من الأقوال الماثورة في الأدب العربي” الصب تفضحه عيونه” ونكملها بقولنا والكاذب يفضحه لسانه، وقد قيل بأن الكذب حبله قصير لأنه سرعان ما يُكشف أمر صاحبه، وإمشي وراء الكاذب لحد عتبة داره لتستكشف الحقيقة. صحيح ان الكذب حبله قصير لكن لا أحد يتصور بتلك السرعة الخارقة التي إنكشف فيها كذب المالكي في زيارته الإخيرة لمحافظة الأنبار ولقائه برموز نظامه وليس برجال الإنتفاضة الحقيقيين. فللمعتصمين ربٌ كريم وقيادة حقيقية ترفض المساومة ولا تغريها وعود المالكي الكاذبة، وللمحافظ ومجلس المحافظة شيطان رجيم وقيادة شبحية من الأوغاد الذين تسللوا لساحة العز والكرامة لغايات في نفوسهم الدنيئة والعمل وفق أجندة المالكي نفسه لإنهاء الإعتصامات بخدعة ماكرة إنطلت على البعض مع الأسف الشديد.
صحيح إن الإعتصامات فقدت بريقها ولم تعد أكثر من تجمعات شعبية لا صدى لها على الصعيدين المحلي والدولي بسبب رجال الدين الذين إمتصوا رحيق المقاومة والرفض، وحقنوا المنتفضين بأفيون الخدر والكسل، وكذلك بفعل النواب السنة الحثالات وبقية السياسيين الأقزام الذن إعتلوا المنصبة ليكولوا أنفسهم، ويصنعوا لأنفسهم بطولات ووطنيات من ورق، كأنهم ليسوا من النظام القائم والمستفيدين منه.
إن الأسباب الحقيقية وراء زيارة المالكي أولها:التوجيه الأمريكي خلال زيارته الاخيرة المهينة للبيت الأبيض بضرورة الأنفتاح على القوى السنية في المحافظات المنتفضة ومحاولة تقليل الزحم من إندفاعهم. ثانيا: لأغراض إنتخابية بحتة عسى أن يحظى بالولاية الثالثة. والحقيقة إن زيارة المالكي لمحافظة الأنبار لم تكن أقل فشلا من زيارته للولايات المتحدة. فقد طلع علينا رموزه في المحافظه كأحمد خلف بصندوق العجائب. فقد وعد المالكي (وإن بعض الوعد كذب) ببناء مطار ومصفاة نفط في الأنبار، وإطلاق سراح عدد من المعتقلات لا يزيد عن السبعين سيدة. ويبدو إن هذا الرقم قد حدده له رموزه في الرمادي لأنه يتعلق ببعض السيدات ممن لديهنٌ أو لدى اقربائهنٌ حظوة عند المحافظ ومجلس المحافظة! الغريب في الأمر ان المالكي قبلها أنكر وجود معتقلات في سجنه متحديا تقارير المنظمات الدولية والعربية والمحلية التي تؤكد على وجود اكثر من(3000) معتقلة كحد أدنى اعتقلن بسبب فشل قوات المالكي المليونية من القبض على ازواجهن واخوتهن واقاربهن. ولكن هذه الكذبة تعد سهلة من قبل عميل أدمن على الكذب والمراوغة.
