكثر شعبية في البلاد.
في تلك الفترة، كانت المعركة تغلي ببطء، ولكنها اشتعلت على مدى هذا الأسبوع مع اعتقال عشرات الأشخاص في تحقيق مكافحة الفساد.
ويتهم العديد من مؤيدي أردوغان أتباع غولن بتدبير التحقيقات، والتي أفضت إلى اعتقال ثلاثة من أبناء الوزراء والشخصيات الرائدة تجاريا المقربة من الحكومة.
وقد ردَ أردوغان، الزعيم الأكثر نفوذا في تركيا لعهدتين على الأقل، على هذا بنقل 32 من كبار ضباط الشرطة.
ومع استمرار تداعيات القضية، فإن الحكومة تجد نفسها في موقف غير مريح للغاية مع ظهور بروز المزاعم على ثلاث جبهات: الفساد، وخاصة في قطاع البناء والتشييد؛ تهريب الذهب، وربما يرتبط بتصدير المليارات من الدولارات من الذهب إلى إيران العام الماضي؛ وانتهاك قوانين تقسيم المناطق.
ويرى كاتب التقرير أن أسباب هذا الصراع تعود إلى تاريخ تركيا الحديثة وطبيعة الخصمين.
حزب العدالة والتنمية وحركة “كولن” لديهما جذور دينية، ولكن أصولهما مختلفة جدا، في حين أن التهديدات التي يواجهانها معا، قد انحسرت.
حزب العدالة والتنمية هو خليفة الأحزاب السياسية الإسلامية بشكل واضح، ولديه مخاوف عميقة من شرعية الدولة الجمهورية، والتي تمارس شكلا من العلمانية القمعية.
بينما، وعلى النقيض من ذلك، حركة السيد غولن، التي أُنشئت منذ الستينيات، هي وريث المفكرين الأتراك مثل الإمام سعيد النورسي أكثر من كونها تابعة أو مستلهمة لأي تجربة إسلامية معاصرة، وترفض ما يُعرف بـ”لإسلام السياسي”.
وقد شجع “غولن” أتباعه لتعلم العلوم والرياضيات، وخصومه يدعون أنه يشحع أيضا على اختراق مؤسسات الدولة مثل الشرطة والنيابة العامة، ويرد أتباع “غولن” بالقول إن حركتهم تعكس وجهات النظر السائدة في المجتمع التركي.
وعلى الرغم من خلافاتهم، فإنه عندما فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات وتولى الحكم في العام 2002، تطلع إلى أتباع حركة “غولن” داخل مؤسسات الدولة لمساعدته.
والسبب كان واضحا: فالصعاب ضد بقاء حكومة السيد اردوغان كانت كثيرة، صحيح أنه فاز بنسبة 34 في المائة من الأصوات، ولكنه كان قد مرَت بالكاد خمس سنوات على إطاحة العسكر للحكومة السابقة بقيادة الإسلاميين. وكانت المؤسسات العلمانية، مثل قطاع المال والأعمال ووسائل الإعلام كبيرة، تحت سيطرتهم، وكبار القضاة كانوا جنبا إلى جنب مع الجيش العلماني المتطرف.
وقد واجه أردوغان بالفعل تحديات علنية لحكمه: في عام 2007، عندما هدد الجيش علنا بالتدخل في السياسة، وفي عام 2008، عندما اقتربت المحاكم من حظر حزب العدالة والتنمية.
وكان ذلك على خلفية التحقيقات حول المجموعة الانقلابية، والتي دافعت عنها حركة “غولن”، والمعروفة باسم “ارغينيكون”، وقد سُجن منها المئات من المتآمرين المتهمين، بما في ذلك كبار ضباط الجيش.
ووصف حينها أنصار السيد غولن حملة الاعتقالات بـ”تصفية حسابات تاريخية مع ماضي تركيا المعادي للديمقراطية”، وأنها تستند إلى أدلة ملفقة وتهدف إلى تحييد المعارضين.
ويقول الكاتب إنه من الصعب أن ننكر أن التحقيقات والمحاكمات تمكنت من القضاء، وبشكل كبير، على التهديدات التي كانت تواجها الحكومة من الجيش أو جهات أخرى. ولكن هذا النجاح وضع محور حزب العدالة والتنمية وحركة “غولن” تحت الضغط، خصوصا بعد إعادة انتخاب أردوغان في 2011، إذ إن كلا منهما يشكو من سعي الطرف الآخر لتعزيز سلطته وتخففه من المساءلة.
وفي الوقت نفسه، فإن الاختلافات في وجهات النظر المعسكرين كانت حاضرة وما اختفت رغم سنوات من التعاون. ويقول الكاتب إن حركة “كولن” تكن ودا للولايات المتحدة وإسرائيل وتعادي إيران، في حين وقف السيد أردوغان بقوة مع حكومة الإخوان المسلمين في مصر وتعرض لانتقادات شديدة من الإسرائيليين.
ويرى التقرير أن السبب في أن التحقيقات حول مزاعم الفساد يبدو أنها تستهدف الآن تعطيل سعي أردوغان لإيقاف أو إصلاح المدارس الكثيرة لما قبل الجامعة التي يشرف عليها “غولن”، ويقول عنها مسؤولون في الحزب الحاكم أنها تخرج “مبشرين” برسالة الزعيم “غولن”، وبعض أتباع الزعيم الديني يعترفون بأن المدارس -حيث يستمع الطلاب أحيانا إلى تسجيلات السيد غولن بعد الدروس العادية- هي أداة تجنيد فعالة.
ومع اقتراب الانتخابات في العام المقبل والتحضير لما بعد حكومة أردوغان، فإن أتباع “كولن” قد أحرقوا الجسور مع رئيس الوزراء وحزبه، ويقول الكاتب إن أردوغان لا يُخفي رغبته في تطهير المؤسسات البيروقراطية من أتباع حركة “غولن”.