كذلك نحن مع أي حل بقطع النظر عن مسماه، يجنب الشعب السوري مزيداً من الدماء، بشرط ألا يكون ذلك الحال تكريساً لحكم الأسد وآله. ولهذا لم نتخذ موقفاً معادياً للذهاب إلى جنيف من حيث المبدأ ولكننا طالبنا على الدوام أن تضع المعارضة شروطاً واضحة وغير منقوصة للذهاب إلى المؤتمر.
لا ننكر أن السادة أعضاء الائتلاف صرحوا بضرورة تخلي الأسد عن السلطة وضرورة تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحية، من أجل حضور المؤتمر. ولكنهم بالكاد ألمحوا إلى مطالب الشعب السوري الأخرى أو الناظمة للشروط السابقة.
يبدو الأسد قوياً في موقفه من الذهاب للمؤتمر، وتبدو المعارضة وكأنها تهرول للذهاب إليه، متذرعة بحقن دماء الشعب السوري. وقد أشرنا سابقاً لما ينبغي على المعارضة أن تفعله في هذا الإطار.
نريد، على الأقل، أن تكون هناك ضمانات دولية مكتوبة ومقدمة للائتلاف بتنحية بشار الأسد عن السلطة، وإلا فما فائدة المؤتمرات إذا كان سيستمر في منصبه. ليس فحسب، بل على الائتلاف أن يطالب بضمانات مكتوبة تبعد كل من شارك بقتل الشعب السوري كرفعت الأسد مثلاً والذي تقوم جهات دولية بالضغط بقوة لاعتباره شريكاً في “محادثات السلام”، ولقد نجحت في ذلك على ما يبدو.
وبالنسبة للعلاقات الخارجية، فيجب أن يكون متفقاً عليه مع الأطراف الدولية منع إيران من حضور ذلك المؤتمر. بعد إيغال الحرس الثوري بدماء السوريين.
وعلى المستوى الداخلي، فمن الطبيعي أن يرفض الائتلاف أي موافقة على حضور المؤتمر إلا بعد أن يعلن الأسد عن سحب قواته من المدن والكف عن قتل الأبرياء، وإطلاق المعتقلين جميعهم. وها قد أعلن الائتلاف موافقته، لكن استمر التدمير والقتل والتهجير، فكيف يسمح هؤلاء المعارضون لأنفسهم بالصبر على كل هذا الأذى الذي يتعرض له السوريون.
ليس فحسب، فطالما وافق الائتلاف على رغبة المجتمع الدولي فلماذا لا تقوم القوات الإيرانية وميلشيات حزب الله والمالكي من الانسحاب من الأراضي السورية على الفور.
لم يكن الائتلاف موفقاً في قراره بالهرولة نحو جنيف، مع عدم اعتراضنا على المبدأ نفسه، وإنما كان عليه أن يضع تلك الشروط التي أوردناها بحيث يتم البدء بتحقيقها فور الموافقة.
الائتلاف، وكما توقعنا سابقاً، وافق سريعاً على حضور المؤتمر مقدماً تنازلاً إثر آخر، وهذا ما بدا واضحاً من خلال تصريحات كيري الأسبوع الماضي والتي قال فيها إن موعد المؤتمر سيحدد قريباً، وهذا يعني أن الرجل قد ضمن موافقة الائتلاف مسبقاً. كما بدا واضحاً من تصرفات الجربا المريبة والتي اضطرته للخلاف مع لؤي المقداد وصفعه أمام الناس على وجهه في سبيل إدخال أحد عشر عضواً كردياً سيصوتون لصالح الحضور. ويبدو ذلك أيضاً من خلال المساعدات التي أعلنت عنها بعض الدول بعد دقيقتين من موافقة المعارضة وهي ستون مليون من الأموال المجمدة في ألمانيا، ومثلها من البنك الدولي وثلاثمائة مليون من السعودية. كما يدل على ذلك الارتجالية في تشكيل حكومة أحمد طعمة، إذ تم بطريقة هزلية، حيث جرى التصويت على أسماء أحد عشر وزيراً، بدلاً من اختيار ذوي الكفاءات في الاختصاص، ومن ذلك أن السيد أسعد مصطفى الذي نقدره ونكن له كامل الاحترام، رضي للأسف أن يكون وزيراً للدفاع، ومع احترامنا له فإن الرجل لا علاقة له بالأمور العسكرية ومن المؤكد أن المكان ليس مكانه، وزيادة على ذلك فقد أسندت له حقيبة الداخلية، وهذا مثال واحد يختصر التسرع في تشكيل هذه الحكومة.
نحن نفهم أن الائتلاف يتعرض لضغوط عالمية شديدة لحضور المؤتمر، على رأسها إسقاط السفيرة دولياً في حلب، وخنق ريف دمشق عالمياً أيضاً ومساعدة الأسد على التقدم نحو القلمون وغيرها في الريف. ولكننا نعلم أن الشعب السوري قد قدم حتى اليوم مائة وثمانين ألف شهيد ونصف مليون معتقل وعدة ملايين مهجر، أفلا تكفي هذه التضحيات حتى يطالب الائتلاف بضمانات دولية مكتوبة تحمي الشعب السوري. وقد قلنا له سابقاً إن لم تستطع فاستقل، فهناك غيرك من يستطيع.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام. فرنسا