انهارت الجولة الأولى من المحادثات النووية مع إيران في جنيف في مطلع هذا الشهر عقب فشل مجموعة “الخمسة زائد واحد” في التوصل إلى إجماع حول اتفاق قصير الأجل كان من شأنه أن يخفف العقوبات ويسمح لإيران بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم عند مستويات منخفضة. وقد توقفت المحادثات على ما يبدو بعد مطالبة فرنسا بأن تتوقف إيران عن بناء مفاعل المياه الثقيلة في أراك، وهناك توقعات بأن المملكة العربية السعودية، جنباً إلى جنب مع إسرائيل، ربما كانتا “اليدان الخفيتان” اللتان توجهان مسار المفاوضات. وقد سألَتْ سيسلي هيلاري من إذاعة “صوت أمريكا” السيد سايمون هندرسون من برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن عن الدور المحتمل للمملكة العربية السعودية في الأزمة.
هندرسون: مبعث الفضول أن السعوديين يتبنون نفس الموقف الذي تتبناه إسرائيل إلى حد كبير. فهم يشعرون بالتهديد من إيران، ويشعرون إن هذا التهديد سيزداد لو أصبحت إيران دولة نووية. ولا يصدقون مزاعم الإيرانيين بأن برنامجهم النووي هو لأغراض مدنية. وهم ليسوا على يقين من موقف الولايات المتحدة ولديهم قلق بالغ من أن تبرم الولايات المتحدة اتفاقاً سيئاً. وربما الأمر الأقل ملاحظة، من موقف [رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين] نتنياهو، لكنه ليس خفياً، أن السعوديين نشطاء جداً في تكوين جماعات الضغط في ظل غياب الولايات المتحدة، حيث يبدو أنهم قد تخلوا [عن إقناعها]، فقد كانوا يعملون بكل تأكيد على حشد الفرنسيين، ويمكن للمرء أن يفترض أنهم عملوا على حشد البريطانيين أيضاً، وغيرهم من الجماعات الهامة الأخرى إلى جانبهم.
هيلاري: ما الذي تعرفه عن محادثاتهم مع الفرنسيين؟
هندرسون: حسناً، هناك عدد من نقاط المرجعية المحدودة حول هذا الأمر. من بينها ذلك الخبر الذي ظهر في صحيفة “وول ستريت جورنال” في 21 تشرين الأول/أكتوبر والذي يقول أن “رئيس المخابرات السعودية يبتعد وينفصل عن الولايات المتحدة”. لقد كان ذلك عندما تحدث الأمير بندر إلى “الدبلوماسيين الأوروبيين”. وقد كان “الدبلوماسي الفرنسي” المعني هو السفير الفرنسي. أقصد أنه لم يقل ذلك. كما أن صحيفة “وول ستريت جورنال” لم تكشف النقاب عنه هي الأخرى. لكن قيل لي إنه كان السفير الفرنسي.
وفي التقرير اللاحق الذي لا أعلم مصدره، رداً على السؤال – الذي لا أعرف تحديداً كيف طُرٍح عليه – “إذا كنتم لا تعملون مع الولايات المتحدة، فمن الذي ستعملون معه بحق السماء؟” كانت الإجابة فرنسا والأردن. لقد كانت تلك إجابة واضحة تنطبق على وجه الخصوص على سوريا. فتلك معلومة.
المعلومة الثانية أنه في بداية تشرين الأول/أكتوبر – 7 أو 8 تشرين الأول/أكتوبر- ذهب وزير الدفاع الفرنسي إلى جدة، وكان ينظر إلى تلك الزيارة على أنها مسعى لتأمين التوقيع على عقد دفاع جديد. وقد وصل في نفس يوم زيارة الرئيس المصري المؤقت، عدلي منصور، وهو – بالنسبة للسعوديين – الأمر الأكثر أهمية بشكل واضح، لأن السعوديين مبتهجون للإطاحة بمرسي في القاهرة وقدموا الدعم للنظام الجديد. لكن رغم أن ذلك كان يوماً مزدحماً للملك عبد الله، إلا أن العاهل السعودي قابل أيضاً وزير الدفاع الفرنسي. لذا أجد أن ذلك الأمر كان جديراً بالملاحظة.
