يعود الجيش السوري الحر اليوم إلى ارتكاب خطأ استراتيجي جديد بتجميد معركة الساحل وتوقفه عن الاستمرار في التقدم على تلك الجبهة.
فبعد أن اتفق العالم على حماية الأسد و السماح له بقصف الغوطة بالسلاح الكيماوي لتمكينه من العاصمة والحفاظ عليها وبالتالي الحفاظ على موقعه التفاوضي، فلا شك أن المعركة لن تنتهي مع نظام البعث دون فتح جبهة الساحل من جديد والانقضاض على القرى والمناطق التي تزود جيش النظام بالجنود والشبيحة والأسلحة أيضاً. ولا شك أن معركة الحرية لن تؤتي ثمارها إلا إذا دارت رحاها في قرى الساحل حيث يتجمع عتاة المجرمين والإرهابيين والقتلة ومديرو العمليات الإرهابية التي تفتك بالمناطق السورية كلها.
يقوم الأسد بإرسال شبيحته من قرى الساحل ليذهبوا إلى مناطق السّنّة في دمشق وحلب ودرعا فيقتلوا الناس هناك ويديروا معركتهم على أرضنا، بينما يتمتعون هم بالحماية والاستقرار، إذ لا يقترب منهم أحد ولا يشمون رائحة البارود أصلاً.
في الشهر الثامن من العام الجاري قامت بعض الفصائل الإسلامية وكتائب الجيش الحر بتوجيه ضربات محدودة لبعض مناطق الساحل، ومع أن تلك الضربات استهدفت بالدرجة الأولى مواقع تجمع الشبيحة ومخازن الأسلحة التي تقتل السوريين، إلا أن العالم قام ولم يقعد مدعياً الدفاع عن الأقليات وحمايتها. لا نريد أن نذكر بما يفعله العالم للدفاع عن مسلمي بورما كأقلية ولا عن مسلمي أنغولا المحرومين من إقامة شعائرهم.
إن إطلاق بعض القذائف فقط في الساحل جعلت الولايات المتحدة وهي أكبر داعم لنظام دمشق تسرع في مغازلة الثوار، فيتراجع الحديث عن التشدد والإرهاب ويطغى عليه حديث التفاوض وضرورة تنحي الأسد. وفي الوقت نفسه أوعزت أمريكا إلى حلفائها في الائتلاف أن يتدخلوا من أجل إيقاف تلك الجبهة بالسرعة الممكنة.
سليم إدريس كان قد أقسم قبل أيام من فتح جبهة الساحل بأن هناك خمس دول صديقة وشقيقة قد مدّت الجيش السوري الحر بأحدث الأسلحة وأن النصر بات على الأبواب، وأعاد لؤي المقداد قول رئيسه بالضبط. ولكن سرعان ما ذهب قائد هيئة الأركان لزيارة الكتائب المقاتلة في الساحل، وبعدها بأيام توقفت المعارك وانسحبت معظم ألوية الجيش الحر. وقد سرب الناشطون ما يؤكد أن إدريس هدد الكتائب بالانسحاب أو قطع الإمدادات.
يجب ألا نستغرب من ذلك، فوزير الدفاع في الحكومة المؤقتة أسعد مصطفى ، صرح قبل أيام فقط من خلال شاشة العربية، بأنه شخصياً يبذل أكبر الجهود لمنع أي هجوم على “القرى العلوية” فليته يبذل الجهد نفسه لمنع الهجوم على القرى السنية إذاً.
وعلينا ألا ننسى بالطبع ما يسمى هيئة التنسيق وبعض معارضة الداخل الذين يعتبرون الهجوم على قرى الساحل مسألة طائفية واعتداء على الأقليات بينما لا يتكلمون عن الهجوم على سورية كلها وتدميرها عن بكرة أبيها ويحجون فرداى وجماعات إلى طهران التي ترسل مقاتليها إلى سورية على أساس طائفي.
نحن نعلم أن الحفاظ على الأقلية العلوية وعدم مساسها أمر لا بد منه للغرب والولايات المتحدة، فهي تريد أن تستفيد منها بعد سقوط النظام المؤكد، فهي مسمار جحا الذي يحرصون عليه بكل الوسائل.
نحن اليوم على أبواب جنيف، وهو مؤتمر معدّ مسبقاً وستفرض قراراته على الأسد كما ستفرض على الجربا وصحبه الذين ما تم تعيينهم في مناصبهم إلا من أجل تمرير جنيف، ولهذا فإننا نهيب بالثوار ضرب أماكن تجمع الشبيحة ومخازن الأسلحة في الساحل بكل عنف، وهذا فقط ما سيسقط اتفاق لافروف – كيري وجنيف وما سيسقط الأسد أيضاً.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام. فرنسا