نشرت صفحة الثورة السورية قبل أيام ما قالت إنه تسريبات حصلت عليها حول الأفكار التي أسمعها دبلوماسيون غربيون لأعضاء الائتلاف الوطني السوري. وقد ذكرت الصفحة في تقريرها أن الغرب لا يريد أكثر من وضع “الأطراف المتصارعة” على طاولة المفاوضات، وأن الطرفين، النظام والمعارضة، ملزمان بإيجاد الحلول الخاصة “بالأزمة السورية” وتحديد شكل الدولة ومستقبلها ومصيرها. أضف إلى ذلك فقد أعلنت الدول الغربية براءتها تماماً من أي ضماناتٍ حول تطبيق مقررات جنيف واحد، بل إن الدول الكبرى لن تطلب من مجلس الأمن إقرار ما قد يتفق عليه الطرفان تحت الفصل السابع.
والأنكى من ذلك أنه لا ضمانات على الإطلاق حول مصير بشار الأسد الذي قد يترشح مرة أخرى لدورة انتخابية جديدة. كما أكدت التسريبات أنه لا نية لأحد في التدخل عسكرياً لصالح الثورة حتى لو استمر تقتيل الشعب السوري عشرين سنة أخرى. فوق ذلك هددت تلك القوى الائتلاف بشكل مباشر بوجوب الحضور وإلا التعرض لعواقب وخيمة
بالطبع فهذه التسريبات تحتمل الصدق والكذب، وبقطع النظر عمّا ورد فيها، فإن الائتلاف مطالب أمام الشعب السوري بتقديم صورة واضحة لما يجري خلف الأبواب المغلقة.
قام النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي بتداول تلك التسريبات بشكل كبير، حيث صدقها معظمهم ونفاها بعضهم واستغربها طرف ثالث.
أعتقد أن السيد أحمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني تعرض لضغوط من نوع ما حتى يبدي موقفه مما حدث، فما كان منه إلا أن صرح لرويترز أمس بأن ائتلافه حصل على ضمانات مكتوبة وشفوية من بعض الدول الكبرى بأنه لا مكان للأسد في مستقبل سورية.
تدل هذه التصريحات على عدم خبرة السيد الجربا في عالم السياسة و أعتقد أنه ورط نفسه عن قصد أو غير قصد، إذ من الواضح أنه كان يتوجب عليه أن يخاطب الشعب السوري بكل شفافية حول التسريبات السابقة وحول الضمانات الجديدة.
نحن نطالب اليوم السيد رئيس الائتلاف بإظهار تلك الوثائق المكتوبة التي تلقاها من الدول المقصودة والتي تقول صراحة لا مستقبل للأسد في سورية.
إذا كان السيد الجربا يمتلك بالفعل تلك الوثائق فعليه فوراً أن يكشفها للثوار والشعب السوري، وإلا فإنه يلبّس على الجماهير، بل ومعناه أن الرجل قررّ الذهاب إلى جنيف دون أي ضمانات.وإن صدق ذلك فإن السيد رئيس الائتلاف في ورطة كبيرة أمام الشعب السوري الذي لا يرغب بالذهاب إلى جنيف لتثبيت أقدام الأسد بدل نقله إلى لاهاي أو إلى القصر العدلي بدمشق.
إن الذهاب إلى جنيف للحصول على جوازات سفر، وبعض الوزارات، ثم مشاركة نظام الأسد لقيادة المرحلة القادمة، ما هو إلا خيانة فعلية لدم مائة وخمسين ألف شهيد، وخيانة لكل ما قامت الثورة لأجله.
ما يثير الريبة في تصريحات الجربا، أن الجزيرة سألت صباح اليوم لؤي صافي أحد الناطقين باسم الائتلاف، فرد بأنه لا ضمانات مكتوبة من أحد، وأن الجربا ربما تكلم عن مذكرة التفاهم الأمريكية – الروسية حول الملف السوري.
إن كان لؤي لا يعرف فتلك مصيبة وإن لم يصدق الجربا فالمصيبة أعظم.
نحن لا نريد أن نسيء للائتلاف دونما سبب، لكننا نريد وهذا أقل حق للسوريين، أن يقدم لهم الجربا تلك الوثائق المكتوبة، أو أن ينتظر المحاسبة القانونية بعد سقوط النظام.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام- فرنسا