وعد المالكي ببناء مصفاة نفط! ولا تعرف لماذا مصفاة نفط دون غيرها من المشاريع التي تحقق الجدوى الإقتصادية من إقامتها في المحافظة المضطهدة؟ لو وعد المالكي مثلا بإقامة معامل لتعليب المواد الغذائية او الأنسجة وغيرها من الصناعات لفهمنا الأمر. أما بناء مصفاة للنفط فإنها لقمة يصعب بلعها، وكذبة واضحة كوضوح الشمس في النهار! هل المصفاة ستقام لغرض سد الحاجة المحلية من المشتقات النفطية؟ أم لغرض التصدير؟ ولمن التصدير؟ وهل فعلا الحكومة جادة في تكرير النفط وهي تبذر المليارات لشراء الغاز الإيراني وبقية المشتقات لغرض دعم الإقتصاد الإيراني المحاصر؟ وهل سيصل النفط الخام من كركوك أم من البصرة للتكرير؟ وهل في ذلك جدوى إقتصادية بحساب نفقات النقل؟ اليس من الأجدى بناء المصفى في البصرة أو كركوك؟
أما موضوع المطار فأنه لا يقل غرابة عن المصفى! المالكي سحب الطائرات من الموصل وصلاح الدين كي لا تقع بأيدي تنظيم القاعدة كما إدعى. فهل سيبني مطارا لقوم بينه وبينهم بحار من الدم، ويرعون حسب ظنه الإرهاب؟ وهل توجد فعلا حادجة لبناء مطار في الأنبار ويحقق الفائدة الإقتصادية؟ من المعروف انه في أي دولة في العالم عندما تقرر بناء مؤسسة أو مشروع ما، فإنها تأخذ بنظر الإعتبار مجموعة من المقومات والمؤشرات الجغرافية والإقتصادية والتقنية والسوقية التي على ضوءها تقرر المكان المناسب لإقامة المشروع. فهل المالكي جلب معه دراسات حول الموضوع عرضها على مجلس المحافظة وتدارسها مع المختصين؟ أم مجرد هواء في شبك؟ أي(مجرد كلام حجيته ومشيت).
ذكر المالكي بأن مطالب المعتصمين ستنفذ لأنها مطالب مشروعة وقد غفل عنها منذ ما يقارب العام فكيف لو لم تكن مشروعة؟ ولكن المالكي بدلا من كل هذه اللف والدوران كان من الأجدر به، أن يعتذر أولا من أهل الأنبار عن الكلمات المسيئة وقلة الأدب التي مارسها معهم، ومنها للتذكير فقط” هؤلاء مجرد فقاعة. و”ببننا وبينهم بحار من الدم”، ” إنهم ارهابيون وبعثيون ومن تنظيم القاعدة”، ” سينتهوا أو يُنهوا”. و”أنهم نواصب وساحة الاعتصام بالانبار هي ساحة الذل والعار” وغيرها من العبارات السوقية التي تدل على ضعف التربية والشخصية والعقلية البشرية والقيادية. لكن الرجل الذي إذل العراقيين طوال ثماني سنوات من خلال الفشل المتلاحق والإخفاقات والفساد الحكومي لم يعتذر ولن يعتذر لأنه لا يرى الشعب جديرا بالإعتذار، ولم يطالبه الشعب بالإعتذار، بل ربما فكر بأن الشعب هو الذي يجب عليه أن يعتذر منه لأنه قصر في حق مختار العصر؟
مجلس الأنبار والمحافظ لأنهم من صنيعة المالكي لم يتمكنوا بالطبع من طرح المواضيع المهمة التي تهم المعتصمين علاوة على مقترح الإعتذار، ومنها وقف حملات المداهمة التي تطال أهل السنة ولاسيما ما يسمى بحزام بغداد، ووقف عمليات التهجير في محافظة ديالى وجنوب العراق، وكذلك عمليات الإغتيال المنظم التي تقوم بها الأجهزة الحكومية ضد الشيوخ وعلماء الدين والمساجد، وتقديم عناصر العصابات الأمنية التي قتلت المعتصمين في الأنبار والحويجة والموصل للعدالة(العمياء) وإيقاف مهمات الوحوش الضارية فيما يسمى بـ(المخبريين السريين)، وأطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين من أهل السنة، ووقف عمليات الإعدام على الهوية، وإيقاف الإعتقالات بدون مذكرات قضائية، وشمول المحافظات الشيعية بمكرمة المداهمات والإعتقالات أسوة بأهل السنة فهم ليسوا ملائكة الرحمةّ! وإعتقال المجرمين من أمثال وائق البطاط، وقيس الخزعلي، وأبو درع وغيرهم ممن يمتثلون لأوامره الشاذة. بمعنى آخر بقد خرج المعتصمون من مولد المالكي بلا حمص ولا زبيب. وربما سخر المالكي معلقا على زيارته لمستشاريه” زيارتي للأنبار تيتي زي ما رحتي جيتي”.
