الباعث والأثر والمآل
مقدمة
ثلاثة من الرؤوس قيادات سابقة لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن تنتظر أن تقصل على مذبح المحاكم التنظيمية الداخلية للجماعة خلال الأيام القليلة المقبلة .
(1) باعث المحاكمات
الجدل يحتدم بشكل راسي داخل الجماعة حول تقديم تلك القيادات للمحاكم التنظيمية بقرار من المكتب التنفيذي الذي يسيطر عليه التيار المتشدد ، الصراع على أشده بين التيارات المتصارعة حول الباعث لمثل هذه الخطوة .
في الوقت الذي يصر به بني أرشيد نائب المراق العام ،بان قرار إحالة القيادات السابقة التي أشهرت المبادرة زمزم بعد أن ضربت عرض الحائط بقرار القيادة الشرعية ، جاء احتراما للتنظيم وتغليب روح القانون وتفعيل اللوائح الداخلية حفاظا على التنظيم من الفوضى والعبثية ، وحتى يبقى التنظيم هو التنظيم الواحد قبل أن يتفتت فيما لو أُغفلت العين عن محاكمة من يخالف قرارات المكتب التنفيذي .
بني رشيد يرى أن القرار أصبح ضرورة بعد أن فشلت كل أشكال الوساطة في حل الخلاف حول زمزم بالطرق الودية فكان لا بد من حماية التنظيم ووقف كل أشكال الخروج على القيادة وقرارات المكتب .
الفريق الأخر يشير إلى هناك عدة بواعث وراء إقدام المكتب التنفيذي على هذه الخطوة في الوقت الراهن وأهمها .
أولا :- محاولة المكتب التنفيذي مواراة ضعف أداءه البادي للعيان – بعد عام ونصف العام من القيادة المنفردة للتنظيم – وعلى جميع الأصعدة .
•إخفاق المكتب التنفيذي في إدارة مرحلة الربيع الأردني ،إذ بدا الربيع يكف بساطه عن الساحة الأردنية دون أن تحقق المعارضة بقيادة الحركة الإسلامية عمليا أي مكسب لما يؤمنون به سياسيا ، وان النظام استطاع أن يفتت تنسيقية المعارضة ضده وساعده في ذلك سوء إدارة المكتب التنفيذي للإخوان لهذا الملف الذي أصر أن يعكس الأزمة المصرية بكل تفاصيلها على تحالفه مع القوى الأخرى .
•ضعف الأداء السياسي الحاد والبادي للعيان للمكتب التنفيذي كما يصفه التيار المعتدل من خلال غياب تام للمراقب العام الحالي عن المشهد واستفراد نائبه الذي يوصف بالشخص القوي داخل المكتب التنفيذي ، شخص عرف عنه إخفاقات سياسية وتصريحات مثيرة للجدل في الساحة السياسية،كان أشهرها في المرحلة الأخيرة عندما أدار التفاوض مع النظام قبل الانتخابات البرلمانية بذهابه للتفاوض مع مدير المخابرات العامة الشوبكي، لينقل الجماعة من ملف سياسي إلى ملف امني بتعاملها مع النظام .
•ضعف أداء المكتب في إدارة الأزمة الداخلية وتقديمه الحلول الاستئصالية في إدارة الخلاف على الحلول التوافقية مدللين بان تلك المحاكمات تأتي في سياق ذلك الضعف والتخبط.
•عجز التيار المتشدد الذي يملك أغلبية مجلس الشورى في التنسيب أو تقديم أي مشروع لتعديل النظام الداخلي للجماعة – بما يخدم المزيد من الحرية والانفتاح داخل التنظيم – إذ لا زالت جميع البنود الخلافية والقديمة في النظام الأساسي كما هي ، إذ يرى هذا الفريق أن القيادات الحالية ترفض أي تعديل لبعض المواد وخاصة المتعلق بإسقاط شرط دفع الاشتراك على الناخب وتعديل طريقة انتخاب المراقب العام بأسلوب حر ومباشر من قبل جميع أفراد التنظيم .
• تراجع حاد في المشروع التربوي التنظيمي الداخلي الذي جاء المكتب الحالي إلى القيادة بحجة حمايته وترميمه بعدما أهمل من قبل المكاتب المتعاقبة على حد وصفهم .
•ضعف في الأقسام التربوية الخارجية،وانحسار نشاط كوادر الحركة عن العمل المساجدي واستئثار تيارات أخرى في توجيه الناس دينيا بما لا يخدم مشروع الإسلام المعتدل الذي يؤمنون به .
ثانيا :- يشير الطرف المعتدل إلى وجود بواعث شخصية كما جاء على لسان احد القيادات الذي لم يفصح عن اسمه للجزيرة نت ، إذ أن التيار المتشدد يرى فيمن قدمهم للمحاكمة بأنهم أشخاص يملكون إمكانات حقيقية لقيادة الجماعة في المرحلة المقبلة مستثمرين ضعف أداء المكتب الحالي للسيطرة على قيادة الجماعة في المرحلة القادمة .
