أنام، وأصحى على ‘أحلام السيسي’، تلك الأحلام التي صارت كابوساً مزعجاً له، حتى يتوقف عن أن يحلم، فأحلامه قادت البلاد إلي كارثة!
نمت وأنا أمني النفس برؤية الفريق عبد الفتاح السيسي، لكي أطلب منه مناماً بأن يتوقف عن النوم، ما دام النوم عنده مقروناً بالأحلام الكارثية المبهجة بالنسبة له في البداية، والتي يعقبها ندم، واستيقظت على الإعادة لبرنامج ‘ما وراء الخبر’ على الجزيرة، وكان من يقدمه هو محمد كريشان، الذي بلغت به المهنية حد أنك لا تستطيع أن تعلم ما إذا كان معك، أم مع ‘الناس التانيين’، وفي نهاية اللقاء يستقر في وجدان كل واحد من ضيوفه، أنه منحاز له، فهو يعزف ولا يدير فقط حواراً بين أطراف مختلفة. وهو على هذا الحال ربما في ذهنه ما جاء في احد الأعمال الدرامية، عندما سئل سائل: ‘أنت معنا أم مع الناس التانيين’، فأجاب أنا معكم. فقالوا له: ‘ نحن الناس التانيين’!
في أيام الحظر، وعندما أوقف كمين لقوات الأمن أحد الأشخاص في القاهرة، لأنه يسير في فترة الحظر، فهتف فيهم أنه ضد الإخوان، ومؤيد للفريق السيسي، ومع ‘الانقلاب العسكري’ فكان ردهم عليه: ضد الإخوان وتصف ما جرى بأنه انقلاب عسكري، خذوه فغلوه.. وكانت ليلة ليلاء!
كان ‘ما وراء الخبر’ في نهايته، ومع هذا فقد استمتعت بالرؤية الرصينة لمتحدث أشاهده لأول مرة، وشكره كريشان في النهاية فعلمت أنه أستاذ في علم الاجتماع بالجامعة الأردنية، وكان يتحدث عن هذا الانهيار الذي جرى في العقلية العربية، على نحو يجعل من وزير للدفاع، حلم مجرد الحلم، أنه سيصير رئيساً، فيريد من الشعب المصري أن يقول له: أحلام سيادتك أوامر، والرجل تبين أنه يعيش على الرؤى، ولدرجة أن موضوعاً واحداً هو التنبؤ له بالرئاسة، رآه في حلقات متعددة، وفي أربع حلقات متصلة، وكأننا أمام أحد مسلسلات رمضان، وربما وصلت رؤاه، الى الثلاثين ‘مناماً’ في خلال الفترة الماضية!
‘أربع رؤى’، ورابعة العدوية، ومع هذا ران على حلفاء السيسي صمت عميق، فلم يخرجوا ليقولوا أن إشارة رابعة المرفوعة في مظاهراتهم هي تثبيت لفؤاد قائد الانقلاب، وأحلامه الأربعة، ولو حلمت واحداً حلماً في العام لعددت هذا انجازاً، لكن السيسي يحلم بالأربعة أحلام في موضوع واحد، وهو يعيش بالرؤيا، التي تتحقق، بحسب ما جاء على لسانه في التسريبات، ليصبح بالتالي عندما يحكم ويستغلق عليه أمر، فيكون الطلب منه أن يذهب لينام، ويحلم بماذا يفعل، ويا حبذا لو تم إعداد سرير متنقل له في كل حركاته، ليكون متاحاً له في أي لحظة أن ينام، فيحلم لنا ويحلم لنفسه، ويحلم للدول الصديقة، ولأن النبي أوصي على سابع جار، فان ‘حق الجيرة’ يحتم على الفريق السيسي أن يحلم لها، ولو مرة في الشهر لكل دولة، وانا من المؤمنين بأنه لا بد لنا أن نحول أحلام السيسي إلى مشروع استثماري، ومؤكد أنه لو ظل يحلم لدول الخليج وحدها، فسوف يستقر حال ميزان المدفوعات، وان كنت لا اعلم ما المقصود بميزان المدفوعات هذا، وهل له علاقة بالحكمة المصرية الخالدة، التي تمثل قاعدة اقتصادية اعتمدها وهي: ‘الله جاب.. الله أخذ.. الله عليه العوض’؟!
