في الكثير من دول العالم توجود صخور أو صخرة مميزة أهدتها لهم الطبيعة بفعل عوامل التعرية الطبيعية كالرياح والفيضانات والبراكين وبقية العوامل المؤثرة في الطبيعة. فالولايات المتحدة فيها العديد من الصخور المشهورة، لعل أشهرها صخرة ولاية يوتا، وصخرة ولاية كولورادو وصخرة ديغبي وبريهام مور وصخرة الفطر في كنساس، وفي زيمبابوي تشتهر صخرة شيرمبا، وفي المكسيك صخرة القبعة. وصخرة الشياطين في استراليا، والصخرة الذهبية في بورما. وتعتبر قبة الصخرة من أعظم الصخور الإسلامية، سيما إنها موجودة في المسجد الأقصى من جهة، ولمعالمها الإسلامية من جهة أخرى، لأنها كما يشير بعض المؤرخين بأن النبي محمد(ص) قد عرج منها إلى السماء في رحلته السماوية. إرتفاع قبة الصخرة لا يزيد عن المتر والنصف، ولعدم إنتظام شكلها فإن متوسط قطرها بحدود 15 ـ16 متر.
في العراق لا توجد صخور مميزة المعالم تصلح لإستقطاب السواح كما هو الأمر في بقية دول العالم، بالرغم من كون العراق يضم أقدم حضارات العالم وله من الأثار والمعالم الحضارية ما لا تجد له مثيل في بقية الدول. ولكن تبقى الصخرة المميزة وذات الأثر المشهود هو ما ينقص العراق لعهد قريب جدا. لكن في العراق الديمقراطي الجديد كل شيء تغير بما في ذلك الظواهر الطبيعية وأمور أخرى لا تقل غرابة عن الديمقراطية ذاتها وهي تستحق الفحص والمعاينة. ومنها صخرة عبعوب الجديدة التي تم إكتشافها مؤخرا بفعل عوامل التعرية الأخلاقية.
من المؤسف حقا عدم وجود براءة إكتشاف وإنما براءة إختراع فقط وهذا إجحاف كبير في حق المكتشفين! وإلا كان لأمانة العاصمة شرف نيلها بكل جدارة. فقد كشفت لنا عن صخرة عبعوب التي سترت نفسها سنوات في الظلام والجيف والمياه الآسنة دون أن تظهر للعيان. ولكن أن لها من بصيرة أمانة العاصمة الحادة، والساهرين على مجاري الوطن الفائضة، فهم يترصدون كل ما يقلق راحة العراقيين ويعكر عليهم صفو حياتهم الرغيدة. مهما حاولت الصخرة اللعوب الزوغان والإختفاء والتآمر، سيكون مصيرها الحتمي في متحف الأمانة مخزية مهانه.
هذا العبعوب الامين (أمين العاصمة وكالة) من أتباع آل البيت ويقتدي بهم، ولا يفوته شيئا مطلقا، إنه هدية ثمينة من التيار الصدري إلى الشعب العراقي. فمصلحة المواطن عنده فوق كل إعتبار، لذا تراه يستخدم كل الوسائل المتاحة من الطائرة السمتية والباخرة والزورق والسيارة والدراجة البخارية والهوائية ويمتطي البغل والجمل وأحيانا يمشي على أقدامه ذات الاصابع الذهبية للتعسس واللف والدوران في أحياء العاصمة وضواحيها للإطمئنان على راحة العراقيين، والتأكد من عدم وجود مشكلة لهم من الناحية الخدمية وفق إختصاصه الوظيفي.
هذا العبعوب الساهر، لا يهجع للنوم إلا بعد جولته الروتينية في العاصمة الغارقة بالرخاء والفائضة بالسعادة، بعدها ينام هو مرتاح الضمير. مرددا مع نفسه، الحمد لله لقد تجولت وتعسعست وشخصت وعالجت وعدلت فهجعت. هكذا ديدينه وفلسفته في المجاري والمنهولات! كيف لا! وهو من عناصر تيار إسلامي شعبي، يجسد كل القيم النبيلة، ويوالي آل البيت بحرفية المقلد لسيرتهم وقيمهم، فيشع جبينه المكوي بحدوة الحصان وطنية وكرامة وأخلاق إتجاه شعبه المفدى!
