نشر موقع “ميديل إيست مونيتور” تقريرا عما أسماه “أصغر باحثة نووية في مصر”، ويعني بها الطالبة “روضة شلبي”، التي اعتُقلت مع فتيات أخريات (14)، وحكمت عليهن المحكمة في الإسكندرية بالسجن لمدة (11سنة) لمشاركتهن في مسيرات شعبية رافضة للانقلاب العسكري.
في الوقت الذي كان من المفترض أن تُكرم فيه “روضة” من قبل الجامعة لدورها في مشروع التخرج من الجامعة، زارتها عائلتها في السجن.
“لدي حفل تخرج أود أن أحضره”: كان هذا الرد من “روضة شلبي” (22 عاما) عندما قيل لها إنه حكم عليها بالسحن لمدة 11 سنة مع فتيات أخريات (فتيات “حركة 7 الصبح”،)، وقد مرَ عليها في السجن الآن شهر (اعتقلت في 29 أكتوبر الماضي)، وعُرفت قضيتهن واشتهرت بـ”حرائر الاسكندرية”. و”روضة” تُدرك الآن أنه ما عاد بإمكانها حضور حفلة تخرجها كأصغر باحث نووي مؤهل في مصر.
وأطلق عليهن المتظاهرون المؤيدون للشرعية والمتعاطفون مع قضيتهن وصف “حرائر الإسكندرية”.
وكانت الفتيات يشاركن في تظاهرات سلمية رافضة للانقلاب العسكري عندما أُلقي القبض عليهن. وحكم على أربعة عشر (14) منهن بالسجن لمدة 11 سنة، في حين حُولت 14 قاصرا منهن إلى مراكز احتجاز الأحداث.
“روضة شلبي” تحب الفيزياء والكيمياء والهندسة. وكان حلم الفتاة، التي تحمل أي أسلحة، بأن تكون قادرة في يوم ما على بناء مفاعل نووي حقيقي لبلادها. وقالت “سارة” شقيقة “روضة”، في تصريح لوكالة أنباء الأناضول التركية، أن العائلة قد طمأنوها بأنه سوف يُطلق سراحها بكفالة، وبهذا سيكون بإمكانها التخرج، غير أن الحكم الوحشي هزَهم جميعا.
وكانت روضة، خريجة كلية قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية (شمال)، ضمن عشرة طلاب استطاعوا تصميم أول مفاعل نووي مصري، خلال العام الماضي، حيث كانت من أولى المتحمسات للفكرة والمتفاعلات معها بقوة حتى إنها طلبت من مشرفها الأكاديمي أن تقوم بترجمة كافة البرامج الخاصة بتصميم المفاعل النووي، فكانت على حد وصفه «عامل أساسي في حسابات تصميم المفاعل النووي.
يسري أبو شادي، المشرف على مشروع المفاعل النووي، وكبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق، يقول للأناضول: «كنت دائماً أرى روضة من أفضل الفتيات والأولاد العشرة داخل المشروع، فهي بنت مجتهدة وساعدتنا كثيراً في تصنيع المفاعل النووي، أذكر أنها كانت الأكثر تصميما على ترجمة جميع برامج التصميم الخاصة بي من الإنجليزية للعربية بل ونجحت في تشغيلها، لذا أعتبرها من أفضل المجموعة التي شاركت معي».
وأضاف “أبو شادي” في تصريحات لوكالة الأناضول: “عندما سمعت خبر القبض عليها لم أصدق الأمر، وشعرت أن هناك لَبسا في الأمر سرعان ما سيتضح لكن صدمني الحكم الذي كان بالنسبة لي علامة استفهام كبيرة، روضة؟ كيف يحدث هذا؟ .. بنت رقيقة وبنت ناس محترمين، كيف يعتبروها بلطجية؟!”.