ثم بعد ذلك في 21 تشرين الأول/أكتوبر حضر [وزير الخارجية الأمريكي جون] كيري مأدبة غداء مع [وزير الخارجية السعودي] سعود الفيصل في باريس، كما أفادت الأنباء عن تواجد سعود الفيصل في باريس أيضاً، وتحدثه مع الفرنسيين، لذا فكل هذه الأمور تتوافق مع بعضها البعض. وفي أغلب الأحيان لا تستطيعين الوقوف على آثار مسرح الجريمة، لكن في هذه الحالة، يمكنكِ أن تقفِ على تلك الآثار إن راق لكِ تعبيري.
هيلاري: ماذا عن المملكة العربية السعودية وإسرائيل؟ إنهما بالتأكيد رفيقان غريبان، لكن العلاقة بينهما آخذة في الدفء شيئاً فشيئاً، من حيث معارضتهما لإيران على الأقل. هل هناك تواصل بين البلدين حول هذه المسألة؟
هندرسون: كلا، ليس هناك أي تنسيق تم الإبلاغ عنه بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، لكن الجميع يفترضون أن هناك نوع من التنسيق. أعرف، بل إنني في الواقع كتبت عن ذلك منذ سنوات قليلة أنه في أواخر تسعينيات القرن الماضي، طوّر السعوديون والإسرائيليون قناة استخبارات خلفية، بما يشبه وضع الهاتف الأحمر الذي يُضرب به المثل، حيث إنه حتى وإن لم يروقوا لبعضهم البعض ولم يتفقوا مع بعضهم البعض، إلا أنهم يستطيعون على الأقل أن يطلعوا بعضهم البعض على أسباب عدم اتفاقهم، بدلاً من تمرير المعلومات من خلال أطراف ثالثة. ليس لدي شك في أن هناك على الأرجح مستوى محسّن من الاتصالات، ليس فقط على المستوى الاستخباراتي، لكن على المستوى السياسي، بحيث يقف كل جانب على ما تفكر فيه القيادة السياسية في الجانب الآخر.
كما لدى الإسرائيليين نوع من العلاقة غير العلنية مع الإمارات العربية المتحدة، وهذه العلاقة قائمة لبعض الوقت وتعززت بفضل تصور الإمارات تجاه إيران.
هيلاري: هناك سؤالان أساسيان حقاً في هذه المرحلة. في 20 تشرين الثاني/نوفمبر، سوف تحاول مجموعة “الدول الخمسة زائد واحد” استئناف المحادثات. وهذا يمنح السعوديين وإسرائيل عشرة أيام إضافية “لإحداث فوضى”. والسؤال الأول هو، هل شكوكهما ومخاوفهما مشروعة من وجهة نظرك؟ والسؤال الثاني، ما الذي يمكن أن نتوقع رؤيته على مدى الأسبوعين القادمين؟
هندرسون: الواقع أن الجدول على مدار الأسبوعين القادمين أكثر ازدحاماً من ذلك. تجدر الملاحظة أن المدير العام لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» يوكيا أمانو، كان في طهران ووقع على هذا الاتفاق. لكن الشيء الذي لا يغطيه الاتفاق هو جانب آخر كانت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» تضغط حوله على إيران، وهو وضع حل لما تطلق عليه «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» “الجوانب العسكرية المحتملة”. وهذا يعني بالأساس “ما الذي كان الإيرانيون يفعلونه بحق السماء في بارشين؟” يقول الإيرانيون إنهم لم يفعلوا شيئاً. وتقول الوكالة “هذا لا بأس به. تعالوا معاً لنتثبت من ذلك”. ويقول الإيرانيون “لا يوجد شيء هناك، لا يوجد ما يمكن تفحصه”، وهذا وضع غير مرضٍ على الإطلاق.