صرح اللهلوب نعيم عبعوب مكتشف الصخرة اللعوب بأن سبب فيضان بغداد هو صخرة تكفيرية ظلامية وزنها 150 كيلوغرام متخفية في منهولات مجاري العاصمة! وخرج بعده رئيس الوزراء ليؤكد كلام اللهلوب عن الصخرة المعادية لحكم أتباع أهل البيت. لكن أمر هذه الصخرة مثير فعلا، ولا نعرف كيف تواجدت في المنهول وهو كما يعرف العراقيون ضيقا ولا يمكن أن يستوعب صخرة بهذا الحجم اللهم إلا إذا فات جمل في خرم إبرة. كما إن بغداد أرض سهلية ولا توجد فيها صخور بهذا الحجم حتى لو نبشت تربتها من شمالها إلى جنوبها. والعجب في كيفية دخولها أو إدخالها في تلك الأنابيب الضيقة، ومتى أدخلت؟ وإذا إفترضنا إن نيزكا معاديا لحكومة المالكي قذفها إلى عراقنا المبتلى، فكيف صوب هذه الإصابة الدقيقة وحشرها في المنهول الضيق؟ وإذا إفترضنا جدلا بأن هناك فعلا صخرة في منهول ما، فماذا بشأن بقية المنهولات هل توجد فيها أخوات كان؟ وإذا إفترضنا جدلا إن كل منهولات بغداد فيها صخور عبعوبية، فماذا بشأن بقية المحافظات التي فاضت؟ هل هي مؤامرة الطبيعة على العملية السياسية؟
لا غرابة! فكل شيء ممكن طالما إن المالكي إذا عطس أحد أمامه يعتبرها مؤامرة فايروسية ضده. هذا هو منطق رئيس وزراء العراق، وهذه هي رؤيته للمشكلة التي أودت بحياة العشرات من العراقيين وحطت سقوف البيوت فوق رؤوس قاطنيها سيما الأطفال. بهذه الحجة السخيفة يختصر المشكلة العويصة، ويتعامل مع العراقيين كأنهم أطفال في حضانة لا يستوعبون الحقيقة كاملة. بهذه العقلية الحاكمة الضحلة يحولون نعمة الله إلى نقمة على عباده. طالما هم يعيشون في قلاع المنطقة الخضراء، بعيدا عن الهموم، فليذهب بقية الشعب إلى الجحيم أو الفيضان.
ويبدو إن صخرة العبعوب لم تكفِ لتبرير كل العيوب، لذا تمخض عقل المالكي الضال في فبركة الحال، بتبرير لا يقل ضحالة عن حجة الصخرة. بكل صفاقة يخاطب الناس منوها بأن “هؤلاء المتخاصمين السياسيين يحاولون العيش على معاناة الناس بعد ان أغلقوا بعض المجاري وقاموا بإقفال المحطات التي تصرف المياه واطلقوا الاشاعات والدعايات من خلال التظاهرات”.مع العلم إن المتخاصمين هم في الحقيقة حلفائه ـ من المجلس الأعلى والتيار الصدري ـ واعزا السبب الذي حدا بهم لهذا الفعل الشائن بمحاولة زحلقته منها، وحرمانه من الولاية ثالثة.
إن أمانه بغداد ومجلس المحافظة بيد الحلفاء وليست بيد التكفريين والمروانيين واليزيديين الجدد والظلاميين، وهناك عدة اشهر على الإنتخابات القادمة، فهل يا ترى وجه الحلفاء السابقون والأعداء اللاحقون ضربة إستباقية للمالكي وحزبه وهم من داخل الحكومة وليس من خارجها؟ ثم لماذا إعلان حرب المجاري من قبل الخصوم؟ ومن المتضرر منها؟ هل الحلفاء السفهاء في المنطقة الخضراء أم المواطنين الفقراء؟ وطالما إن المالكي كما نوه عدة مرات لديه من فايلات الفساد ما يحول قاعة البرلمان لحلبة مصارعة. فلماذا لا يواجه المتآمرين بضربة الملفات القاضية ويشل خصومه؟
لحد الآن لدينا سببان للمشكلة حسب رؤية الحكومة، هما صخرة العبعوب والحلفاء الأعداء. ولكن كالعادة لابد من إضافة أزلام النظام السابق كي تكتمل الحلقة، لذا صرح الماكي “ان البنى التحتية التي تعنى بتصريف المياه قد أهملت بسبب سياسة النظام السابق الذي توجّه نحو الحرب وأهمل البنى التحتية”. لسنا بصدد الدفاع عن النظام السابق الذي كانت ميزانية الدولة لا تزيد عن (12) مليار دولار سنويا، وتشرف عليها الأمم المتحدة، وكانت الخدمات التعليمية والصحية والبطاقة التموينية مجانيا وتجري وفق سياقات جيدة. لكن ما الذي فعلته حكومة المالكي ذات الميزانية التي تزيد عن(120) مليار دولار سنويا؟ ما الذي قدمته حكومة مختار العصر غير الكذب والدجل والمشاريع الوهمية والرشاوي والفساد الحكومي والأخلاقي؟ أين صرفت المليارات المخصصة لأمانة بغداد؟ هل شهد العراقيون فتح شوارع جديدة أو تبليط الشوارع القديمة أو إصلاح شبكات الماء والكهرباء وتصريف المياه؟
لم تنته القصة بعد! فقد أبى المالكي إلا أن يحشر الشعب أيضا كسبب رابع أدى إلى الفيضانات بقوله” بعض المواطنين يقومون بوضع المخلفات والاوساخ في المجاري حتى اغلقت ولم يحس الجميع بذلك الا عندما داهمنا المطر”. إنه لا يملٌ من حديث المداهمات!
