شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة سيلا من الصور والفيديوهات لنساء تبحثن وسط القمامة عما يسد رمق عائلتهن أو لآخرين تخطوا حاجز الكبرياء ومدوا يدهم للغير طلبا للطعام أو المال.
يحدث ذلك في بلاد تعد من أغنى وأثرى بقاع الأرض، بلد فاقت إيرادات صادراته من النفط 336 مليار دولار لسنة 2012 فقط.
يتعلق الأمر بمملكة الذهب الأسود، العربية السعودية التي يعتقد الكثير من الناس أن كل ساكنيها ينعمون بالحياة الرغدة بفضل ما تجنيه من أرباح البترول.
واختلفت تقديرات الخبراء حول حجم هذه الفئة من المجتمع، في ظل غياب كلي لإحصائيات رسمية سواء من الجانب السعودي الذي ينكر وجود حالات الفقر المدقع هذه على تراب المملكة، أو من جانب منظمات دولية تعتبر أن الفقر في السعودية “نسبي”.
أين يكمن الخلل؟
في تصريح لموقع “راديو سوا”، يرى المحامي والحقوقي السعودي وليد أبو الخير أن الفقر في السعودية يعني “الفساد” بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث أنه “من غير المعقول أن تعرف دولة تعتبر أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم فقراً بهذه الحدة”.
وفي تفسير لما يقصده بالفساد في المملكة، يسترسل الحقوقي السعودي قائلا “إن هناك نخبة تستفيد من ثروات البلاد في حين أن غالبية الشعب لا تجد ما يكفي لسد حاجياتها”.
ويضيف وليد أبو الخير أن “هناك فجوة هائلة ما بين الفرد السعودي العادي وحكام المملكة. نحن نتكلم عن أناس تصنفهم مجلة فوربس من أغنى أغنياء العالم”.
ولا يفوت الحقوقي السعودي فرصة التعبير عن امتعاضه لكون “أمير سعودي يدفع 500 ألف دولار لمجالسة ممثلة أميركية لمدة 15 دقيقة بينما يمكن لهذا المبلغ في السعودية أن يغطي تكاليف معيشة عشرات العائلات في مدن كبرى مثل الرياض وغيرها”.
وفي السياق نفسه ، يشير أبو الخير بأصابع الاتهام إلى “السلطة السياسية التي تتحكم بالقوة وبالبطش بكل موارد الدولة دون حسيب أو رقيب وتعاقب كل من سولت له نفسه فعل ذلك بالسجن”.
مناطق مهمشة
“نعم هناك صور كثيرة للفقر في المناطق النائية”، يؤكد الحقوقي السعودي أبو الخير، معتبرا أن السبب الرئيسي لهذا الوضع هو “تجاهل السلطات التام لهذه المناطق”.
ويوضح أن تجاهل السلطة لهذه المناطق يرجع لكون الاهتمام بمنطقة نائية لن يكون عنده مردود إيجابي على السلطة السياسية نفسها.
ويضيف “الاهتمام لا ينصب على ما هو في مصلحة المواطن بل على ما هو في مصلحة السلطة نفسها (…) وبالتالي فإن المواطن الذي يعيش في الشمال أو الجنوب لا يدخل في هذه المعادلة بينما المواطن الذي يعيش في جدة أو الرياض هو ضمن المعادلة ليس لكونه جدير بالاهتمام ولكن لأنه في منطقة نفوذ يراد منها أن تكون واجهة للسلطة السياسية نفسها”.
ويشير المستشار الإقليمي السابق في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإيسكوا) في قضايا الفقر والأهداف الإنمائية للألفية، أديب نعمة، من جانبه، إلى “التفاوت الصارخ” بين توفر الخدمات وكل وسائل الرفاهية في مراكز المدن والغياب الكلي لهذه المقومات في أماكن أخرى بعيدة أو نائية تفتقر إلى بنى تحتية بل وحتى إلى “مساكن لائقة تحترم الكرامة الإنسانية”.
