في الوقت الذي حدد فيه الرئيس عدلي منصور، موعد الاستفتاء على الدستور الجديد، طالبت دراسة للقسم السياسي والقانوني بمركز مصر للدعم السياسي والقانوني، بألا يكون الاستفتاء على مسودة دستور 2013 استفتاءً شاملاً، موضحًا أهمية رصد وحصر المواد المختلف عليها وذكرها في ورقة الاستفتاء للتصويت عليها جميعًا كل على حدة، وعلى الأخص مواد المحاكمات العسكرية والقوات المسلحة ومواد الحريات، بالإضافة إلى وضع تصور عام حول حدود القوانين الأساسية المكملة للدستور؛ حتى لا تكون نسخة مكررة من قانون التظاهر، وحتى تصبح قوانين تلتزم بالمواد الدستورية شكلاً في الوقت التي تكون ضربة لجوهر المادة، على أن يوضع التصور من خلال مجموعة من أساتذة القانون والمرجعيات الفقهية الدستورية وبمشاركة رؤساء الأحزاب، الأمر الذي يساعد على تجنب قوانين معيبة مستندة لمواد غامضة.
وأوصى المركز في أول دراسة قانونية تنتقد الدستور الجديد، بإعادة النظر في كل القوانين الموجودة حاليًا بعد الاستفتاء في حالة الموافقة على الدستور، محذرة من أنه إذا تبقت قوانين التظاهر والإرهاب وما شابهها فإن الدستور يؤسس لمنظومة قمعية، الأمر الذي يعد سابقة لم تحدث من قبل ولا في فترة ما بين ثورتي يناير ويونيه، مشددة على تأجيل الاستفتاء لفترة تكفي لحوار مجتمعي يتوفر فيه عرض حقيقي لمواد الدستور كاملة للمجتمع، خاصة أن دستور 2013 لن يكون تأثيره مختلفَا عن دستوري 1971 و2012، وإنما سيكون أقوى، لأن الصدام معه سيكون صدامًا ضد مراكز القوى التي خلقها، وعلى رأسها الجيش، موضحة أن الدستور بوضعه الحالي لن يستمر على أرض الواقع كثيرًا، فبمجرد تفعيله سيعلم الجميع حقيقته لتبدأ الصدامات التي لن تنتهي إلا بثورة ثالثة.
وكشفت دراسة مركز مصر للدعم السياسي والقانوني تحت عنوان “دستور الخمسين”، عن وجود 27 مادة دستورية تؤكد أن دستور 2013 ليس دستور تغيير واقع، وإنما دستور دسترة واقع، تليه قوانين أساسية لتقنين واقع وليس لتغيير واقع.
وأشارت الدراسة إلى أن لجنة الخمسين بلغت من السوء إلى درجة نقل المواد المرفوضة والمعيبة في دستوري 1971 و2012، بالإضافة إلى إقرار مواد لا جدال على رفضها، مثل مادة المحاكمات العسكرية للمدنيين، الأمر الذي يثير الدهشة، خاصة أن بعض أعضاء اللجنة كانوا من معارضي المادة في دستور 2012.
وأوضحت الدراسة أن أكبر العيوب البارزة في دستور 2013، أنه لم يتجاوز عيب دستور 2012 في صياغة المواد، فالكثير من المواد احتوت على كلمات مطاطية مرنة يمكن أن يكون لها أكثر من معنى، وبالتالي تعتبر ثغرة في مواد الدستور المصري، بالإضافة إلى فشل اللجنة في تحديد التعميم والتخصيص، فالمواد الذي يجب أن تصاغ بلغة التعميم كتبت بشكل التخصيص، والمواد التي تحتاج التخصيص كتبت بصياغة التعميم.
وكان من أبرز الانتقادات التي أكدتها الدراسة والتي تهدد الدستور بالبطلان، التغيير الذي حدث في صياغة لفظ أقرته لجنة الخمسين في التصويت النهائي لأعضاء اللجنة في ديباجة الدستور، والذي نص على أن الدولة مدنية، فرغم التحفظات التي طالت هذه الصياغة إلا أنها كانت معبرة بالمعنى اللفظي عن أن مصر دولة مدنية وليست عسكرية أو دينية.
