جاء في الأخبار بأن مجلس النواب العراقي أقام احتفالية مركزية بمناسبة عيد الغدير، وبحضور شخصيات برلمانية وسياسية ودينية. وذكر مراسل وكالة انباء الاعلام العراقي” إن الاحتفالية اقيمت صباحا في مبنى مجلس النواب وبحضور شخصيات دينية وبرلمانية وسياسية ومنظمات من المجتمع المدني. وقد احتفل المسلمون في العراق والعالم بيوم الغدير، الذي اعتبره البعض بانه يوم لتوحيد المسلمين”. المثير في الخبر إن مجلس النواب كما يفترض كبقية مجالس النواب في العالم يمثل الشعب ككل وليس فئة او طائفة أو محافظة. فهل الشعب العراقي كله يؤمن بما يسمى بعيد الغدير؟ وهل أضاف مجلس النواب عيد ثالث لهم ليحتفلوا به؟ هل هذا الحفل فعلا يوحد المسلمين أم يزيد من تشتتهم وفرقتهم؟ وهل إحتفل مجلس النواب بالعيدين الإسلامين ليحتفل بهذا العيد؟ وهل قاعة النواب ستفتح أيضا في المستقبل لعيد النوروز وعيد بابا شجاع؟ ألا يخجل مجلس النواب من الإحتفال وشوارع بغداد تئن من وطئة ثقل لافتات الشهداء التي تملأ الطرق؟ هل يعرف النواب حقيقة هذا العيد ومن قال به؟ ومن تمسك به؟ وماذا يعني؟ هل يتبع مجلس النواب وصية الخميني الذي فرض على شيعته أن يحتفلوا بهذه المناسبات الصفوية كالغدير والنوروز وبابا شجاع؟ هل جميع النواب يؤمنون بعقيدة الولاية ليحتفلوا به في مجلس الشعب؟ أم هو مجرد إستفزاز لأهل السنة مكملا المشوار الذي بدأه ثائر الدراجي في الأعظمية وهو يشتم أم المؤمنين عائشة وعمر الفاروق؟ وإن كان الدراجي خبل وغير سوي، فهل النواب أيضا بنفس الصفات؟ ما حقيقة المناسبة التي يدعون بأنها توحد المسلمين، هل المسلمون متفقون أصلا حول هذه المناسبة أم هي سهام طائشة يطلقها البعض دون دراية أو فهم أو بقصد فرض الرأي على الآخر، على إعتبار إنه إنتفت الحاجة إلى التقية.
في مقال سابق تحدثنا عن ما يسمى بعيد الغدير، وهو من الأعياد الأربعة الرئيسة للصفويين هو والنوروز يشكلان اهمية أكبر من عيدي الاضحى والفطر المباركين. فقد نسب الأفاقون حديثا للإمام جعفر الصادق”عن المفضل بن عمر قال قلت للإمام جعفر الصادق: كم للمسلمين من عيد؟ فقال: أربعة أعياد. قال: قلت: قد عرفت العيدين والجمعة. فقال لي: أعظمها وأشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجة ،وهو اليوم الذي أقام فيه رسول الله أمير المؤمنين ونصبه للناس علما: قلت: ما يجب علينا في ذلك اليوم؟ قال: يجب عليكم صيامه شكرا لله وحمدا له، مع أنه أهل أن يشكر كل ساعة، كذلك أمرت الأنبياء أوصياءها أن يصوموا اليوم الذي يقام فيه الوصي ويتخذونه عيدا”. (الخصال/264). وفي رواية أحرى عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن الأمام قال: قلت للإمام جعفر الصادق: جعلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال:نعم يا حسن أعظمهما وأشرفهما، قلت: وأي يوم هو؟ قال: هو يوم نصب أميرالمؤمنين صلوات الله وسلامه عليه فيه علما للناس، قلت: جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال: تصومه يا حسن وتكثر الصلاة على محمد وآله وتبرء إلى الله ممن ظلمهم فإن الانبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الاوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا، قال: قلت: فما لمن صامه؟ قال: صيام ستين شهرا، ولا تدع صيام يوم سبع وعشرين من رجب فإنه هو اليوم الذي نزلت فيه النبوة على محمد وثوابه مثل ستين شهرا لكم”.(الكافي/4 كتاب الصيام).
