في محاضرته حول الإرهاب التي ألقاها يوم الخميس المنصرم في معهد جيمس تاون، قال السيد مايكل هايدن رئيس الاستخبارات الأمريكية السابق، إن هناك ثلاثة احتمالات لما سوف تؤول الأمور إليه في سورية وإن أفضلها هو بقاء بشار الأسد في منصبه.
الاحتمال الثاني يتحدث عن إمكانية “هلاك” دول “صُنعية” يقصد دولاً لم تكن موجودة قبل عام 1916، في المنطقة العربية وسيطرة السّنّة المتطرفين على “تقاطع الحضارات” وبالتالي سقوط الدول التي تمّ تشكيلها في مطلع القرن الماضي باتفاقية سايكس بيكو.
الاحتمال الثالث فهوا استمرار المعارك بين المتطرفين السنة والشيعة إلى ما لا نهاية مما ينذر بدفع تكلفة بشرية عالية.
ينبغي ألا نتصور أن هذا التصريح هو مجرد رأي شخصي، فالتعليق يصدر من شخصية استخباراتية مهمة في الولايات المتحدة، ويأتي بعد حملة أمريكية – غربية لإعادة إنتاج النظام السوري من جديد إما ببشار الأسد نفسه أو ببعض أركان حكمه، ولدينا على ذلك أدلة عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، محاولة الزج برفعت الأسد كطرف معارض في محادثات جنيف. ومشاركة الأمريكيين بقتل الشعب السوري ليس بالصمت كما يظن كثير، بل بسهر البحرية الأمريكية على ضمان عدم وصول المساعدات العسكرية النوعية للثوار. وبتقديم الدعم المالي المباشر للأسد كما أشار ويكيليكس. والاتفاق مع حزب الله على دخول قواته لسورية مقابل مقاتلة “الإرهابيين السّنّة”. والعمل على تفتيت المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري. وتحويل الأسد إلى شريك شرعي وطرف مفاوض والحفاظ على التواصل معه. وأخيراً إطلاق يد إيران وروسيا في احتلال الاراضي السورية.
الذي تابع محاضرة هايدن كاملة يدرك أن الرجل يريد أن يجعل الأسد أفضل الحلول من خلال مقارنة مع وضع سيء يخيف الشعوب الغربية. وإلا فما معنى الإشارة إلى سيطرة المسلمين السنة على “تقاطع الحضارات”؟ أ ليس معناه التخويف من الإسلام بشكل مباشر. وما معنى عبارة ” وعندها سيتغير الشرق الذي نعرفه”. لا شك أن الأسد يوفر للغرب شرقاً خاصاً يعج بالمومسات وتجارة المخدرات والجنس والتطرف العلماني ومحاربة الدين. إذ لا نعتقد على الإطلاق أن الغرب يبحث عن شرق إسلامي وثقافة عريقة تهدد “إباحيته” وتجارته بالأخلاق لأسباب اقتصادية وعدائية للدين الإسلامي بالدرجة الأولى.
لم تكن تصريحات هايدن جديدة على الإطلاق، فإنكار المخابرات الأمريكية في بداية الثورة أن جيش الأسد يستخدم الدبابات ثم تشكيكها باستخدامه صواريخ سكود، ثم تجاهلها لقصفه بالطائرات يؤكد ما ذهبنا إليه في هذه المادة، بالإضافة إلى تحذيرات أمريكية صريحة للمعارضة السورية، فإما أن تذهبوا لجنيف وإما سنغلق الحدود حتى يفنيكم الأسد. ناهيك عن توقيف الدعم غير القتالي للثوار في الشمال السوري المحرر بحجج واهية لا قيمة لها، مع العلم ان تلك المساعدات صوتية بالدرجة الأولى وليست ذات فعالية على الأرض.
ما نحن متأكدون منه، أن الثورة السورية منتصرة، حتى ولو وصلت المساعدات القتالية وغير القتالية الأمريكية للأسد نفسه، وحتى لو قامت الطائرات الأمريكية بقصف ألوية الكتائب الثورية. إذ لا يعقل أن يخسر شعب قدم مئات الألوف من الشهداء.
المخجل فقط أن يدعي تمثيل هذه الثورة معارضة سياسية تكذب على الشعب السوري وتدعي وجود ضمانات سياسية برحيل بشار الأسد وتلهث للذهاب إلى جنيف للحصول على بعض مقاعد في حكومة مستقبلية محتملة.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام. فرنسا