وشددت الدراسة على أن تغيير الصياغة لحكومة مدنية له مدلول غاية في الخطورة، ومرفوض بشكل كامل، خاصة أنه يحمل إشارة إلى أن المستقبل لن يكون على مستوى ثورات المصريين، وإنما يشير إلى هيمنة من التيار الأصولي وربما “العسكري” على كتابة وصياغة الديباجة.
وأضافت الدراسة أن الديباجة تعتبر إشكالية مضافة إلى إشكاليات الدستور، فقد احتشدت بجمل مطاطية ومرنة وغير مفهومة بحيث باتت كالخطاب السياسي العام، الأمر الذي لا يتناسب مع ديباجة دستور مصر الثورة، أيضًا ما يثير للقلق تضارب تحديد مد إلزامية الديباجة.
وأوضحت الدراسة أنه إذا كانت الديباجة جزءًا من الدستور المصري فقد ضم هذا الجزء كل العيوب السابقة.
وأشارت الدراسة إلى أن حرص اللجنة على إرضاء ميول جميع الأعضاء أوجد نصوصًا زائدة على الديباجة، فاحتشدت بكل شيء تاريخيًا وسياسيًا، الأمر الذي جعل الديباجة مترهلة فاقدة القوة والتأثير، مبينة أن تواجد حزب النور في لجنة الخمسين أدى إلى إلصاق الصبغة الإسلامية، مما دفع لإلصاق الصبغة المسيحية واليهودية، والإسراف في الحديث عن الأنبياء وربطهم بمصر، حتى أنه عندما لم يجدوا شيئًا يربط مصر برسول الله محمد، ابتدعوا أن مصر كلها أسلمت.
كما أكدت الدراسة أن الديباجة خلت من المبادئ التي توصف بالروح الدستورية، والتي تجعل المواد القادمة ترجمة كتابية للمبادئ والروح العامة للدستور، أيضًا مفتقدة تمامًا لمحتوى “القواعد العليا” المنظمة والمرشدة لمواد الدستور ولتفسير المواد، واصفة الديباجة بالبيانات الرسمية والخطابات العامة، لافتة إلى أن الصراع على مضمون الديباجة يتنافى مع التصريحات التي خرجت لتشير إلى أن الديباجة لن تكون جزءًا من الدستور، الأمر الذي جعل المحصلة النهائية توصف الديباجة بأنها ليست بديباجة تفتقد المعنى وتشوب قيمتها الغموض.
والغريب أن الدراسة أكدت أن لجنة الخمسين سقطت في أخطاء لجنة المستشار حسام الغرياني في صياغة مواد الدستور، فحوى مواد بها كلمات وصياغات مطاطية غير مفهومة مرنة المعنى ويمكن استغلالها لصناعة قوانين غير مقبولة وربما مرفوضة لكن ذات أساس دستوري، الأمر الذي يشير إلى أن مَن صاغ الدستور لم يكلف نفسه عناء الإيجاز والتحديد، فباتت المواد مهيأة لبناء منظومة قانونية غير مقبولة لنفس سبب عوار دستور 2012 وهو “مط” المصطلحات وعموميتها، مشيرة إلى أن مسودة الدستور يوجد بها عيب من أكبر عيوب دستور 2012 فيوجد بها مواد لها أكثر من معنى ومواد لا لزوم لها، مما يطرح سؤالاً عن سبب وجودها في الدستور، ويجعل الشك مشروعًا في اعتبار هذه المواد مطروحة من أجل تمرير قانون ما في وقت لاحق.
وأوضحت الدراسة أن سقطات الصياغة تجاوزت المدى في عدة مواد بالغة الأهمية والتي تناولت لفظة تكفل الدولة أو لفظة تلتزم الدولة، فبعض المواد تحتوى على اللفظتين معًا بصورة تضرب مضمون المادة في مقتل كما هو الحال في المادة 17، فالفارق الكبير بين الكفالة والالتزام سيحول دور الدولة ومضمون المادة، الأمر الذي جعل كثيرًا من المواد مفرغة من مضمونها وأصبح لها واقع لا يرتبط فعلاً بهدف المادة ومثلت ردة عن هدف صياغة تلك المواد.