الشيء الآخر أنه في نهاية هذا الشهر سوف يُعقد الاجتماع القادم لمجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في فيينا، حيث ستتم مناقشة مسألة إيران مرة أخرى. وسيكون ذلك في 28 تشرين الثاني/نوفمبر. سوف تُركز المناقشة بصفة أساسية على آخر تقرير لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» حول إيران، والذي سيتم توزيعه على الحكومات الأعضاء قبل الاجتماع، ورغم أنه من المفترض أن يكون هذا التقرير سرياً، إلا أنه سيجري تسريبه خلال ثوانٍ معدودات. وعادة ما يكون توقيت ظهور هذا التقرير إلى النور هو عشرة أيام قبل الاجتماع – أي في 18 تشرين الثاني/نوفمبر تقريباً – وهذا أمر مثير للاهتمام لأنه يسبق الجولة الثانية من محادثات جنيف المقررة في 20 و21 تشرين الثاني/نوفمبر. ولا يمكن للمرء سوى أن يخمن، ماذا لو قاموا بتركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزي – لأنهم في الوقت الراهن قاموا بتركيب نحو 19,000 ويشغلون منها 10,000 جهاز، منها 1000 جهاز طرد تعمل بتقنية IR2ms. ولو تغيرت هذه الأرقام – وبصراحة سوف تتغير على الأرجح نحو الأعلى – فسيكون ذلك مؤشراً على تقدمهم وربما على حسن نواياهم كذلك – رغم أنني متردد في استخدام مصطلح “النوايا الحسنة” لأنني أتبنى وجهة نظر متحيزة ولا أعتقد أن لديهم نوايا حسنة. ولكن من يعلم؟ ربما يكونون من الدهاء بما فيه الكفاية بحيث لا يركّبون في الواقع أي أجهزة جديدة ويقللون من عدد الأجهزة العاملة، وهو ما سيزيد فقط من ربكتنا وحيرتنا.
هيلاري: ما الذي نعرفه عن النوايا النووية للمملكة العربية السعودية؟ هناك ضجيج حول تحول المملكة العربية السعودية إلى دولة نووية بمساعدة باكستان، ثم إنكار لهذه التقارير.
هندرسون: يتوقع المرء ذلك الإنكار، من باكستان على الأقل. لقد قدّمت المملكة العربية السعودية بياناً، لكنه ليس إنكاراً، أعطته لهيئة الإذاعة البريطانية في يوم بث البرنامج (برنامج “نيوزنايت” من الـ بي بي سي، 6 تشرين الثاني/نوفمبر)، لأن هيئة الإذاعة البريطانية قالت “سوف نبث هذا البرنامج الليلة. فما الذي ستقولونه بشأنه؟” ولهذا قاموا بنشر هذا البيان. وإذا قرأتِ هذا البيان، ستعرفي أنه ليس إنكاراً. وهذا برأيي تعليق مثير للاهتمام.
إنني مقتنع تماماً بوجود مثل هذا الترتيب. وقد وصفتُ ذلك الأمر في الماضي بأنه تفاهم. ولكنه ربما يكون أفضل من التفاهم. وقد قام شخص بتصحيحي في يوم لاحق وقال إن هناك مذكرة تفاهم وهو ما يشير إلى وجود وثيقة مكتوبة فعلياً. وعليّ أن أتتبع ذلك الأمر. لكن أنا أعتقد أن هذه هي طريقة تفكير البلدين، ونعرف أنهما يفكران بهذه الطريقة، ونود منع هذا الأمر لأنه لو تحولت المملكة العربية السعودية إلى دولة نووية أو كان لها وضعاً مراوغاً، فإنها ستغير الشرق الأوسط وتجعل الدبلوماسية الأمريكية أكثر صعوبة.
هيلاري: لكن هل هذا مجرد تهديد لإيقاف إيران – أم هل تعتقد أنهم ملتزمون به؟ أقصد طالما أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، فإن “أي دولة أخرى في المنطقة” سوف تريد امتلاك تلك الأسلحة هي الأخرى.
