كتب احمد الصايغ من الموصل : لو ادركت “م. ب” الطفلة التي لم تتجاوز ربيعها الثاني عشر أن الكلمات التي همست بها في آذان والدتها دون حذر ستكون سبباً في مقتلها، لما تجرأت على فعل ذلك ابداً.
الطفلة قـتلها عمها قبل أيام مع صبي آخر، لتسجِل الحادثة سابقة خطيرة في مدينة الموصل ضمن مسلسل ما يسمى بجرائم “الشرف” أو “غسل العار”.
وسائل الاعلام لم تأتِ على ذكر الجريمة، فمصادر الأخبار الأمنية والجنائية في المدينة تتجنب نشر الأخبار التي تثير الحساسية في المجتمع، ومع ذلك فالقصة مازالت متداولة على نطاق واسع بين الأهالي في بلدة بادوش (نحو 15 كم غرب المدينة) حيث وقعت الحادثة.
البلدة ذات طابع قبلي مثل أجزاء واسعة من المحافظة وهي تضم خليطاً من عشائر عربية ساهم ضعف تنفيذ القانون في تمسكها الشديد بعاداتها وتقاليدها، لتأتي مسألة الشرف على رأس المحرمات التي لا تهاون فيها.
الروايات تباينت حول ما جرى، أحد الجيران قال لموقع “نقاش” الإلكتروني “كانت الطفلة عائدة لتوها من بيت اقربائها المجاور لهم، فاخبرت أمها إن ابن الأقارب البالغ من العمر (15 عاما) مارس معها فعلاً منافياً للأخلاق ويبدو أنها لم تكن تعي خطورة حديثها، كما لا يمكن الاستناد على كلامها لتاكيد حصول الفعل، فربما كانت مجرد مداعبة او تحرش بسيط.
ويضيف “خشيت الأم من الفضيحة فأخبرت شقيق زوجها بالأمر فوراً واجتمع الاقرباء، وبعد نقاش قصير أصرّ كبيرهم على غسل العار بالقتل، وهذا ما نفذه عم الطفلة (35 عاما) بلا تردد، لأن والدها في ازمة نفسية حادة تشبه الجنون.
الرواية الأخرى تذهب إلى أن الجاني وجد ابنة شقيقه والصبي متلبسين بممارسة الجنس، فثارت ثائرته واحتجزهما حتى حضر والد الصبي ليرى الفضيحة، وبعد أقل من ساعة اصطحبهما إلى ساحة لكرة القدم وهناك أرداهما قتيلين أمام الملأ.
أيا كانت الحقيقة فالأمر الأكيد هي أن عناصر الجيش العراقي المنتشرين في المنطقة هرعوا إلى الساحة فور سماع صوت الاطلاقات النارية، وعثروا على المجنى عليهما جثتين هامدتين ثم نقلوهما إلى مستشفى في قسم الطب العدلي الذي يستلم جثث الضحايا من هذا النوع.
الشرطة بدورها تحركت واعتقلت الجاني، وهو اليوم في طريقه إلى المحاكمة بعد اكتمال التحقيق، لكن قانون العقوبات العراقي منح هيئة المحكمة صلاحيات تقديرية لتخفيف الحكم عن مرتكبي هذا النوع من الجرائم إذا ثبت فعلا أنها جريمة “شرف”، بحسب المحامي سعد حميد.
ويستبعد المحامي أن تُعامل المحكمة هذه القضية معاملة جرائم الشرف، لأن المجنى عليهما قاصران، كما أن نتيجة الفحص الطبي الأولية لم تثبت وجود أثر للسائل المنوي على جسد الطفلة، وعليه من المحتمل جداً أن يواجه القاتل حكماً مشدداً.
الداعية الإسلامي محمد الشماع إمام وخطيب جامع “النبي يونس” الشهير في الموصل، وصف الحادثة بأنها جريمة بشعة ومخالفة لأحكام الشرع وقال “القتيلان غير مكلّفين، أي غير مسؤوليَن وفق الشرع، وبالتالي لا عقوبة عليهما”.
ويضيف “ما يجري ليس تطبيقاً للدين إنما هو تعصب للقبلية، فحتى الاشخاص البالغين العاقلين ممن يرتكبون الزنا باختيارهما، ومن دون إجبار طرف لآخر يُحكم عليهما شرعاً بالجلد ولا يجوز قتلهما”.
المخيف أن “غسل العار” يتم في أحيان كثيرة على سبيل الشك، فبالاضافة إلى حادثة الطفلين التي أثارت استهجان الكثيرين، قتلت إحدى العائلات مؤخراً ابنتها وهي إمراة متزوجة وحامل أيضاً لانها حاولت الهرب مع عشيقها وبقيت معه يومين.
وعندما فشلا في بلوغ كردستان بسبب الإجراءات الأمنية المشددة، رجعا إلى البيت، وحاولت المراة اقناع اهلها بأن الشاب لم يمسها قط وأقسمت لهم بذلك، إلا أنهم أصروا على قتلها وفعلوا، وبعد أقل من 24 ساعة وبسبب الضغوط العشائرية سلّمت عائلة الشاب ابنها إلى أهل المرأة ليلقى المصير نفسه.
هذه الحوادث تجري وسط صمت عميق لمنظمات المجتمع المدني والجهات الرسمية المعنية بحقوق الإنسان، بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة التي تشهدها المحافظة، وهيمنة المتشددين الدينيين من المسلمين وغير المسلمين والمتعصبين قبلياً على المجتمع الموصلي.
عائلة الطفلة الضحية “م. ب” افاقت على نفسها عندما علمت بنتيجة الفحص الطبي، كما يدور الحديث عن نية والد الصبي المطالبة بدم ابنه وهو بانتظار الفحص الطبي النهائي.
وبينما بقيت جثتي الطفلة والصبي في ثلاجة المستشفى يومين كاملين لعزوف أهلهما عن دفنهما حتى تكفّل بذلك طرف محايد، يحظى القاتل المودع في التوقيف باهتمام عشيرته فقد أوكلوا له أفضل المحامين ليتولى الدفاع عنه أملاً في تخفيف العقوبة عنه.