ما علينا، فالاستثمار في أحلام الفريق السيسي، ومناماته، سيعود بعائد ضخم على الاقتصاد الوطني، وقد يكون أكبر من عائد قناة السويس!
فتنة السيسي
حلفاء السيسي، وأنصاره، ومنهم من قدمه على أنه أعظم قائد عسكري بعد أيزنهاور، صمتوا صمت القبور في مواجهة هذه التسريبات الأخطر للفريق المذكور، وهم الذين أشبعوا أنصار الشرعية هجاء وسخرية، عندما كان أحدهم في أيام اعتصام ‘رابعة العدوية’، يقول أنه رأى رؤية، إذ كانوا يعتبرون هذا الخطاب قرين التخلف، لكن ها هم يصمتون وكأن على رؤوسهم الطير، إزاء أحلام السيسي التي دفعته للانقلاب على السلطة الشرعية في البلاد، وأدخلنا في سبيل تحقيقها في ‘دوامة’ وخلق فتنة كقطع الليل المظلم إذ اخرج المرء يده لم يكد يراها.
التسريبات هذه المرة، أذاعتها قناة ‘أحرار 25′ بالإضافة إلى الجزيرة مباشر مصر، وموقع رصد، و’أحرار 25′ هي ‘ مصر 25′، وهي الفضائية الاخوانية، وقد انتقلت إلى بيروت، في اطار ظاهرة الإعلام المهاجر، لأن مصر في زمن السيسي لا تحتمل إعلاماً يقدم الرأي الآخر أو الصورة الأخرى، وهي من القنوات التي أغلقها العسكر في اليوم الأول للانقلاب، مع أن لديه 34 محطة فضائية تسبّح بحمد السيسي، وتقدس له، آناء الليل وأطراف النهار، ربما لا تفعل هذا في بداية الليل حتى تعطيه فرصة لأن يحلم!
لست متابعاً لـ’أحرار 25′، لكن ‘مصر 25′ مثلت الإعلام الاخواني، الذي هو عنوان الفشل، ولم يدرك الإخوان المسلمون قيمة الإعلام إلا بعد فوات الأوان، وإعلام الثورة المضادة هو الذي مهد الأرض للانقلاب، وهو الذي ارتفع بالسيسي ليكون أسطورة، يرى فيه البسطاء عبد الناصر، وقد عاد إليهم من جديد، لكن كل هذا سقط الآن، وقد بذلت جهداً جباراً من قبل، لكي أؤكد أن ما يتم الترويج له هو قول ساحر، ولم تسقط الأسطورة إلا بفضل التسريبات.
السيسي لم يقل أنه عبد الناصر، ولم يقل ماذا يمثل له قائد ثورة 1952، لكن من قالوا عنه ذلك هم حواريوه، وعبد الناصر انحاز للفقراء، في حين ان انقلاب السيسي أنفق عليه رجال الأعمال، الذين سرقوا الكحل من العين في عهد مبارك!
في التسريبات، جاء السيسي طالباً التحصين، فإذا لم يوفق في الانتخابات الرئاسية، عاد بنص الدستور وزيراً للدفاع، وأن يتم تحصين منصب وزير الدفاع فلا تتم إقالته أو تسريحه، وفي التسريبات جاء برنامجه الذي لم يقدمه للناس، منحازاً للرأسمالية المتوحشة، فلا دور للدولة، والخدمة بثمنها، فهو يتحدث عن السعر الحقيقي لأنبوبة البوتاجاز، ولا يتحدث عن الهاربين من الضرائب من رجال الأعمال، وأحدهم تهرب من 11 مليار جنيه، وبالضغط في عهد الرئيس مرسي حصلوا منه على 7 مليار جنيه على أن يدفع باقي المستحق عليه في وقت لاحق، فما كان منه إلا ان ساعد في الإطاحة بالرئيس، ولم يدفع ما عليه للدولة.