كما آن الباعث الشخصي يبدو واضحا كما يسوق البعض من خلال الخلاف الحاد بين رئيس جمعية المركز الإسلامي المعين الدهيسات احد الرموز المقدمة للمحاكمة والمهندس مراد العضايلة الرجل القوي وصاحب القرار المسموع والذراع المالي للتيار المتشدد كما يصفه البعض ، بعد آن عزل الدهيسات العضايلة من قيادة جمعية رعاية الأيتام وتحويله إلى مستشار دون صلاحيات.
بعض المحللين المهتمين بشان الجماعات السياسية الإسلامية ، يرون أن جميع الأسباب التي أوردها طرفي التدافع والصراع مجتمعة تشكل الباعث والدافع وراء مثل هذا القرار في مثل هذا التوقيت ، مرجحا أن إخفاق المكتب الحالي في تحقيق أي نجاح داخلي آو خارجي يذكر وراء تعجله المحموم في اتخاذ مثل هكذا خطوة في هذه المرحلة الدقيقة جدا، بعد أن قطع المكتب على نفسه عهدا بعدم تقديم تلك القيادات للمحاكمات إلا إذا حولت المبادرة إلى حزب أو تنظيم أخر .
فيما يرى آخرون بان تبرير نائب المراقب العام في مقاله يوم الثلاثاء بان تلك المحاكمات رغبة في تعميق المؤسسية داخل الجماعة هو كلام يخالف تاريخ الرجل الذي قدم للمحاكمة عدة مرات وصدر بحقه عدة قرارات وصل بعضها للتجميد 3 سنوات كانت تلك القرارات تجمد وتلغى بضغط أشخاص متنفذين داخل الجماعة ضاربة عرض الحائط بكل اللوائح والقوانين أما احترام الأمر الشوري وعدم الخروج على القيادة، يقول البعض بان سجل الرجل حافل بتلك المخالفات وانه من الأولى به أن يهتم هو شخصيا باحترام اللوائح والتعليمات وقرارات التنظيم كما يصفون .
(2) أثار قرار المحاكمة
لا شك بان صدور القرار بمحاكمة تلك القيادات ومن ثم فصلها كما هو متوقع يلقي بظلال مختلفة على جميع الصعد الداخلية والخارجية للحركة الإسلامية .
النظام والحرس القيم :- لا شك بان النظام الأردني والحرس القديم على وجه الخصوص سيكونون أكثر سعادة وترقب للصراع الحالي داخل أروقة التنظيم لما تشكله الجماعة من عامود فقري في مشروع الإصلاح الذي يختلفون معه ويقاومونه، إذ يرون أن المكتب التنفيذي قد منحهم فرصة ذهبية في إقصاء الطرف الأشرس سياسيا والأكثر حنكة والتي يمكن أن يقود عملية سياسية مؤثرة تحد من صلاحياتهم ونفوذهم، وبإقصاء تلك القيادات يجدون المبرر أمام الرأي العام بأنه ليس هناك داخل الإخوان طرف معتدل يمكن الحوار والتفاوض ، مستغلين اثارة النزعات الإقليمية خاصة بان القيادات الثلاث من أصول شرق ارنية .
ميلاد فكر سياسي إسلامي جديد:- يمكن أن يكون لقرار فصل تلك القيادات اثر في ميلاد نموذج سياسي إسلامي جديد في الأردن يحمل رؤية سياسية جديدة يتجاوز إخفاقات التجارب السابقة ويخرج من جمود الحركة الإسلامية في التعاطي السياسي ، نموذج يكون اقرب إلى نموذج حزب الوسط الإسلامي في مصر بقيادة أبو العلا ماضي أو نموذج حزب العدالة والتنمية بقيادة اوردغان أو حزب جبهة العمل الإسلامي في لبنان بقيادة فتحي يكن رحمه الله ، إلا أن البيئة السياسية العامة التي يسيطر عليها الحرس القديم داخل النظام قد تمنع أي نجاح لتكرار تلك التجارب على الساحة الأردنية .
انغلاق تنظيمي :- بمحاكمة تلك القيادات وعزلها سيتم تعميق دور المدرسة التنظيمية وتكريس فكرها واضمحلال تقدم المدرسة التي تؤمن بالعمل الإسلامي المفتوح لعقد من الزمان على الأقل ، وإحكام سيطرة التيار المتشدد على زمام القيادة لدورات متتالية من زمن حتى خروج قيادات شابة مؤثرة تحاول من جديد كسر حالة الجمود الفكري والسياسي التي تعيشها الجماعة .
