ورد في أحد المواقع العراقية الخبر التالي” يرى خبراء ومحللون ان على السلطات العراقية ان تغير طريقة تعاملها مع الوضع الامني وكذلك مع متطلبات الاقلية السنية وذلك للحد من العنف اليومي الذي يرجح ان يبقى على مساره التصاعدي مع اقتراب الانتخابات التشريعية”. وقد إستوقفني مفهوم الأقلية السنية، فتابعت الخبر لمعرفة من أطلق هذه التسمية؟ جاءت التكملة “طالب دبلوماسيون وخبراء منذ اشهر رئيس الوزراء نوري المالكي بالتواصل مع الاقلية السنية في البلاد واجراء اصلاحات في قوانين محاربة الارهاب وتلك التي تستهدف ازلام النظام السابق في العراق”. لا توجد إشارة لأسماء الدبلوماسيين؟ وفي الفقرة القادمة من الخبر جاء” يقول المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد عصام الفيلي لوكالة فرانس برس ان “الاجراءات التي تقوم بها الحكومة حتى الان لم ترتقِ الى مستوى الاحداث”. ويضيف “الوضع في العراق يتخذ منحنيات خطيرة وما تفعله الحكومة لا يمثل معالجة جذرية وانما ياتي في اطار الترميم للاوضاع”. لم يشر الفيلي إلى مفهوم الأقلية السنية في كلامه. قلنا حسنا لنتابع تكملة الخبر ” يقول المحلل ايهم كامل احد العاملين في مجموعة اوراسيا الاستشاري، ومقرها لندن في الحقيقة لا يوجد اي حلٌ سهل للعراق، ان ما يجب ان يقوموا به حلٌ سياسي، وهو ما لا اعتقد ان المالكي سيفعله في الفترة المقبلة: المشاركة الاستراتيجية الحقيقية الشاملة مع الطائفة السنية”. أيضا لا توجد إشارة إلى الأقلية السنية وإنما الطائفة! وفي نهاية الخبر” يقول خبير الشؤون الامنية والاستراتيجية علي الحيدري في هذا الصدد ان “بعض عناصر الاجهزة الامنية لا يملكون الكفاءة المطلوبة، فيما ان آخرين منهم جرى دسهم في القوات المسلحة، ويجب اتخاذ اجراءات سريعة الان من خلال تشريع قوانين تدعم وتفعل المؤسسة الامنية، وعبر بناء منظومة مراقبة في بغداد والمحافظات تعتمد على اجهزة كشف وقاعدة بيانات دقيقة”. المقطع الأخيرـ يقول كامل “اعتقد ان اعادة ترتيب الاوضاع تتطلب وقتا طويلا ومن غير المرجح ان تجري قبل الانتخابات”، مضيفا “لن تتم معالجة الازمة الامنية قبل موعد الانتخابات. لن يحدث ذلك”.
لاحظ لا توجد إشارة إلى الأقلية السنية أصلا! فما هو الغرض من ترويج هذا المفهوم الجديد؟ وما المقصود بالأقلية؟ وهل يجوز أن يطلق مفهوم الأقلية على السنة كما هو يطلق مثلا على الشبك والصائبة والفيليين، بإعتبارهما أقلية وفق المصطلح الرائج؟
لابد من توضيح بعض النقاط المتعلقة بمفهوم الأقلية، إذ هناك ثلاثة إتجاهات تناولت الأقلية ونقيضها الأكثرية أو الغالبية. فالأقلية وفق الإشتقاق اللغوي العام، طائفة من الناس تجمعهم رابطة اللغة أو الدين أو الجنسية واللون والسلالة ويعيشون مع طائفة أخرى أعظم شأنا منهم أو أكثر عددا. الإتجاه الأول هو ما عبر عنه الإحصائيون من خلال نسبة المجموعة العرقية أو الدينية أو القومية في مجتمع ما إلى العدد الكلي للسكان. والإتجاه الثاني هو التفاعلي، الذي يعني مدى فعالية المجموعة الإثنية أو العنصرية في مجمل النشاطات الوطنية كالسياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية. والإتجاه الثالث يحمع بين الإتجاهين السابقين العددي والتفاعلي كمقياس موحد، يمكن بموجبه تحديد الأقلية. ويلاحظ إن مفهوم الأقلية يتسم بالمطاطية لأنه لا يعبر عن الحقيقة كامله، وإنما يطوع المفهوم حسب الجهة المستفيدة منه. لذا نلاحظ إن المختصين يتجنبون إطلاق كلمة الأقلية بشكلها العام وإنما يؤطرونها بإضافة، كالأقلية الدينية أو المذهبية أو العرقية أو الأثنية وهكذا.