لكن ما الذي حصل بعد زيارة المالكي للأنبار؟
المالكي في غرب العراق هو ليس الملكي في شرق العراق، والمالكي في جنوب العراق هو ليس المالكي في شمال العراق، حرباء تتلون وفق طبيعة مصالحها. في المؤتمر السنوي العشائري لبني مالك، عاد المالكي لأصلة الوضيع و لسانه الرقيع. مما قاله”أخطر ما نواجهه اليوم هو التنصل عن المسؤولية والذهاب للاعلام من اجل ان نرميها على الاخرين، ولكن الشجاع من الرجال من يعترف باخفاقه بتحمل مسؤولياته وليس تزكية نفسه واتهام الاخرين لان هذا منطق انهزامي من المسؤولية ويحاولون زيفا وزورا ان يحملوها لطرف واصبح البعض يكذب ويتهم ويتخاضع ويظلل ويدعي من اجل كسب صوت الناخب المسكين بغشه وسلبه الارادة وفي طريقة ليس فيها احترام وندعو ان لايكون الصوت بلا وعي ولا ارادة لانها شهادة لاتباع ولاتشترى”. وبالطبع معرف من المقصود بكلامه.
ولكن الأفدح والأوضح منه قوله”إن قضية التهجير هذه كذبة، مبينا ان هناك اعترافات من نفس أبناء السعدون تشير الى انهم تلقوا توجيهات من دولة معينة بالقتل ثم الخروج بمظاهرات ومطالبة الأمم المتحدة بالتدخل لحماية السنة في البصرة وفي المناطق السنية”. مشيرا بأن ذلك يمثل مؤامرة اكتشفت بالأدلة والأرقام وهي تشبه قضية اليهود في العراق في الخمسينات، لما ارادو تهجير اليهود إلى فلسطين صاروا يفجرون بمناطق اليهود وبمقاهيهم وفي تجمعاتهم وأحدثوا موجة إعلامية تفيد بأن يهود العراق مستهدفون، ففروا من العراق ورحلوا، واصبحوا جزء من تشكيل دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية.
إذن تهجير آل السعدون كذب، وتهجير أهل السنه وقتلهم وإغتيال العلماء وقتل المصلين في الجنوب يقوم به أهل السنة انفسهم وليس ميليشيات المالكي وأجهزته الأمنية! كنا نتمتى أن نسمع تعليق من عشيرة السعدون حول تصريح المالكي، لكن للأسف فقد ذهب عهد الرجال! حسنا لنمشي مع الكذاب لحد البصرة وليس عتبه بيته! بتأريخ 26/10/2013 تم إختطاف الشيخ عدنان الغانم شيخ عشيرة الغانم في أبو الخصيب، والشيخ كاظم الجبوري من قبل مجموعة ترتدي الزي العسكري ويستقلون سيارة عسكرية ذات دفع رباعي، وعثر خلال زيارة المالكي على جثثهم بعد تعرضهن للتعذيب، قبل أن يذبحوا من رقابهم(لاحظ إن الذبح كانوا يلصوقونه بالتنطيمات السلفية فقط). فهل أهل السنة هم من إرتكبوا جريمة ذبح رؤساء عشائرهم لتضليل الرأي العام؟ وهل تنظيم القاعدة في البصرة لديه سيارات عسكرية ذات دفع رباعي ويتجولون بها في البصرة وضوح النهار أمام أجهزة المالكي الأمنية؟ وفي الأنبار بعد الزيارة مباشرة قي الأول من شهر كانون الأول تم إغتيال الشيخ الصقر خالد حمود الجميلي أحد قادة إنتفاضة أحرار العراق. فهل قتل أهل الأنبار شيخهم الشهيد البطل تقليدا لطريقة يهود العراق؟
المثير في الأمر إن صيحة الإستنكار الأولى ضد تصريحات المالكي لم تأتِ من مجلس النواب وقرقوزات أهل السنة من أعضائه، أو من ساحة الإعتصامات، إنما من الموصل فقط! فقد طالب محافظ نينوى أثيل النجيفي المالكي بالاعتذار على خلفية اتهامه للمكون السني في جنوب العراق بقتل بعضهم البعض لخلق قضية دولية، مبيناً أن هذا الاتهام يتناقض مع وثيقة الشرف التي وقعها المالكي. وطالب النجيفي بأن يكون الاعتذار بشكل علني وصريح، فالإساءة لعشيرة كالسعدون وجميع السنة وتشبيههم بأفعال اليهود، يتناقض مع وثيقة الشرف التي وقعها رئيس الوزراء بنفسه”. هذا المحافظ المسكين لا يعرف إنه لو أبيد الشعب العراقي عن بكره أبيه لما إعتذر المالكي! إنه مختار العصر، والمختار أختار أن لا يعتذر! فأضربوا رؤسكم في الحيطان.