هندرسون: حسناً، نعم، لكن الإجابة على هذا السؤال هي أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية منذ أواخر ستينيات القرن الماضي على الأرجح وفي مطلع السبعينيات بشكل مؤكد. ومع ذلك فإن المملكة العربية السعودية لم تفكر في ذلك سوى الآن، أو ربما أنها تفكر في ذلك على مدار السنوات العشر الأخيرة. وبمعنى آخر، فإن التفكير في ذلك جاء رداً على إيران، وليس إسرائيل. حسناً، أعرف أن [الرئيس العراقي السابق] صدّام [حسين] مضى في طريق الحصول على الأسلحة النووية وأعلم أن [الزعيم الليبي السابق معمر] القذافي كان يتلاعب لكن واقع قيام صدّام والقذافي بذلك يثبت وجهة نظري: سوف يسعى المجانين دائماً للحصول على أسلحة نووية. لذا سيقول الإسرائيليون “مع وجود مثل هؤلاء المجانين حولنا، فإننا نريدها”. لكن مع الدول الأكثر عقلانية، فإنهم ربما لن يكونوا بحاجة إليها.
هيلاري: المفارقة هنا أن أكبر المعارضين لهذا الاتفاق النووي هم من سيحققون أكبر استفادة من عدم تحول إيران إلى دولة نووية. وإسرائيل والمملكة العربية السعودية هما أكبر المعارضين. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإلى أي مدى ستزداد خطورة هذه المنطقة؟
هندرسون: سوف تصبح بالغة الخطورة. في هذه اللحظة، كما ترين، نحن لا نتحدث عن اتفاق. نحن نتحدث عن تفاوض […] وإطار عمل. كما أن موقف إسرائيل حيث أن نتنياهو تحدث علانية أكثر من أي شخص آخر، على غرار الفرنسيين، أن هذا أكثر سهولة بكثير بالنسبة للإيرانيين.
ووجهة نظري الشخصية أن الأمر كذلك. أقصد أنه من أجل المضي قدماً في المفاوضات، فإن الولايات المتحدة والغرب مقتنعون نوعاً ما برواية الإيرانيين، وهي “أن برنامجنا سلمي. وأنه كان يصطبغ دائماً بالصبغة السلمية. لم تكن لدينا مطلقاً أي نوايا بأنه ينبغي أن يكون أي شيء غير كونه سلمياً. لذا اقبلوا ذلك وربما سنتفاوض عليه بحيث يمكنكم المجيء والتحقق من أن هذا هو الحال”. لكنه في واقع الأمر من أجل القيام بذلك، سيتعين على الولايات المتحدة والغرب رفع العقوبات، أو بعضها.
هناك مقال في صحيفة “ويكلي ستاندارد” كتبه إليوت أبرامز، الذي اقتبس من رسالة دبلوماسية أمريكية نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” للمرة الأولى. وهي ترجع إلى ما قبل الاستيلاء على السفارة [الأمريكية] في طهران عندما كتب القائم بالأعمال آنذاك مذكرة لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن وضع التفاوض مع النظام الثوري الجديد لآية الله الخميني، ولا يزال محتواها جيد بشكل استثنائي. والواقع أن إليوت أبرامز لديه نقطة هادفة هنا. ولكن، بصراحة، على أساس المذكرة التي يتحدث عنها، أعتقد أنها نقطة مشروعة.
هيلاري: إذن ما هي المُحصلة؟ هل سنرى اتفاقاً مرحلياً في تشرين الثاني/نوفمبر أم ستتحطم احتمالات حدوث ذلك؟
هندرسون: أعتقد أن ما تريده إسرائيل وما تريده فرنسا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هو نوع من الحفاظ على الجبهة التي تقول إن إيران لا تمثل أي خير، بدلاً من الجبهة التي تقول “لا نستطيع أن نجعل ذلك ناجحاً إلا إذا افترضنا أن إيران بريئة ونحن لا نحاول سوى الحصول على مقاييس للتأكد من براءتها”. وتلك الدول ترى أن هذه الرؤية ساذجة بشكل ميئوس منه.
والآن ماذا عن البلدان الأخرى؟ مثل بريطانيا؟ لست متأكداً من موقفها حيال هذه المسألة. ولست متأكداً من موقف ألمانيا كذلك. إن تركيبة الدول الخمس دائمة العضوية تروق للصين وروسيا لأنها تضفي عليهما مكانة عالمية، لكنني لا أعتقد أن لديهما أي مبادئ أخلاقية محددة عرضة للخطر. وموقف الولايات المتحدة في رأيي يقوم بشكل مؤكد على التفاؤل ويمكن أن نصفه أيضاً بأنه تفاؤل ساذج.
سايمون هندرسون