فى مدينتى هناك فيلم جديد بطولة أربعة صوابع. علامة يعتبرها البعض رمزا للصمود ويتعوذ منها البعض الاخر كأنها علامة الشيطان. أصابع تنبت فى كل مكان. يمكن أن تكون مصدر سعادة لمن يرفعونها ومصدر قلق وتوتر لمن شاء حظه العثر أن يمر بسيارته فى وسط مظاهرات أصحابها.
تثير العلامة الرعب فى قلوب الكثيرين. فكم سمعوا عمن تحطمت سياراتهم أو تم الاعتداء اللفظى أو الجسدى عليهم.
«ربعلهم عشان تعدى وتخلص»
نصيحة قيمة لمن يريد أن يمر بسلام
وفى مكان ما فى بنها تم تكريم طالب لانه ابتكر طريقة خلاقة لمواجهة علامة رابعة، فتفتق ذهنه عن علامة «تالتة» نسبة إلى «الثالث من يوليو».
أتارى براءات الاختراع ببلاش!!!!
وما بين رابعة وتالتة يقف مواطن مطحون مقاوما رغبته فى رفع أصبعه الاوسط للجميع.
فى مدينتى رغبة عارمة لقطع جميع الاصابع. هذا أفضل للجميع، فلنقطع الاصابع ولتسلم الايادى.
نحن نصر أنها ثورة ونحلف على المية تجمد أننا ثرنا ضد الفاشية الدينية والديكتاتورية ولكننا ديمقراطيون فى كل شىء ما عدا حديث الاصابع.
فى وطنى يظن الناس أن الديمقراطية هى إجماع تسعين مليون نسمة على قرار واحد، مع ان قلوبنا شتى. فقد اجتمع الناس على قلب السيسى ولم ينسوا أن يتفرقوا على كراهية بعضهم البعض.
نشتم أمريكا وأوروبا ونفتخر باستقلال قرارنا السياسى ولكننا نسعى لكسب رضاهم عن ثورتنا، فنطلق القنوات بلغة إنجليزية ركيكة ليشاهدها أوباما فيهتف
«أو ماى جد، إنها ثورة وليست انقلابا!!!»
معلوماتى عن الثورة التى قامت من أجل الحريات أنها لا يجب أن تتحول لأداة لقمع هذه الحريات. حتى لو كانت حريتك فى أن تسمى ما حدث انقلابا.
مش إنت ديمقراطى يا عم؟ ومعاك الناس كلها؟ فلماذا تهتم بمن تصفهم بالاقلية المنبوذة إذا هى أطلقت على ما حدث انقلابا؟
أتخاف أن يغير أوباما رأيه بعد أن شاهد برنامج جابر القرموطى مترجما للانجليزية؟
بعد ثورة 25 يناير خرج الكثيرون ليشككوا فيها وليستخدموا نظريات المؤامرة لإثبات انها لا ثورة ولا انقلابا ولكن نبت شيطانى… مؤامرة… خيانة.
ولكننا لم نسمع عن أحد قد تم حبسه بسبب كرهه ليناير ولم نسمع عن لاعب تم ايقافه لانه نزل فى المظاهرات المؤيدة لمبارك.
ربما لأن يناير هو بنت البطة السودة فلا أحد يهتم. ولكن أنت باهتمامك المبالغ فيه بتصنيف 30 يونيو، أضعفت موقفك وأضعفت 30 يونيو.
لابد أنك سعيد الان بإيقاف عبدالظاهر، أو إيقاف محمد يوسف بطل الكونغ فو، فهؤلاء حتما كان من الممكن أن يغيروا بأصابعهم موقف المجتمع الدولى تجاه ثورتنا الغراء. لكن الحقيقة أن المجتمع الدولى قد جلس ممصمصا شفاههه مستغربا كيف لملايين من الناس يؤمنون بأنهم أصحاب أكبر حشد فى التاريخ ثم يتوترون من بضعة أصابع.
تستعر الحرب على الانترنت فيأتى طرف بلاعبى إسبانيا يرفعون علم إقليم كتالونيا الانفصالى بعد فوزهم بكأس العالم، أو يأتى آخرون بعقوبة هانى رمزى حين أشار بعلامة النازية لجمهور أوروبى لديه تاريخ أسود مع الرايخ الثالث مع أن كلا الطرفين لا يهمه الامثلة فرأيهم معد مسبقا، وما هذه الامثلة الا وسيلة «لتقييف» الحقيقة على مزاجك. فمن اعترض على الاصابع الاربعة بعد تسجيل الهدف لا يمانع لو رفع نفس اللاعب صورة وزير الدفاع.
فى الواقع أنا غير مهتم بعلامة رابعة، وفى الواقع هناك الكثيرون الذين لا يهتمون ولا يأبهون لها. ولكن رد الفعل المبالغ فيه كلما أشار أحدهم بأربعة أصابع هو رد فعل كوميدى ويعكس ضعفا شديدا وعدم ثقة فى النفس.
حين تعاقب بالايقاف والقبض والملاحقة كل من رفع أربعة أصابع أو من ارتدى زيا «صفراويا» فأنت تعطى لهذه الاشارة قوة ووزنا أكبر من حجمها.
يا سيدى اللى يرفع يرفع واللى يلبس يلبس. مش دى الديمقراطية برضه؟
حين تصر على التضييق على فعل سلبى مثل رفع الاصابع فسيأتى آخرون ليرفعوها لمجرد استفزازك.
أشاهد فى صور مظاهرات الاخوان أطفال مدارس أكاد أجزم أن لا هم أخوان ولا هم يدركون معنى كلمة الشرعية بل وربما كانوا هم أول من يضحكون على خطابات مرسى. ولكنهم ينساقون فى الهوجة ويرفعون اصابعهم لمجرد العند أو الكيد، أو فراغ وخلاص.
مقتل جنود لنا على الحدود أحق بالاهتمام من اشارة رابعة. اغتيال ضباط شرطة أهم من القبض على الناس بتهمة حمل البلالين. حين يموت جنود الجيش والشرطة وتختزل الحرب على الارهاب فى قفش «كام صباع» فهى إهانة لذكراهم وتهريج فى ميدان لا ينفع فيه الا الجد.
لماذا نصر أن نخسر معارك مضمونة ونهتم بصغائر الامور؟
يمكنك الاستمرار فى قطع ما تيسر لك من الأصابع مادام ذلك يشفى غليلك. ستستمر الاصابع فى الظهور ليس لأن شعبية الاخوان فى ازدياد، ستستمر وتزيد لأن من أخطاء السلطة القاتلة أنها أظهرت للناس أن فعلا بسيطا وعبيطا يمكن أن يهز هيبتها. فإذا كنت غضبانا من الدولة لظروف اقتصادية واجتماعية، إلى جانب مناخ الاحباط العام، فأنت لا تحتاج إلى أن تحتج، وتسب وتهاجم منشآت الدولة. فقد اكتشفت حركة بسيطة تغضب الحكومة وتستفز الدولة، فما أسهل أن «تربع» فى وجه الجميع لمجرد العند!!.
لتستمر فى غضبك من الاصابع ولتلاحقها فى كل مكان ولكن حين تنتهى سوف تكتشف انك قد أضعت وقتك وجهدك لتثبت قدرتك اللامتناهية إنك بتيجى فى الهايفة وتتصدر.
باسم يوسف