مازال موقف سلطنة عمان من الاتحاد الخليجي ورفضها الانضمام له، يثير التساؤل رغم ما أبدي من تفهم له خليجيا، وربما تتضمن الرسالة التي نقلها وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي من السلطان قابوس بن سعيد إلى أمير الكويت صباح الأحمد، أمس، بعضا من الأسباب التي دعت بلاده لذلك، ولاسيما أن الكويت ستترأس اليوم القمة الخليجية التي سيحضر على مائدتها بحث الاتحاد الخليجي .
ويتفق خبراء على أن الموقف العماني يتسق مع سياستها الدائمة التي حافظت على الاستقلالية وترغب بالبعد عن الصراعات، بجانب مصالحها مع إيران، ما يعني أنها تنظر للاتحاد المزمع على أنه توجه لإحياء كتلة كبيرة تواجه إيران، وهو ما لم يفصح عنه منذ الإعلان عن الحاجة للاتحاد الذي يبدو أنه مازال بعيدا عن التحقق.
ولم يستغرب كثير من المتابعين للشأن الخليجي موقف عمان “فهي دولة متحفظة” كما يقول شملان العيسى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت لوكالة الأناضول، مضيفا “سياستها الداخلية متحفظة ومتخوفة من التحولات، ولذلك فموقفها طبيعي”.
ويستذكر العيسى الدور العماني في الاتفاق الدولي-الإيراني الأخير في جنيف، إلى الحد الذي يرجع فيه أستاذ العلوم السياسية الموقف العماني بكليته إلى مصالح مسقط الكثيرة مع إيران.
وعن السبب الذي دعا عمان لإعلان موقفها قبل انعقاد القمة اليوم، يحضر رئيس مركز الكويت للدراسات الاستراتيجية (حكومي) سامي الفرج ذلك بأنه “لتجنب الإحراج”.
ويقول الفرج لوكالة الأناضول إن “عمان تنظر لعلاقتها مع إيران على أنها علاقة مصالحة ومهادنة فهما تطلان معا على مضيق هرمز (يفصل ما بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى)”.
ويضيف “علينا ألا نتوقع من العمانيين أكثر مما يستطيعون فهم يبررون عدم دخولهم بالاتحاد لأنهم لا يرغبون بدخول صراعات”.
ويشير بهذا الصدد إلى اتفاقية عدم الاعتداء بين مسقط وطهران، واستضافة عمان للمحادثات السرية بين واشنطن وطهران التي أفضت إلى اتفاق جنيف الأخير (حول البرنامج النووي الإيراني) .
و يبرر الفرج الموقف العماني بالموقع الجغرافي للسلطنة “فوجهها إلى مضيق هرمز وبحر العرب والخليج لكن ظهرها لدول الخليج العربي”.
ويجد مأخذا آخر يبرر الموقف العماني “فالسعودية لم تفسر في عرضها للتحول من التعاون إلى الاتحاد السبب الذي يدفع إلى ذلك”، مضيفا أنه إذا كان السبب “لمقابلة الخطر الإيراني فعمان غير معنية به” .
ويرى الفرج أن قطر أيضا تتجنب الصراع مع إيران وقبلت بتقاسم حقول الغاز مناصفة معها رغم وقوع أكثرها بالمياه الإقليمية القطرية، و يؤكد “علينا أن نترك العمانيين يختارون ما يشاؤون ونحافظ على ما بنيناه معهم (كدول بمجلس التعاون الخليجي الذي يضم إلى جانب عمان السعودية والبحرين والإمارات والكويت وقطر)”.
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت وعضو مجلس الأمة (البرلمان) معصومة المبارك فترى أن الموقف العماني ينسجم مع الإرث التاريخي للسياسة العمانية، وتقول لوكالة الأناضول: “تاريخيا السياسة العمانية تحافظ على الاستقلالية وتتخذ قرارها بما تراه في مصلحة سلطنة عمان”، ولهذا فإن هذا الموقف “ليس جديدا” من وجهة نظر المبارك.
ومن دون أن تغفل أثر التغيرات الدولية الحالية بالقرار العماني فإن المبارك تؤكد أنه “يعكس الإرث الطويل لسياسة عمان الخليجية بأنها ليست تابعة بل قرارها مستقل”.
لكن الكاتب الصحفي السعودي، جميل الذيابي، يطرح في جريدة الحياة السعودية التي تصدر من لندن، تساؤلات كثيرة حول موقف السلطنة، قائلا “هل تشعر السلطنة بجحود وتهميش من شقيقاتها الكبيرة منها والصغيرة؟ أم أن الكيل فاض بها من سياسات دول المجلس المتناقضة وغير المنسجمة؟ أم أن هناك مساعي لتفكيك المنظومة الخليجية الحالية والتعاون مع إيران التي تشترك معها في التحكم في مدخل أغنى مناطق عبور إنتاج النفط في العالم – مضيق هرمز – لإجبار دول الخليج على القبول بمجلس تعاون إقليمي يضم العراق وإيران كما تريد طهران؟”.
ويعرب عن اعتقاده أن “الرفض العماني ناتج من أسباب سياسية بحتة، من بينها خشية أن الاتحاد ربما يلغي موضوع السيادة (الخاصة لكل دولة)، أو ربما يدخلها في أتون صراعات ونزاعات هي غير مستعدة لها ولا ترغب فيها”، كما أن عُمان ترتبط بمصالح مع إيران، وبينهما اتفاقات منها “عدم الاعتداء”.
ويوم 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، توصلت إيران ومجموعة “5+1″ (الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا، إضافة إلى ألمانيا) في جنيف إلى اتفاق مرحلي يقضي بفتح الأولى منشآتها النووية أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية “على نحو أفضل”، ووقف بعض أنشطة تخصيب اليورانيوم، مقابل تخفيف العقوبات المفروضة على طهران في المرحلة الأولى التي تستمر 6 أشهر.
وفي أعقاب الاتفاق، ظهرت بقوة دعوات من قبل مراقبين سياسيين إلى ضرورة انتقال دول الخليج من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، على أن تعلن خطوات لذلك في القمة الخليجية المرتقب عقدها في الكويت.
ويحذر مسؤولون خليجيون من أن تصنيع إيران أسلحة نووية يمثل تهديدا لدولهم، بينما تنفي طهران السعي إلى إنتاج تلك الأسلحة، وتردد أن برنامجها مصمم للأغراض السلمية، مثل إنتاج الطاقة الكهربائية.
وكان وزير خارجية عمان يوسف بن علوي، أعلن السبت، معارضة بلاده إقامة اتحاد خليجي.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها سلطنة عمان معارضتها الصريحة، وبشكل علني، لقيام “الاتحاد الخليجي”.
وجاءت تصريحات بن علوي، في أعقاب كلمة نزار بن عبيد مدني، وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، في منتدى “حوار المنامة” السبت الماضي، والتي أكد خلالها أهمية انتقال دول الخليج من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد.
وأضاف مدني أن دول مجلس التعاون الخليجي شهدت في الآونة الأخيرة ارتفاعًا في مستوى التهديدات التي تتعرض لها على مستوى المنطقة، وهو ما يعد حافزا لدول المجلس لتبني صيغ جديدة لمواجهة هذه التهديدات.
ورأى أن “الدعوة إلى انتقال مجلس التعاون من مرحلة التنسيق والتعاون إلى مرحلة التكامل والوحدة الكاملة لم تعد ترفاً”.