في تحدِ سافر لأهل السنة بإعتبارهم المادة الدسمة التي يتغذى عليها المخبرون السريون، أعلن المالكي بأن مكافأة المخبرين سيكلف الخزينة مبلغا لم يُحتسب ضمن موازنة عام 2014. وهذا يعني بالنتيجة إستمرار سياسة الإعتقال على الهوية، وسبي أهل السنة بوشاية المخبرين السريين. إنها بشارة جديدة للسياسيين وعلماء الدين الذين أطفأوا جذوة عزيمة المنتفضين، ووأدوا إمكانية التغيير وزعزعوا القناعات. لقد أثبتوا بأنهم قاصرون وفق شهادات ولادة العمل السياسي. فلم يستوعبوا بعد سياسة المالكي”يد تصافح ويد تغتال”. و”إكذب وإكذب وإكذب طالما لا يوجد من يحاسبك على كذبك”.
في الوقت الذي يضع فيه المقاومون الغيارى والمجاهدون النشامى دلالات لإرشاد المنتفضين إلى طريق المقاومة والنصرالصحيح، يغافلهم علماء الدين ويهيلون التراب عليها ويطمسوها. ويدعون بكل وقاحة إنهم حماة الدين والوطن! يا لمصيبتنا بهم! لا هم استوعبوا الإحتياجات ولا هم إستجابوا للتحديات، راهنوا بكل بلادة على الصبر الطويل ولكنه لم يكن سوى حصان أعرج هزيل. لقد أعيتهم الحيل وتقطعت بهم الأسباب، والأمل فيهم خاب.
لقد أوصلوا الإنتفاضة الفتية إلى سن اليأس فقدموا بذلك أفضل خدمة لحكومة المالكي العاقرة. إنهم فعلا السهم الأخيب الذي ذكره الإمام علي(رض) “المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز والله بالسَّهم الأخيب. ومن رَمَى بكم فقد رمى بأفوَقَ ناصل. أصبحتُ والله لا أُصدقُ قولكم، ولا أطمع في نصركم ولا أوعِدُ العدوّ بكم”.
كلمة أخيرة لعلماء وشيوخ أهل السنة من الثعالب الماكرة كعبد الغفور السامرائي وخالد الملا ومهدي الصميدعي وغيرهم من(جماعة عملاء العراق) وليس علماء العراق. كفاكم ضحك على عقول الآخرين، والله ثم والله، الذي لا إله إلا هو، إني لا أرى في وجوهكم وجباهكم الذليلة الضالة، ولا في وجوه وجباه من يقابلكم من الضفة الأخرى كالسيستاني والفياض والنجفي واليعقوبي خيط من قبس الله. سيماكم لا تختلف عن الشياطين، وربما الشياطين تلامذة لكم. إنكم لا تستحقون حتى البصاق في وجوهكم النكرة لأن البصاق سيخرج من فم رجل شريف عابق بعبير الوطنية. فقيمة أي واحد منكم لا تزيد عن قيمة قشة علقت بمداس رجل مقاوم غيور على وطنه وشعبه.
علي الكاش
كاتب عراقي