أخيراً، انتهت لجنة الخمسين، المعينة، من قبل الرئيس المعين، من إعداد مشروع الدستور لزمن الانقلاب، وذهب رئيس اللجنة عمرو موسي، إلى المستشار عدلي منصور، الذي نصبه وزير الدفاع رئيساً.. يتمطى، وسلمه المشروع، وسط حفاوة إعلامية بالغة، إذ ظلت برامج ‘ التوك شو’ تحتفل بهذا الانجاز العبقري لليلة كاملة!
‘يتمطى’ هي من نصيب عمرو موسي، فلدي اعتقاد راسخ أن الرئيس المعين لا يتمطى البتة، فهو رجل يبدو في حكم من يؤدي مهمة وانه في مرحلة انتداب وظيفي لقصر الرئاسة، وهو لم يستشعر بعد هذه اللحظة التاريخية، ويصدق أنه أصبح رئيس جمهورية مصر العربية، وعندما شاهدته جالساً في حضرة الملك عبد الله، خادم الحرمين الشريفين، كان يجلس على حافة الكرسي، كما لو كان يشغل وظيفة المستشار القانوني لجلالته، ولو فعلها الرئيس محمد مرسي، لأمسك مقدمو البرامج بفضائيات الثورة المضادة في ذلك بأيديهم وأسنانهم للتأكيد على أن مرسي لا يعرف ما معنى أن يكون رئيساً لمصر!
ليس لدي رغبة، في الكتابة السلبية عن عمرو موسى، فهذا رجل انتخبته عندما ترشح لمنصب رئيس الجمهورية، ومؤكد أنكم علمتم الآن لماذا لم يحالفه الحظ؟! وكان رأيي أن مصر تحتاج إلى رئيس يحكم من أول يوم، دون قضاء فترة تحت التمرين، حتى لا يكفر الناس بالثورة، ثم أن نجاحه كان ‘سيكسر سم’ بعض قادة دول الخليج، الذين يحسبون كل صيحة عليهم، وكل نجاح للثورة المصرية معناه، أن عروشهم باتت على جرف هار.
وقبل هذا، وبعد هذا، فان عمرو موسي هو المرشح الرئاسي الوحيد، الذي كان معجباً بكتاباتي، ليس لأن ما أكتبه لا يروق للمرشحين الآخرين، ولكن لأن معظمهم أساساً لا يجيد القراءة والكتابة!
في اللحظة التاريخية الفارقة، في تاريخ المنطقة، والمناطق المجاورة، التي انتصب فيها الرئيس المعين، ليتسلم مشروع الدستور من رئيس اللجنة المعين أيضاً، كانت فضائيات الثورة المضادة، تقوم بزفة، من شاهدها ظن، أننا أمام فتح دستوري غير مسبوق في تاريخ الدساتير، مع أن مشروع دستورهم إذا تجاوزنا الشكل إلى الموضوع، سنقف على أنه دستور مترنح، لا يكاد يصلب طوله.
الشكل يتمثل في أن هذا دستور أنتجه الانقلاب، واللجنة التي وضعته ليست تعبيراً عن الشعب المصري، وهي من أحزاب الأقلية، بعد أن جرى اضطهاد حزب الأغلبية، الذي هو حزب ‘الحرية والعدالة’. ويكفي أن تقرأ ديباجته لتقف بنفسك على الركاكة، وقد تمثلت لك نصاً دستورياً.
دستور الإخوان
على قناة ‘صدي البلد’ فاجأنا الفقيه الدستوري، نور فرحات، بمشاركته في زقة الانتهاء من كتابة الدستور، وهو الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، والذي كان من ابرز المهاجمين لدستور 2012، وكان ممن أطلقوا عليه دستور الإخوان!
