تشهد ليبيا حالة من الهلع والرعب مع حذر شديد بعد مجزرة طرابلس التي وقع خلالها أكثر من 45 قتيلا ومئات الجرحى ما جعل مراقبين يتحدّثون عن إمكان اندلاع حرب أهلية ذات أبعاد قبلية عرقية وسياسية إيديولوجية بين مختلف الفصائل والكتائب المسلّحة الليبية.
تفاصيل المجزرة تعود حسب تصريحات المتحدّث باسم الدّفاع الليبي الأسبق العقيد عادل البرعصي للشروق إلى بعض “الأعمال غير المسؤولة” التي صدرت من أفراد تابعين للكتائب التي رفضت الخروج من طرابلس بعد سقوط نظام العقيد معمّر القذافي، البرعصي أكّد أنّ هذه الكتائب بقي لها دور كبير جدا في تأمين وحماية طرابلس بشرط الالتزام بأوامر الداخلية والدّفاع، إلا أنّ بعض الانحرافات التي صدرت منها جعلت الشارع الطرابلسي ينتفض ضدّ بقائها في المدينة، وهو ما دفع بدوره المجلس المحلّي بطرابلس إلى الدعوة لخروجها، إلا أنّ عدم امتلاكه للقدرة الكافية لحماية المدينة حال دون ذلك، إلا أنّه رفض الحديث عن الجهة المتسببة في الأحداث الدامية خصوصا وأنّ كل طرف يتّهم الآخر، ففي حين وجّهت أصابع الاتهام إلى الكتائب الرابضة في فيلات الزعيم الليبي بمنطقة غرغور بأنّها استهدفت متظاهرين سلميين حملوا الأعلام البيضاء وراية “الاستقلال” الليبية؛ حمّل المجلس المحلّي بمصراتة مجلس طرابلس المسؤولية الكاملة عن الأحداث. الإضطرابات وإن كانت حتّى الساعة لم تتخذ بعدا إيديولوجية كما يشدّد البرعصي للشروق ويؤكّد أنّ “الكتائب ذات البعد الإسلامي ليس لها أي دور في هذه الأحداث سواء بالسلب أو الإيجاب”، إلا أنّه صنّف ما وقع على أنّه أمر خطير وغير مرغوب في تكراره خصوصا إذا أخذ بعدا قبليا ومناطقيا عند الحديث أنّ الكتيبة المتّهمة بالمسؤولية تنحدر من منطقة مصراتة، كما حذّر كل من يريد زعزعة الاستقرار بأنّ القوّات المسلّحة على أهبة الاستعداد لفض أي تطوّرات سلبية في الموضوع، وعند سؤاله عن إمكانية فرض الخروج عليها من طرابلس بعد هذه المجزرة، قال بأنّ ذلك ما حدث، وصدرت تعليمة بخروجها، إلا أنّ الكتيبة اشترطت لذلك خروج باقي الكتائب المنتشرة في طرابلس، وهي في غالبها تنحدر من المنطقة الغربية لطرابلس خلافا لها.
مصراتة تدفع بكتائب إضافية إلى طرابلس وتاجوراء تشتغيث
من جهته، كشف ممثل مدينة تاجوراء الليبية بأن المدينة تتعرض للقصف وحصار من قبل مليشيات مصراتة، التي تزحف على العاصمة طرابلس. وناشد ممثل مدينة مصراتة في البرلمان الليبي، الحكومة لتتدخل وتوقف تقدم قوات مصراتة نحو العاصمة، وقال المتحدث في مؤتمر صحفي عقد السبت إن سكان تاجوراء وقواتها حاولوا إقناع ميليشيات مصراتة بالتوقف عن الزحف نحو العاصمة، لكن الجواب كان قصف المدينة وحصار أهلها والعهدة على الراوي.
ومازالت الاشتباكات تتصاعد في منطقة “غرغور” بطرابلس عقب إطلاق النار عليهم في مسيرة للمطالبة بإخلاء العاصمة من التشكيلات المسلحة. وهاجم مسلحون الجمعة مقار إحدى المليشيات في جنوب العاصمة الليبية طرابلس وأضرموا النار فيها، حسب ما أفاد شهود. وقال شاهد عيان لوكالة فرانس برس “دخل مسلحون من أهالي طرابلس حي غرغور، وأحرقوا كل الفيلات التي كانوا يحتلونها (أفراد المليشيا) لمنعهم من العودة إليها، وقد تحصن أغلب أفراد المليشيا في فيلا واحدة، لكن الخناق يضيق عليهم”.