الجيش في الدستور
أما المادة 152 والتي تتناول علاقة رئيس الجمهورية بالقوات المسلحة فتنص على أن “رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا يعلن الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد أخذ رأى مجلس الدفاع الوطني، وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء.. فإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجب أخذ رأى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وموافقة كل من مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني”، فتؤكد الدراسة أن المادة نزعت من الرئيس حق تحريك الجيش وجعلته لا قيمة له أمام الجيش، إلا أن رغم ذلك فإن المشرع وقع في خطأ كبير وهو كلمة “قتالية”، موضحة أن القوات التي ترسل إلى الخارج لا تقتصر على المهام القتالية فقط، وإنما قد تكون في مهمة حفظ سلام، الأمر الذي كان يفترض معه التعميم بدلاً من التخصيص بكلمة قتالية.
كما أهدر الدستور حق البرلمان في مناقشة ميزانية الجيش في المادة 203، الأمر الذي جعل الجيش دولة مستقلة، ومؤسسة تحكم عمليًا، ولا توجد رقابة عليها، فالمشرع يستغل الشعور الوطني لتحويل المؤسسة العسكرية لكيان منفصل عن مؤسسات الدولة، مما يفتح باب الاتهام بالفساد والكثير من الشبهات، وبالإضافة إلى المادة 204 من الدستور والتي تسمح بمحاكمة المدنيين عسكريًا، يتحول الجيش إلى مؤسسة عقاب وسجن محصنة بلا متابعة، ويمكن القول إن دستور مصر الثورة بسبب تواجد هذه المادة أصبح دستور محاكمات استثنائية بلا ضمانات على أرض الواقع لمدنيين، وجعل الاستثنائي دستوريًا، وبالتالي أصبح الدستور حاميًا لشيء ظللنا نرفضه كشعب منذ تأسيس دولة مصر الحديثة.
وأشارت الدراسة إلى أن ثورة 30 يونيه معرضة للاتهام بالانقلاب العسكري بسبب المادة 234، والتي تنص على أن “يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسرى أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين اعتبارًا من تاريخ العمل بالدستور”، فهي تدل على أن الجيش تحول إلى مؤسسة منفصلة عن الرئيس تمامًا، فالمشرع فرض واقعًا جديدًا للجيش أصبح فيه على رأس الرئاسة، فنص المادة يؤكد أنه في حلة إذا أراد رئيس الجمهورية عزل وزير الدفاع لن يجد وزيرًا بدلاً منه، حيث إن المؤسسة العسكرية تتحكم تمامًا فيمن يرأسها دونًا عن كل مؤسسات مصر.
سلطات الرئيس
والكارثة الكبرى التي كشفتها الدراسة في مسودة الدستور، هو حظر محاسبة الرئيس، فالمادة 159 تجعل من المستحيل محاسبة الرئيس عندما نصت على “ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس”، فمن غير الممكن ضمان تأمين ثلثي الأعضاء من جانب، ومن جانب آخر فبناءً على سلطات الرئيس يحل المجلس إذا فشل في الحصول على ثلثي الأعضاء، الأمر الذي يؤكد أن الدستور لم يتخط عيبًا كان مرفوضًا في دساتير 1971 وتعديلاته و2012.
الأدهى أن الدراسة كشفت أن المادة 173 من الدستور حصنت أيضًا رئيس مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة عندما نصت على أن “يخضع رئيس مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة للقواعد العامة المنظمة لإجراءات التحقيق والمحاكمة، حالة ارتكابهم لجرائم أثناء ممارسة مهام وظائفهم أو بسببها، ولا يحول تركهم لمناصبهم دون إقامة الدعوى عليهم أو الاستمرار فيها.
وتطبق في شأن اتهامهم بجريمة الخيانة العظمى، الأحكام الواردة في المادة 159 من الدستور”، فلا يوجد سبب للربط بين إجراءات محاكمة الرئيس المتعسفة وبين الوزراء ورئيس الحكومة فلو تقبلنا بغير اقتناع حقيقي فكرة مكانة الرئيس فما الأمر إذن مع الحكومة؟ لقد حرص كاتب المادة على تحويل الحكومة لأداة بيد الرئيس من الاختيار إلى الحصانة ثم المحاكمة.
(المصريون)