لم يكن مفهوم الأقلية مشاعا عند العرب والمسلمين لأنه يتناقض مع روح الإسلام، فقد جاء في سورة الروم/22((وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ )). وهذا إقرار سماوي بوجود الإختلافات بين البشر، لكن ما ورد في سورة الحجرات/13، يضع النقاط على الحروف، فقد ورد(( يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)). إذن لا يوجد إشكال في إختلاف الخصائص البشرية طالما إن الجميع ينتسبون إلى الأمة الإسلامية.
فكرة الأقليات من مبتكرات الدول الإستعمارية التي تبنت سياسة تقسيم المجتمعات الواقعة تحت الإحتلال والإنتداب على أسس خبيثة، الغرض منها الفتنة وإثارة البغضاء والإحتقان بين المكونات الإجتماعية وفقا لمبدأ فرق تسد، كخطوة أولى تلحقها الخطوة الأخطر وهي فكرة الإنفصال عن البلد الأم. في جميع دول في العالم توجد مجاميع سكانية مختلفة من ناحية الدين واللغة والعنصر واللون وبقية الخصائص المميزة، لكنها لا تخرج عن نطاق المفهوم الموحد للجميع وهو(الشعب) فهذه الكلمة هي الأم التي تضم بين جوانحها جميع أبناءها ولا تفرق أحدهم عن الآخر. كما إن مفهوم الأقلية يرتبط بمشكلة وطنية لأنه يرمز للإضطهاد والتمييز والحرمان والظلم والإقصاء والتهميش وغيرها. وهذا ما عبر عنه المفوض العام للأمم المتحدة نافانيثيم بيلايفي 10/12/2009 بقوله” ستظل الأقليات في كل إقليم من أقاليم العالم تواجه مخاطر جسيمة وتمييزا وعنصرية، وتستبعد مرارا من المشاركة الكاملة في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية المتاحة للغالبية في البلدان أو المجتمعات التي يعيشون فيها”.
وقد إهتمت الأمم المتحدة بمعالجة موضوع ما يسمى بالأقليات عام 1947 (لاحظ بعد الثورات التحررية للبلدان المستعمرة) بما يسمى بنظام حماية الأقليات، ثم عدلته بقرارها47/135 الصادر في 18 كانون الأول1992 والذي نص على ضرورة تحقيق التوازن بين المكونات الإجتماعية من خلال المشاركة في القرارات الوطنية، والإسهام في الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية والدينية، وإقرار اللغات المحلية والهوية الدينية والقومية، وتوفير الفرص اللازمة للمشاركة في حركة التقدم والتنمية.
وبقدر تعلق الأمر بالعراق فإن مهفوم الأقلية لم يكن متداولا على الصعيدين الرسمي والمحلى مع وجود مجموعات سكانية ذات مميزات خاصة، لأن الدستور من جهة، والسياسة الداخلية للحكومات السابقة كانت تشدد على مفهوم المواطنة وليس الأقليات. لذا نلاحظ ان الإحصائيات السكانية كانت تخلو من التفرقة المذهبية واللون والنسب والسلالة. كانت جميع الوثائق الرسمية وإستمارات الدراسة من الإبتدائية وحتى الدكتوراة علاوة على العمل والتعيين والإنتساب للجهات الرسمية وغير الرسمية لا تتضمن تلك المفردات. وحتى قبل الغزو الأمريكي الغاشم لم نكن نسمع بهذا المصطلح الهجين الذي جاء كتوأم لمصطلح المظلومية ليشكلا لغما تفجر تحت أقدام المواطنة فدمرها تدميرا.