أساسيات المشكلة إذن صارت أربعة، صخرة العبوب وإهمال الشعب والحلفاء الخصوم والنظام السابق. الطرف الوحيد الذي برأه المالكي ولم يعتبره السبب رالرئيس للمشكلة هو حكومته الجرباء! الحكومة بمنطقه الأعوج لا تتحمل المسؤولية ولا حتى جزءا منها، ربما السماء تدخل كطرف بإعتبارها مصدر المطر، لكن حكومة المالكي ليست طرفا!
المصيبة إن العبوب صاحب الصخرة بدلا من أن يمثل أمام المحاكم مع بقية شراذم الامانة ومجلس المحافظة عن الإهمال المتعمد والتسبب بقتل العشرات من المواطنين وإنهيار المئات من بيوت الفقراء، قام (مختار المطر) بترقيته من وكيل أمانة بغداد إلى أمين لبغداد خلفا لعبد الحسين المرشدي رغم أنف الشعب، ليثبت للجميع مقولة لويس الرابع عشر”أنا الدولة والدولة أنا”. فهو الحاكم الوحيد وطز في البرلمان والشعب وكل المؤسسات الحكومية. ولم لا وقد ثبت إن المطر متآمر ومشاغب لا يقدر عليه سوى العبوب بإسناد من قوات سوات لمكافحة المطر.
علقت رئيسة لجنة الخدمات النيابية على قرار رئيس الوزراء نوري المالكي بتعيين اللهلوب العبعوب أمينا لبغداد ” لو صح الكلام فأن ذلك كارثة في الدولة العراقية”. مضيفة بأن “لجنة الخدمات ستعيد فتح ملفات أمانة بغداد السابقة والحالية من جديد وستعمل على تصحيح الأخطاء”. تصوروا لجنة البرلمان الخدمية لا تعرف بتعيين العبوب وتقول إن صح ذلك! هذا العبعوب اللعوب سارق الجيوب سبق أن أعفي من منصبه عام 2008 بعد أن ثبت تورطه برشاوي وصفقات فاسدة. الغريب في الأمر أن يعفى العبعوب من منصبه السابق بسبب فساده خلال حكم المالكي، من ثم يرقى ثانية بسبب صلاحه في زمن المالكي أيضا! هل هذه أحجية أم ماذا؟
وهل خلى العراق من الخبراء والمهندسين والشرفاء ولم تبقُ سوى نفس الوجوه الكريهة تتكرر علينا؟
قيل سابقا بأن الحياة أفكار واقوال وافعال. وها قد قرأنا أفكار المالكي، وسمعنا أقواله، وخبرنا أفعاله، فما الذي يمكن أن يرتجى منه. ثمان سنوات من الكذب والدجل والفساد الحكومي والخلل المتعمد ومع هذا لم يعترف ولو لمرة واحدة فقط بأن حكومته قد إرتكبت خطأ يستوجب المكاشفة مع الشعب والإعتذار منه.
ثمان سنوات من الزيف والوعود الكاذبة بالأمن والتعمير والتقدم وتوفير الخدمات وحل الأزمات وتبين إنها أشبه بقوارب من ورق ما ان تلامس مياه الواقع حتى تتحطم وتتلاشى. في معظم دول العالم ماعدا العراق وجيرانه سوريا وإيران، عندما يخطأ الزعيم يرفع رأسه بصراحة مكاشفا بالحقيقة ومتحملا المسؤولية كاملة، لكن في هذه البلدان يطأطأون رؤوسهم في الرمال بكل وقاحة كأن الأمر لا يعنيهم.
لكن هل المالكي فقط على خطأ، ويتحمل المسؤولية كلها؟
بالطبع لا! كل الذين يشاركون في العملية السياسية من أشباه الرجال في البرلمان والوزارات يتحملون المسؤولية في خراب العراق. وكل المرجعيات الدينية والمتبرجين بطلاء الدين المزيف المتعاطفين مع حكومة الضلال يتحملون وزرا مما يحدث. وكل من أخرج بضاعته الفاسدة من مخازن الماضي القديم ومحى تأريخ صلاحيتها، ووضع تأريخا جديدا عليها وسوقها للناس سموما فتاكة، يتحمل جزءا من المسؤولية أمام الله وأمام الشعب المقهور. وكل من ساهم في إنتخاب هذه الحكومة من ذوي الأصابع البنفسجية يتحمل مسؤولية ما يحدث، لأنه لا التجارب السابقة صهرتهم، ولا المحن المتتالية صقلتهم.
الأهم من هذا كله هل يستذكر العراقيون الفيضانات الحالية ومعاناتهم منها ومنبقية الأزمات في الإنتخابات القادمة؟ أم سيعملون وفق قاعدة عفى الله عما سلف! لكي تتكرر الماسأة من جديد. إذا كان الأحمق هو من يُلدغ من جحر واحد مرتين. حسنا، بماذا توصف الذي يلدغ من نفس الجحر مرة ثالثة؟ نترك صياغة الوصف لنباهتكم.
علي الكاش