لاحظ إنه قريب في تفاصيله من عيد النوروز الذي ينقل فيه عباس القمي حديثا للصادق أيضا” اذا كان يوم النّيروز فاغتسل والبس ثيابك وتطيّب بأطيب طيبك وتكون ذلك اليوم صائماً فاذا صلّيت النّوافل والظّهر والعصر فصلّ بعد ذلك أربع ركعات أي بسلامين يقرأ في أوّل ركعة فاتحة الكتاب وعشر مرّات اِنّا اَنْزَلْناهُ وفي الثّانية فاتحة الكتاب وعشر مرّات قُلْ يا اَيُّها الْكافِرُونَ وفي الثّالثة فاتحة الكتاب وعشر مرّات قُلْ هُوَ اللهُ اَحَدٌ وفي الرّابعة فاتحة الكتاب وعشر مرّات قُلْ اَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ اَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ وتسجد بعد فراغك من الرّكعات فتقول: اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد الاْوْصِيآءِ الْمَرْضِيِّينَ وَعَلى جَمِيعِ اَنْبِيآئِكَ وَرُسُلِكَ بِاَفْضَلِ صَلَواتِكَ وَبارِكَ عَلَيْهِمْ بِاَفْضَلِ بَرَكاتِكَ وَصَلِّ عَلى اَرْواحِهِمْ وَاَجْسادِهِمْ اَللّـهُمَّ بارِكْ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَبارِكْ لَنا فى يَوْمِنا هذَا الَّذى فَضَّلْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَشَرَّفْتَهُ وَعَظَّمْتَ خَطَرَهُ اَللّـهُمَّ بارِكْ لى فيـما اَنْعَمْتَ بِهِ عَلَىَّ حَتّى لا اَشْكُرَ اَحَداً غَيْرَكَ وَوَسِّعْ عَلَىَّ فى رِزْقِى يا ذَا الْجَلالِ وَالاْكْرامِ اَللّـهُمَّ ما غابَ عَنّى فَلا يَغيبَنَّ عَنّى عَوْنُكَ وَحِفْظُكَ وَما فَقَدْتُ مِنْ شَىْء فَلا تُفْقِدْنِى عَوْنَكَ عَلَيْهِ حَتّى لا اَتَكَلَّفَ ما لا اَحْتاجُ اِلَيْهِ يا ذَا الْجَلالِ وَالاْكْرامِ”. فيغفر لك ذنوب خمسين سنة وتكثر من قولك يا ذَا الْجَلالِ وَالاْكْرامِ”. (مفاتيح الجنان، الفصل11).
هل فعلا أن عيد الغدير أشرف من أعياد المسلمين الأضحى والفطر أيها الإمام؟ أشرف بماذا؟ ولماذا؟ وهل هناك في القرآن والسنة ما يسمى بعيد الغدير، إن كان من أفطر يوم في رمضان وجب عليه أن يصومه فيما بعد، فكيف بمن فاته صوم الغدير أن يفرض عليه صيام(60) شهرا! ومن سنٌ هذه العقوبة؟ ولماذا يصوم خمس سنوات وهناك حل أسهل بكثير من هذه المهمة الشاقة. فقد نسب فتح الله الكاشاني حديثا للنبي(ص) “من تمتع مرة كانت درجته كدرجة الحسين ومن تمتع مرتين كانت درجته كدرجة الحسن ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي بن أبي طالب ومن تمتع أربع مرات كانت درجته كدرجتي”.)منهاج القاصدين/ 353). إنه الحل الأمثل للتخلص من كل الذنوب والكبائر والتقصير في الفروض والشعائر.
ما هي حقيقة غدير خم ليحتفل به مجلس النواب العراقي؟
يلاحظ إن الصفويين إهتموا كثيرا بالروايات التي تتعلق بعقيدتهم فقط، وإنتقوا ما يتوافق منها مع العقيدة ورفضوا الرويات التي تخالفها حتى لو كان مصدرها من رجالهم الشيعة والغلاة. وقد تشعبوا وتوسعوا في الروايات المقتضبة لأنها تعينهم في الإضافة والدس. ومن هذه الروايات قصة غدير خم. لنرى أولا، من هم الأوائل الذين تحدثوا بهذه القصة؟ ستستغرب عندما تعلم أن كل من تحدث بها لم يشهدها ولم يكن أصل في مكة والمدينة حين ذاك، فجميعهم من أهل الكوفة والبصرة! ولم يعاصروا النبي(ص) ولم يولدوا زمن الحادثة، وكانوا من غلاة الشيعة ومن الضعفاء وهم.