ومن جهة أخرى، قال أحد قادة كتائب “غرغور” إن المتظاهرين هم من بدأوا بإطلاق النار، وهو ما نفاه عدد من المتظاهرين الذين أكدوا على سلمية مظاهرتهم وشرعية مطالبهم.
ودعا الأئمة الخطباء خلال صلاة الجمعة ساكنة طرابلس بالخروج في مظاهرات سلمية للمطالبة بإخلاء المدينة من المظاهر المسلحة، واتفق الأئمة على التوجه أمس الجمعة إلى منطقة “غرغور” باعتبارها في وسط العاصمة، على أن تنطلق مظاهرات أخرى في الأيام القادمة لتتوجه إلى بقية التشكيلات المسلحة الموجودة على أطراف المدينة.
الكتائب والألوية بديلا عن الجيش الليبي
اللواءات الثورية، وهي وحدات قتالية تشكّلت من الجماعات المقاتلة التي ظهرت في مصراتة وزنتان. ففي مصراتة، اعتبارا من شهر نوفمبر 2011، تم تسجيل 236 كتيبة ثورية في اتحاد ثوار مصراتة، وهو ما يكون ما يقرب من 40000 عضو. في حين أنّ اللواءات غير المنظمة تعتبر كتائب ثورية انفصلت عن سلطة المجالس العسكرية المحلية في المراحل المتأخرة من الحرب وهي ذات توجّهات عشائرية، الكثير منها منتشر في مصراتة، ومن جهة أخرى تنتشر ما يسمّى بـ”لواءات ما بعد الثورة” التي ظهرت لملء الفراغ الأمني الذي خلّفته هزيمة قوات القذافي. وشاع ظهور هذه الكتائب في الأحياء الموالية للحكومة أو الموالية للقذافي مثل بني الوليد أو سرت، لكنها ظهرت أيضًا في مدن وبلدات أخرى كانت أقل تضررًا من النزاع.
ورغم المحاولات التي بذلتها الحكومة الليبية من أجل ضمّ هذه الكتائب إلى الأجهزة الأمنية والجيش الليبي، إلا أنّ الكثير من هذه الألوية والكتائب رفضت ذلك، وعبّرت عن عدم ثقتها في وزارة الدّفاع ولا الجيش الوطني الليبي، مؤكّدة في العديد من تصريحاتها أنّ مهمّتها “حراسة الثورة”.
1700 جماعة مسلّحة تحبس أنفاس ليبيا
رغم أنّ الحكومة الليبية أعلنت عقب مقتل السفير الأمريكي في بنغازي تفكيكها لجميع المليشيا المنتشرة في عموم البلاد وعلى رأسها “أنصار الشريعة” المعروفة بتوجهاتها الإسلامية، والتي تعتبر أكثر الكتائب تسليحا وتنظيما وقوّة، وهو ما حصل وفق ما صرّح به، إلا أنّ كتيبة شهداء 17 فبراير، وتعتبر هذه الكتيبة أكبر وأفضل الميليشيات المسلحة في شرق ليبيا، وتحصل الكتيبة على تمويلها من وزارة الدفاع الليبية، وكتيبة شهداء أبو سليم وكتائب الشهيد راف الله السحاتي وقوة درع ليبيا التي تبدو الأوسع انتشارًا في شتى أرجاء ليبيا. وتشبه تحركاتها وتصرفاتها كثيرًا وحدات الجيش النظامي الاعتيادية. وترفع القوة تقاريرها إلى وزارة الدفاع الليبية. وفي غرب ليبيا أيضا تنتشر العديد من الكتائب، المجلس العسكري لثوار الزنتان ولواء سعدون السويحلي والسويق والقعقاع وغيرها الكثير التي تخدم الأهداف الإيديولوجية والقبلية والمناطقية والعرقية.
(الشروق)