نور فرحات، أطل عبر فضائية ‘صدي البلد’، وهي لمن لا يعلم مملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العينين، وهو واحد من رجال الأعمال أصحاب النفوذ في النظام البائد، وفي إطلالته، أكد فرحات على أمرين، الأول: أن لجنة الخمسين قيدت نفسها بدستور مرسي، والمعنى أن كل نص مرفوض سينسب إلي الدستور السابق، مع أن اللجنة ومنذ اليوم الأول لها قالت إنها ستعد دستوراً جديداً. والأمر الثاني: هو ما قاله صاحبنا من أن الدستور الجديد جاء متخلصاً من كل نصوص القمع الموجودة في دستور سنة 2012، ولم يدلنا على النصوص سيئة الصيت في دستور الإخوان التي تخلص منها ‘دستور السيسي’ إيماناً منه بقيمة الحرية!
وعلى ذكر المقارنة، فقد قيل في السابق ان الصلاحيات الممنوحة للرئيس محمد مرسي في الدستور ترتقي به إلى مرتبة الفرعون، في حين أن الصلاحيات لا تزال كما هي في الدستور الجديد، ولم ينتقدها أحد!
هذه الزاوية، لمن يطالعونها عبر موقع ‘القدس العربي’ الالكتروني، وليس من خلال النسخة الورقية، هي متخصصة في النقد التلفزيوني، واسمها ‘فضائيات وأرضيات’، لذا فالذي يشغلني الآن هو الحرية الإعلامية في الدستورين. فلم يمثل مشروع الدستور الجديد أي نقلة للأمام، عن الدستور الذي وضع في عهد مرسي، على الرغم من أن نقيب الصحافيين، عضو لجنة الخمسين، كان في حالة ابتهاج فطري بمناسبة الانتهاء من وضع الدستور، وقال تلفزيونياً، انه لن يرضيه إلا ان يصوت على هذا الدستور، طبعاً لعظمته، أقل من 30 مليون.. وبنعم، مع أنهم قالوا ان من خرجوا ليؤيدوا الانقلاب يوم 30 يونيو كانوا 34 مليون بني ادم، فهل انضم 4 ملايين منهم للقوى الموالية للشرعية؟!
لا ‘دستور مرسي’ ولا ‘دستور السيسي’، يسمحان بتملك الفضائيات بنص دستوري، فالدستور أعطى الحق في إصدار الصحف المكتوبة بالإخطار، وحرص ‘دستور السيسي’ على تقييد هذا الحق بالنص’.. وتصدر الصحف بمجرد الإخطار الذي ينظمه القانون’، في حين أوكلا للقانون تنظيم إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعي والمرئي والصحف الالكترونية، الأمر الذي يؤكد أن المستهدف هو تقييد الحق في التملك، بعقبات قانونية تجعل من ممارسة هذا الحق أمراً رهقاً!
إعلام الثورة
للتذكرة، فقد سبق لي القول، في زمن حكم المجلس العسكري، أن الثورة لم تنتج إعلامها، وأن العسكر عندما رأوا أن الفلول حصلوا على ما يكفيهم من فضائيات، كان القرار الذي أصدره وزير الإعلام، هو وقف التراخيص لفضائيات جديدة، وقد فتح صلاح عبد المقصود وزير الإعلام في عهد الرئيس مرسي الباب من جديد، لكن معظم الفضائيات التي حصلت على الترخيص القانوني في عهده لم تبث. وعموماً فان كل الفضائيات التي كان يمكن أن تنقل الرأي الآخر، والصورة الأخرى، أغلقت في نفس اللحظة، التي كان فيها عبد الفتاح السيسي يلقي بيان الانقلاب!
الإخوان فشلة في مجال الإعلام، ولم يدركوا خطورته، إلا بعد أن فات الميعاد، وبعد أن أيقنوا أن المؤامرة على الرئيس مرسي بدأت إعلامياً، وأن الإعلام كان هو السبب في تقديمه للرأي العام على أنه الرئيس الفاشل.. وتعلمون يا قراء أننا نغرق في النجاح الذي تحقق على يد الانقلاب.. فقد هرمنا من اجل هذه اللحظة التاريخية، وتعلمون أيضا أن قادة الانقلاب تفوقوا على الدكتور مرسي في مجال محترم، لنقف بأنفسنا على فشل الرئيس، وهو التسول!