ويعتبر الخبير أن طابع التفاوت بين المناطق هو خاصية سعودية نظرا لكبر مساحة البلاد:
آفات اجتماعية بالسعودية
يقر الناشط الحقوقي وليد أبو الخير بتفشي الكثير من الظواهر السلبية في السعودية كتجارة المخدرات والسرقة وغيرها من السلوكيات التي “تنم عن حالة من الغضب والحنق والقلق”، دون الخوض في قضية دعارة السعوديات سواء على تراب المملكة أو خارجها.
إلا أن الكاتب السعودي محمد آل الشيخ نشر مؤخرا تغريدة على موقع تويتر طالب فيها بمواجهة بطالة السعوديات لكونها “سبباً في امتهان بعضهن الدعارة بدبي”. وقد أثارت هذه التغريدة ردود فعل قوية لدى السعوديين:
وردت الحقوقية السعودية سعاد الشمري على آل الشيخ بأن عدم تقبل الفكرة نابع من رفض “الاعتراف بالفشل في حماية منظومة الأخلاق والفضيلة وفشل الدولة ككل”.
وحسب وزارة العمل السعودية، فقد سجل معدل البطالة انخفاضا خلال السنة الجارية من 11.2 بالمئة ليصل 9.8 وخاصة بطالة النساء التي انخفضت من 26.6 بالمئة إلى 24.9 بالمئة، لكن عدة مراكز أبحاث غير رسمية تشكك في صحة هذه الأرقام.
وكان صندوق النقد الدولي قد أصدر هذه السنة تقريرا يدعو فيه السعودية إلى خلق ملايين فرص العمل، من أجل التصدي لتزايد أعداد العاطلين.
ظاهرة الفقر “نسبية”
يشدد الخبير أديب نعمة على أنه بالنسبة لبلد مثل السعودية، فإنه لا يفترض قياس الفقر بالدرجة الأولى بمستوى الدخل لأن “هذا لا يعبر بشكل حقيقي عن المشكلة واعتماد مفهوم الفقر النسبي”.
ويتابع قائلا إن “حالات الفقر الشديد بالسعودية ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد لكون الفئات المتضررة يمكن أن تكون أكثر عددا لافتقادها القدرة مثلا على تأمين مسكن نتيجة التضخم”.
وللتذكير، فقد انتشر خلال صيف هذه السنة هاشتاغ “الراتب ما يكفي الحاجة” الذي حظي بشعبية واسعة وعرّف العالم عبر موقع تويتر بمعاناة السعوديين نتيجة غلاء الأسعار وسوء توزيع الثروات.
وصرح المدون والناشط السياسي عصام الزامل بأنه مع تقلص فرص العمل في القطاع الحكومي، الذي يعتبر أفضل مورد للدخل، وارتفاع التضخم في البلاد خلال العقد الأخير، فكل أسرة سعودية متوسطة الحجم يقل موردها الشهري عن ألف دولار تعتبر أسرة فقيرة نسبيا.
وشدد على أن التضخم وارتفاع الأسعار خاصة في مجال العقار، أثرت على “الطبقة الدنيا التي تشكل 20 بالمئة من المجتمع السعودي”.
وتفيد إحصائيات لوزارة الاقتصاد السعودية بأن ثلاثة ملايين أسرة سعودية تسكن في منازل تستأجرها، وهو ما يعني أن أسرتين فقط من كل خمس أسر تملك منزلا في السعودية.
وفي إطار الجهود التي تبذلها الحكومة السعودية لمكافحة الفقر والبطالة بالمملكة، أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 2011 عن خطط لإنفاق 37 مليار دولار أميركي على العديد من المجالات منها الإسكان ورفع الأجور وتعويضات العاطلين عن العمل وغيرها من البرامج التنموية.
ولأجل تمكين عدد أكبر من العائلات السعودية من امتلاك بيت، أطلقت مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي 20 مشروعا تتوزع على مختلف مناطق المملكة وبتكلفة إجمالية تقدر بستة مليار و 642 مليون ريال سعودي.
وحسب إحصائيات لوزارة الشؤون الاجتماعية لشهر أبريل/نيسان الماضي فقط صرف أكثر من مليار و155 مليون ريال سعودي كمساعدات لفائدة 785 ألف و 628 حالة.
حنان براي – راديو سوا