ثم كان التسريب الأخير، الذي جاء فيه أن صاحبنا رأى أربع رؤى، كل رؤيا تمثل حلقة في مسلسل سعي الرجل لأن يكون رئيساً، ليتبين أن ما نحن فيه الآن قد اختمر في ذهنه قديماً.
تأويل الأحلام
أزمة صاحب الرؤى في أنه يقول بالتأويل لنفسه مع أن تأويل الأحلام هذا علم وليس ‘فكاكة’.. وكلمة ‘فكاكة’ قالها السيسي منتزعة من السياق في احد التسريبات، وهو يقول: ‘هذا علم.. هذه استراتيجية.. وليس فكاكة’.. دون ان نقف على ما هو العلم وما هي الإستراتيجية.
الإمام مالك على عظمته كان يلجأ لابن سيرين ليفسر له أحلامه، لكن ربما حال دون لجوء السيسي لتفسير ‘مناماته’ في عهد مبارك، خشيته من أن يتهم بأن لديه تطلعات ‘منامية’ ففسر لنفسه، بأن رؤيته للسادات في المنام وقوله انه سيكون رئيسا مثله.. أن هذا معناه انه سيكون الرئيس!
مع أنه قد يتم تأويل ما رآه فيما يري النائم، بأن نهايته ستكون كنهاية السادات، وهي نهاية مزعجة لمن لا يعلم!
وعلي ذكر هذه النهاية، ففي بداية عهد مبارك كانت هناك نكت تطلق لتؤكد على غبائه، والبعض وفي مواجهة الرئيس مرسي رأى أن مبارك يليق بمقام الرئاسة ولا يليق به مرسي!
فقد ذكر أن مبارك سأل كيف مات السادات؟ وجاء الرد: كما رأيت فقد كان يجلس في العرض العسكري، وقام الملازم أول خالد الاسلامبولي وجماعته بإطلاق الرصاص عليه فأردوه قتيلاً.. عندها قال مبارك: أفهم من ذلك أن السادات مات مسموماً؟!
المأساة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، أن السيسي تصور أن تأويل الأحلام، يمكن أن يتم على طريقة كتب ‘ كيف تتعلم الانجليزية بدون معلم’، فحلم وفسر أحلامه، وكل هذه الأحلام تعني شيئاً واحداً انه سيصبح حاكماً لمصر، مع أن رؤيته بأنه يحمل سيفاً مكتوباً عليه ‘ لا اله إلا الله’ لا يعني أنه صلاح الدين الذين سينتصر على الصليبين في حطين، والساعة الأوميجا واللون الأخضر فيها، لا شأن لها بالحكم وخلافه، ولكنها هدية سعودية، وقد يؤول احدهم الأمر بأنها هدية سعودية بتوفير إقامة مريحة له عندما تحن ‘ ساعة ‘ مغادرته لمصر!.
ما علينا، فلم يعجبني التعامل تلفزيونيا مع هذه التسريبات، من منطلقات المحللين الاستراتيجيين، فقد شاهدت صرامة فكرية على الوجوه، حتى من قبل الرافضين لها، وبالكلام على قاعدة ‘حيث أنه’..
مع أنه أمر يدخل في إطار الكوميديا، وفي النهاية لا يسعني إلا ان اطلب ممن يعرفون الفريق السيسي الا بمنعه من النوم حتى لا يحلم مجدداً، فيخسر الوطن من جراء أحكامه. وقانا الله وإياكم من شر أحلام الفريق السيسي.
أرض جو
اتضح أن ‘رابعة’ محطتان تلفزيونيتان، تبثان من تركيا، كل محطة تمسكت بالاسم، فسميت واحدة ‘ رابعة’ والثانية ‘ رابعة تي في’، وهذا أمر يتسبب في إرباك المشاهد.
سليم عزوز
صحافي من مصر