يذكر أن المفاعل النووي الذي نجحت روضة وزملاؤها في تصميمه يعد أول نموذج حقيقي لمفاعل نووي مصري، قرر الطلاب وأستاذهم العالم النووي، بأن يعملوا على مدار عام كامل على تصميمه وتنفيذه كنموذج حقيقي مصغر لمفاعل نووي، أطلقوا عليه اسم “مفاعل x50″، في إشارة لإنتاج 50 ميجات وات كهرباء، ليحمل بذلك ميزتين الأولى عدم الاحتياج لكميات كبيرة من الماء والثانية قابليته للاستخدام في الأماكن النائية والصحراوية، حيث كانت تفكر روضة والبقية في كيفية ملاءمة المفاعل للخريطة العربية، بحسب أبو شادي.
لكن “روضة” لم تستطع أن تقف إلى جوار من شاركوها الحلم، لتحصل على جائزتها وهو ما دفع زملاءها الذين ترقرقت أعينهم بالدموع خلال الحفل لأجل زميلتهم الغائبة، فاستلموا الجائزة بدلا منها، فيما لم تتمكن عائلة روضة من حضور لحظة “تكريمها”، لانشغالهم بزيارة روضة داخل السجن، وهو ما يعني الكثير بالنسبة لهم، رؤيتها والاطمئنان على حالتها النفسية خاصة بعد إصدار الحكم عليها بـ11 عاما وشهر.
حسام شلبي، والد روضة، أستاذ الهندسة الكهربائية، والحاصل على جائزة الدولة ثلاث مرات وصاحب 160 منشورا علميا، ليس والد روضة فحسب، لكنه مثلها الأعلى، فعندما فضّل أن يقوم بالتدريس بجامعة الاسكندرية بدلا من عمله في الولايات المتحدة علمها أن أرض الوطن لا يعوضها شيء، حتى وإن كنت قابعا خلف قضبان تُشِل حلمك .. أو تُضعفك..
أما والدة روضة، ورفيقة عمرها، فتروي للأناضول تفاصيل زيارتها لروضة في محبسها، أو “ابنة عمرها”، كما تقول عنها: “جلست أمامها وكانت ثابتة بخلاف توقعي، وجدتها تحكي لي ما حدث في محاكمتها وتتجنب الحديث عن الحكم، قالت لي يا أمي أقوال الشهود كانت في صالحنا، حتى الحديث يا أمي عن إحداث خدوش بالباب الزجاجي لأحد العقارات غير منطقي، لو حملت إحدانا طوبة (قطعة حجارة صغيرة) لانكسر وليس مجرد خدش”.
تتابع الأم وتتذكر” “للوهلة الأولى ظننتها لا تعرف الحكم لكنها فاجأتني قائلة: عندما أخبرنا مدير السجن أن السنوات الـ11 بتهمة التجمهر وإثارة الشغب وإحداث تلفيات بواجهة أحد العقارات، والشهر والنصف بتهمة حيازة سلاح أبيض، انتباتني دهشة شديدة، شعرت معها للوهلة الأولى بعدم قدرتي على الاستيعاب، كيف تكون عقوبة التجمهر أشد من حمل السلاح في بلادي؟ كيف يحدث هذا يا أمي؟”.
ووجهت المحكمة للفتيات الـ14 تهم التجمهر واستخدام القوة والانضمام إلى جماعة مخالفة لأحكام القانون والترويج بالقول والكتابة لفكر الجماعة، وحيازة منشورات وتوزيعها وإتلاف مدخل أحد العقارات والإرهاب.
سألتها أمها عما إذا بكت بعدما عرفت الحكم أخبرتها روضة: “في البداية ضحكت وسطهم وكأني أغسل صدري من المفاجأة .. لكن بعدما اختليت بنفسي وجدت الدمع يسقط دون إذن مني .. بكيت يا أمي .. بكيت على الظلم .. بكيت لأن مصر لا يمكن أن تبقى هكذا .. وتدار بهذه الطريقة .. بكيت لأن الوجع سكنني يا أمي”.