انحسار شعبي:-لا شك بان السجال والخلاف العلني داخل الجماعة سوف يؤثر على رصيد الجماعة الشعبي ويشكل خيبة أمل لدى بعض أبناءها داخل الصف ونفور حقيقي للقواعد الشعبية التي تراهن على أن الإخوان القوى الأقدر على إنقاذ الأردن من ورطته التي يعيش،إذ لا يمكن لمن يعجز أن يحل مشاكله الداخلية أن يحل مشاكل وطن ، ومن يعجز أن يستوعب التنوع الداخلي يكون غير قادر على استيعاب التنوع الوطني والتلون السياسي العام .
(3) مآلات المحاكمات
هناك فرضيتان لا ثالث لهما لمصير قرار المكتب التنفيذي الحالي بإحالة تلك القيادات إلى المحاكمات :-
الفرضية الأولى : – إصرار المكتب الحالي على استمرار تلك المحاكمات وصدور القرار الحتمي بفصل تلك القيادات وانعكاس ذلك بأثر سلبي على الجماعة داخليا وخارجيا وإحكام المكتب والتيار المتشدد قبضته على إدارة التنظيم لعقد من الزمن على اقل تقدير .
وما يعزز تلك الفرضية غياب دور مكتب الإرشاد العالمي -في ظل ما يتعرضون له في مصر من سجن واعتقال واستئصال – الذي رعى تفاهمات اسطنبول وبيروت بين التيارات المختلفة داخل الجماعة العام الماضي .
الفرضية الثانية :- وقف تلك المحاكمات بناءا على قرار من مجلس الشورى أعلى هيئة قيادية داخل الجماعة وإتاحة الفرصة إلى حوار جاد بين جميع الإطراف المتصارعة لحل جميع المشاكل كرزمة واحدة .
ما يعزز تلك الفرضية شعور جميع التيارات الأخرى داخل الجماعة بان التيار المتشدد يريد إحكام القبضة على جميع مفاصل التنظيم وفرض رؤيته وقناعته على أجندة التنظيم وان السماح بتقديم تلك القيادات إلى المحاكمة يعني مزيد من استنزاف التنظيم الذي خسر الكثير ، إضافة إلى تاريخ الحركة الذي يشير إلى قدرتها على تجاوز مشاكلها وترميم ذاتها .
لكن يبدو أن الفرضية الأولى هي الأقرب للواقع الحالي ووفقا للمعطيات على الأرض.
التوصية
للحفاظ على الحركة الإسلامية كمكتسب وطني لها بصماتها الواضحة في كل مجالات الحياة الأردنية ، ولحماية المجتمع الأردني الذي تربطه الحركة الإسلامية ديمغرافيا وللخروج من الأزمة الحالية بأقل الخسائر يمكن بالتالي :-
1-تعديل تشكيل المكتب التنفيذي من ذات تيار الأغلبية بما فيها الإبقاء على منصب المراقب العام الحالي واستبعاد جميع الوجوه الجدلية داخله لتهيئة المناخ المناسب للحوار وإعادة هيكلة وترميم التنظيم من جديد.
2-وقف المحاكمات والذهاب إلى مؤتمر عام يضم القيادات الشابة للحركة الإسلامية والقيادات الحالية والسابقة وأهل الرأي والسياسة من أنصار الإسلام السياسي والخروج بحلول عملية لجميع المسائل المحركة للصراع والتدافع داخل التنظيم .
3-اتخاذ مجلس الشورى قرار سريع وناجز بمنع أي تصريح لوسائل الإعلام بخصوص الخلافات الداخلية ووقف التراشق الإعلامي من كلا الأطراف لتهيئة الظروف والمناخ المناسب لحل تلك الإشكاليات .
4-إصلاح النظام القضائي الداخلي للحركة الإسلامية وذلك بإيجاد لائحة مخالفات وعقوبات واضحة ومنصوص عليها وموصوفة بدقة لا تقبل الاجتهاد ولا الرأي الشخصي،وضع أسس وإجراءات التقاضي ، جعل التقاضي على درجتين داخل الجماعة وحصر انتخاب أعضاء المحاكم من أهل الاختصاص القانوني البحت ،تحصين قرارات تلك المحاكم القطعية من الإلغاء أو التعديل أو إجراء الصفقات حولها .
5-إعادة إنتاج المناهج الاخوانية وتطهير كثير مما علق بها من أفكار سياسية حادة من مخلفات ستينيات القرن الماضي ، وتضمينها بذات الوقت المواءمة والتكامل بين المدرسة التنظيمية ومدرسة العمل المفتوح لتكون تلك المدارس مكملة لبعضها البعض وخادمة لمشروع العمل الإسلامي الوطني العام .
6-الذهاب إلى مصالحة تاريخية للجماعة مع كل القيادات والأفراد الذين غادرا صفوفها وتكوين الجان لتحقيق تلك المصالحة وإعادة من تسمح لهم ظروفهم بالعودة إلى صف الجماعة وصياغة بيئة تسمح بالتنوع داخل الجماعة الذي هو سر جمالها ونجاحاتها السابقة .
انتهى
المحامي محمد العودات