إن استشهاد عبد القادر صالح وكثير من قيادات الثوار في المعارك ضد النظام، يبين عظمة هذه الثورة التي يقاتل قادتها في الصفوف الأولى ويضحون بأنفسهم في سبيل مبادئهم، ولا يختبئون كما يفعل الأسد وأعوانه.
لا تقوم الثورة السورية على شخص البطل عبد القادر صالح وحده،. مع إدراكنا أن رجلاً بحجم الشهيد يستحق أن نتوقف عند اغتياله، خاصة في هذه المرحلة المفصلية من عمر الثورة السورية.
حذرنا من الاغتيالات وطالبنا قيادات الثوار في الداخل وأعضاء التنظيمات القتالية جميعهم بتوخي أعلى درجات الحذر لتجنب الوقوع في كمائن النظام، وقد كنت حذرت منذ أكثر من سنتين مما يحدث اليوم. فكيف إذاً وقد رأى الثوار محاولة اغتيال رياض الأسعد، وقبل ذلك اغتيال القائد الفذ يوسف الجادر في حلب، واستشهاد المقدم ياسر العبود في درعا، واليوم نشهد اغتيال رجل لا نظير لأدبه واعتداله ومهارته القتالية، أفلا يستحق ذلك من قيادة الكتائب المقاتلة أن تتصرف بحذر شديد.
إن الخسارة التي وقعت فيها الثورة السورية باستشهاد “حجي مارع” خسارة ثقيلة بكل المقاييس، مع تأكيدنا على أن استشهاد الرجل يجب أن يتحول إلى أيقونة تعيد إلى الثورة وهجها وألقها الذي بدأنا نثير حوله كثيراً من علامات الاستفهام.
جاء استشهاد قائد لواء التوحيد، وفاتح حلب، قبل أيام فقط من إعلان توحيد الفصائل الكبرى المقاتلة في حلب، ولهذا لا يمكن أن يكون اغتياله بالأمر البسيط أو العبثي أو بهدف التخلص من رجل واحد، فعبد القادر كان جيشاً وحده.
من المؤكد أن هدف الغرب والشرق القضاء على الجيل الأول من الثوار السوريين قبل رحيل الأسد، وبهذا فهم يضمنون وصول بديل مناسب مستعد لتشكيل جيش صحوات يحارب به الإسلام والمسلمين.
لم يعد مقبولاً بعد اليوم، أقصد بعد استشهاد عبد القادر، وبعد سقوط السبينة والحجيرة وقارة، أن ينشغل الثوار بالهجوم على بعضهم بعضاً لا إعلامياً ولا ميدانياً. فقد أصبح بعض الثوار يحارب بعضهم الآخر، وهذا ما يطمح إليه الأسد بالضبط، وللأسف فإن منّا من يوجه سهامه لجبهة النصرة أو بعض الكتائب الإسلامية بدل توجيهها للأسد وشبيحته. وإن كان هناك بعض الملاحظات خاصة على انسحاب جيش الإسلام من السبينة والحجيرة وقارة، فإننا نطمع بشدة أن يقوم السيد زهران علوش بتوضيحها بالسرعة القصوى.
أكاد أجزم أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في المجلس الوطني وائتلاف المعارضة لعبوا دوراً خطيراً فيما يقع في جبهات القتال، فالمعارضة السياسية مهتمة اليوم بحضور مؤتمر جنيف والتحضير له وتشكيل وفوده، بينما ينصب اهتمام قسم آخر منها على تشكيل نوع جديد من الصحوات أو البلطجية أو الشبيحة لمهاجمة الإسلاميين، ولكن هذه المرة بسلاح أمريكي. ناهيك عما حدث من تقصير في تسليم السلاح في القصير وتلكلخ والسفيرة. ولهذا فإنني لا أعفي الائتلاف مما حدث من تراجع ميداني واضح للثوار على جبهات عديدة.
ومما يصب في هذا الإطار أن الائتلاف بنرجسيته أو بجهله أو بتعاونه مع الولايات المتحدة يقوم ببث التفرقة بين الفصائل المقاتلة ضد بشار الأسد، ويكفي أن نتذكر تصريحات الجربا عن اختطاف الثورة السورية من قبل الإسلاميين، أو تصريحات لؤي المقداد، و الصباغ عن “إرهاب جبهة النصرة”.
اليوم تتسرب أخبار عن بدء تشكيل كتائب في المنطقة الشرقية تتبع مباشرة لبعض أعضاء الائتلاف وإننا نرغب أن يقوم أولئك الأعضاء بنفي ذلك صراحة. كما نرغب أن يقوموا بتوضيح موقفهم الدقيق من الكتائب المقاتلة في سورية.
اليوم لا مجال إلا لوحدة الفصائل جميعها وتوجيه السلاح للأسد وحسب، فلا بد أن تتحرر سورية سريعاً، أفلا يكفي أن يستشهد أكثر من مائتي ألف في البلاد وتدمر المدن كلها. ولا يكفي أن جنوب دمشق قد أصبح مناطق شيعية ترتفع على مساجدها رايات حزب الله. فماذا ينتظر الثوار حتى يكونوا صفاً واحداً ويداً واحدة في مواجه الأسد وحلفائه.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام. فرنسا