كما إن إطلاق مفهوم الأقليات في العراق غير صحيح، دون توفر المقايس العلمية لتقدير حجمها طالما إنه لا يوجد إحصائيات سكانية محدثة وموثوقة وبيد أناس شرفاء ومخلصين للعراق لا يخضعون لأجندة سياسية خارجية ومغرضة. فوزارة التخطيط الحالية التي لم تخطط سوى لإثارة القتنة والشحن الطائفي لا تصلح بتاتا لإجراء التعداد السكاني، سيما إن وزيرها الفوضوي علي شكري يعيش في عالم آخر لا علاقة له في العراق. في تقرير لوزارته ذكر بأن حجم سكان العراق أصبح(35) مليون! ولكن كيف زاد العراقيون (8) مليون خلال(14) عاما؟ علما ان عدد القتلى منذ الغزو الغاشم زاد عن مليون. وعدد المعوقين حوالي نصف مليون، وعدد الأرامل حوالي(2) مليون. والعراق يحتل مرتبة عالية بنسبة العوانس، وحالات الطلاق(50%). ومستوى الفقر والبطالة 35% كعوامل تحد من الزواج وزيادة الولادات. كما إن عدد المهجرين في الخارج حولي(2) مليون، علاوة على المهجرين في الداخل. وكل شهر يعصف الإرهاب بما لا يقل عن(1000) من المدنيين الأبرياء والمجرمين من عناصر الجيش والشرطة. إن كانت الزيادة مبنية على قاعدة السلاسل الزمنية فأنها لا تنطبق على العراق بأي حال من الأحوال. إنها قاعدة تتعلق بالبلدان المستقرة فقط.
مع هذا لنرى مدى علمية ومنطقية وزير التخطيط الجهبذ، فقد ذكر تقرير وزارته المأفونه بأن تسع محافظات من العراق هي خالصة للشيعة وهي كربلاء والنجف وميسان والديوانية والمثنى أي 100% من مواطنيها هم من الشيعة! طالما لا يوجد أحصاء فعلى أي أساس بنى نظريته الطائفية العمياء؟ الأغرب منها إن محافظات البصرة وواسط والناصرية نسبة الشيعة فيها 99%! علما أن من أكبر عشائر الناصرية هم آل السعدون، وان قضاء الزبير وأبو الخصيب الغالبية من سكانها من أهل السنة. أما محافظة بابل التي تعتبر مثل ديالى من المحافظات المختلطة فقد حدد الفهامة نسبة الشيعة 98%.
أما محافظة بغداد فقد رأف الوزير بأهل السنة فجعل نسبتهم حوالي 25%. وإرتفع نهيقه منوها بأن محافظة ديالى ذات الغالبية السنية أمست شيعية حيث بلغت نسبتهم 51%. أما الأنبار فحدد نسبة الشيعة 9%. ونسبة الشيعة في صلاح الدين 47%. وفي الموصل نسبة الشيعة 27%. وبالطبع لم يضم كردستان العراق ومحافظة كركوك إلى إحصائيته الطائفية لأن الغالبية هم من أهل السنة. الخلاصة إن نسبة أهل السنة في الجنوب والوسط ما عدا العاصمة هي 99،4% من العراقيين!