عندما لا يؤسس ‘دستور السيسي’ للحق في تملك الفضائيات، فهذا أمر طبيعي لان دستوره لا يأتي بعيداً عن الأجواء التي صدر فيها، فالحكم العسكري معاد بالفطرة للرأي الآخر، وكانت بداية الانقلاب كاشفة عن ذلك، عندما جرى اقتحام مكاتب الفضائيات بتجريدة أمنية، واعتقال العاملين فيها مع الضيوف، وفي مكتب ‘الجزيرة’ بالقاهرة عندما اقتحموه، وجدوا أمامهم حوالي 16 وجبة، كان العاملون قد جلبوها لأنفسهم، فتعامل معها رجال الأمن، على أنها ‘غنيمة حرب’، فالتهموها بالسم الهاري.. ‘تكن في فمك وتقسم لغيرك’.
ومن الملاحظ، أن القوم اقتحموا مكتب القاهرة، بينما البث لبرنامج تقدمه واحدة ضد الإخوان، ومنحازة للعسكر هي نوران سلام، التي استقالت في وقت لاحق، ومعها من الضيوف حسن نافعة، وعبد الخالق فاروق، وهما من المنحازين لما جرى يوم 30 يونيه!
لا تثريب على ‘ دستور السيسي’، إذن، والانقلاب في حالة قلق، لأن فضائية تحمل اسم ‘رابعة’ أطلقت برأس مال ضخم بحسب ما قالوا، على نحو كاشف بالوعي بأن زمن الإعلام الفقير ولى، فالانقلاب أصبح في فزع مقيم من فضائية مع أن معه 33 قناة تلفزيونية مؤيدة تسبح بحمده بكرة وعشية.
وانقلاب هذا حاله، هل تعتقدون أنه يمكنه أن ينحاز لحرية تملك الفضائيات في ‘دستوره’؟!
أرض جو
أزعج ظهور عاصم عبد الماجد على قناة ‘الجزيرة’، سلطة الانقلاب في مصر، بعد بيانات وزارة الداخلية المتكررة من انه محاصر وسيتم إلقاء القبض عليه ‘بعد الفاصل’. ولهذا تم بث شائعة مقتضاها، أنه تم خطفه من الدوحة في جوال.. وذلك رداً على الصفعة التي كانت من نصيب قفا الانقلاب العريض.
يقولون ان قناة ‘رابعة’ أسسها الإخوان، والإخوان يسألون من صاحب ‘رابعة’؟ ووزير الاستثمار في سلطة الانقلاب يظن أن الفضاء قبضته، فيقول لم نمنح ترخيصاً لقناة ‘رابعة’.. ورابعة بثت إرسالها التجريبي بالأمس على تردد 1107527500، روجوا للتردد لتغيظوا القوم.
تعجبني المناقشة الجادة، والعميقة، لقضايا الساعة في برنامج علي الظفيري ‘ في العمق’.. فعلاً هي في العمق.
مقدمة طويلة عريضة لجمال عنايت، على قناة ‘ اليوم’ ظننت عندما سمعتها أن ضيفه سيكون الراحل عبد الرازق السنهوري الفقيه الدستوري الكبير، فإذا بالكاميرا تحط على تهاني الجبالي. تهاني جرى استبعادها من منصبها كقاضية بالمحكمة الدستورية العليا، بالدستور الذي وضع في عهد الدكتور مرسي، لكن هذا الدستور تم وقف العمل به بقرار من وزير الدفاع، ومع ذلك لم تتم عودة تهاني لموقعها، ولم يدافع عن عودتها الآن أحد، فالضجة التي أثيرت عندما تم استبعادها كانت لأننا في عهد الرئيس مرسي.
شهادة متأخرة لباسم يوسف، لصالح سقف الحرية المرتفع في عهد الرئيس مرسي بالمقارنة بالحاصل الآن، وذلك في لقائه مع يسري فودة. لسنا بحاجة لشهادة باسم لنقف على ان الحريات في عهد مرسي كان سقفها السماء، وفي عهد السيسي فان سقفها الأرض!
سليم عزوز
* صحافي من مصر