أما نسبة الشيعة في العاصمة وديالى وصلاح والدين والموصل حوالي40%. فهل يمكن الركون لمثل هذا الطائفي الأمعي فاقد الضمير والوطنية؟
هذا الوزير المتقاعس بدلا من أن يستنفر وزارتة الكسولة لإجراء تعداد سكاني فإنه يعتمد نظرية ظل العصافير الطائرة لتقدير عدد سكان العراق. إن كان فعلا الشيعة يمثلون هذه النسب نسأل الوزير الهمام! لماذا إذن ترفض الإحزاب الشيعية إجراء عملية التعداد طالما هو يصب في صالحها؟ وماذا بشأن الوافدين من الفرس والتبعية الإيرانية في الجنوب وكرباء والنجف، والفيليين وبقية الاكراد الأتراك والإيرانيين والسورين في المحافظات الشمالية والذين اعتبروا مواطنين عراقيين ومنحوا الجنسية العراقية؟
لا نعرف لماذا يضرب هذا الوزير على الوتر الطائفي؟ ولخدمة من إثارة النعرات الطائفية؟ ألا يكفي ما عندنا لتصبوا الزيت على النار؟ ليكن الشيعة 99% والسنة 1% فماذا يعني هذا؟ اليس الجميع بمواطنين، ولهم نفس الحقوق؟ وإن كان الشيعة أكثرية حسبما يدعي الوزير فهل هذا يعني بناء الدولة سيكون على الطائفة أم على الكفاءة والمواطنة والإخلاص والإبداع؟ ها أنتم إنتقلتم من تحت البسطال الأمريكي إلى فوقه منذ أن تسلمتم السيادة الملعونه، فماذا قدمتم للمحافظات الشيعية التي حددتموها بإحصائياتكم الشبحية. اليست المحافظات الشيعية تئن من وطأة التخلف والفقر والجوع والجهل والبطالة والفساد الحكومي؟ كل الذي حققتموه هو مسخ هوية التشيع في العراق، وجعل التشيع العلوي عبد ذليلا في خدمه سيده التشيع الصفوي، وتشويهه وإلحاق اللوم والعتاب على الأئمة وما نسب إليهم من عقائد باطلة مثيرة للقرف، وهم براء منها.
من جهة أخرى إن كنتم تؤمنون بأن الأكثرية الطائفية هي معيار تسلم السلطة والحكم والتحكم بكل الأمور، ولها الحق بأن تقصي وتهمش بقية الأقليات، فلماذا لا تعملون بنفس المقياس في سوريا؟ أليس العلويون لا يزيدون عن12% من سكان سوريا؟ فلماذا لا يترك النصيريون الحكم للأغلبية من أهل السنة؟ وفق منظوركم طبعا وليس منظورنا لأن المواطنة عندنا هي الأساس وليس الدين والطائفة والقومية والجنس واللون.
لماذا تدافعون عن الأقلية العلوية ضد الأكثرية السنية، وتقدمون العراقيين قرابين لملالي طهران ينحرونهم على محراب الباطل والكذب فيرجعوا فطائس عفنة ضيعوا الدنيا والآخرة؟
الطائفة والإنتماء الديني والعقائدي والقومي والأثني لا يمكن أن يكون دليلا على المواطنة الحقيقية والإخلاص والنزاهة والكفاءة، إنها ليست مسارات في طريق البناء والتقدم، بل قد تكون عوامل سلبية إذا أسيء إستخدامها فتدمر البلد وترجعه للخلف وهذا ما يحصل في العراق حاليا. الرئيس الأمريكي من أصول أفريقية وملك النرويج من أصل دنماركي لكنهما يخدمان أوطانهما بكل تفانِ وتضحية وإخلاص. إنهم يخدمون أمريكا والنرويج وليس أفريقيا والدنمارك أوطانهم الأم. إن كنت وزيرا وبهذه العقلية الضحلة، فهل نعتب على الجهلة والسذج؟ إلا لعنة الله على المحاصصة الطائفية التي جعلت أحط خلق الله و أراذل القوم أسيادهم.
علي الكاش