سليمان بن قرم التميمي. من اهل الكوفة (توفي سنة 100 هـ). قال عنه الإمام أحمد وابو داود كان مفرطا في التشيع ويقلب الأخبار، وقال عنه إبن كثير” متروك”. وقال عنه إبن حبان” كان رافضيا غاليا في الرفض”. (المجروحين1/332). وقال عنه النسائي” ليس بالقوي”. (الضعفاء الكبير2/137). وقد نسب لجابر حديث عن النبي(ص) ” أنا وعلي يوم القيامة كهاتين، وجمع بين إصبعيه السبابتين”. (الكامل في الضعفاء3/1107). ومن أفكه إنه نسب لعبد الله بن عمر القول” كان الحكم بن العاص يجلس إلى الرسول(ص) وينقل حديثه إلى قريش، فلعنه الرسول وما خرج من صلبه إلى يوم القيامة”. (تأريخ الإسلام للذهبي3/367). وعلق الإمام الذهبي بأنه إنفرد بهذا الحديث وهوضعيف. وإن أصر البعض على أمانته فعليهم قبول كل أقواله ومنها”سألت عبد الله بن الحسن: هل في قبيلتنا كفار؟ فقال: نعم الرافضة”. (الكامل في الضعفاء3/1106).
أبو قدامة حبة بن جورين العرني. من أهل الكوفة توفي سنة 76 هـ. قال الذهبي” كان من غلاة الشيعة”. (المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكبن لإبن حبان البسني1/267). وقال ابن حجر” كان غاليا في التشيع”. (ميزان الإعتدال في نقد الرجال1/450). وقال عنه ابن الجوزي” حبة لا يساوي حبة فهو كذاب”.( الموضوعات1/342). فقد زعم بانه شهد معركة صفين وكان فيها(80) صحابي من أهل بدر! وسفه رأيه إبن الجوزي والذهبي وقالا هذا محال. فقد أقحم الصحابيان الوليد بن عقبة وعبد الله بن أبي السرح في المعركة في حين كلاهما إعتزل الفتنة(طبقات إبن سعد6/25) كما هو معروف.
ومن أكاذيبه خروج راهب مع علي في معركة صفين أطلعه على كتاب بخط عيسى فيه أخبار وصفات النبي(ص) ومناصرته لعلي، وأخبار أمته من بعده والأئمة الإثنى عشر، وقد قُتل الراهب في صفين فصلى عليه علي ودفنه. (راجع كتاب الهلالي السقيفة/152). ومن أكاذيبه التي نسبها للإمام علي قوله” بُعث النبي(ص) يوم الإثنين وأسلمت يوم الثلاثاء”. (مسند إبن يعلي1/348). ومن المعروف إن أول من آمن بالنبي(ص) زوجته خديجة وأبو بكر وبلال وزيد ثم علي، وكان غلاما لم يبلغ الحلم بعد.
سلمة بن كهيل سلمة بن كهل. من أهل الكوفة ( ولد عام 44 هـ وتوفي سنة 121 هـ)، أصله من همدان وهو من نسب للنبي(ص) القول” من كنت مولاه فعلي مولاه”. (أخرجه الترمذي5/633)، وكذلك نسب للنبي(ص) القول ” أنا دار الحكمة وعلي بابها”.(أخرجه الترمذي5/637). قال عنه أصحاب كتب الرجال كان حسنا ولكن فيه تشيع. فقد روى عن سلمان الفارسي بأن الرسول(ص) قال” أولكم ورودا علي الحوض، أولكم إسلاما علي بن أبي طالب”. وهذا غير صحيح تأريخيا فهو لم يكن أول من أسلم وكان غلاما لا يعتد به. (الإستيعاب في معرفة الاصحاب3/28).
يزيد بن أبي زياد. من أهل الكوفة (توفي سنة 136 هـ)، قال عنه إبن عدي” من شيعة اهل الكوفة”. (الكامل في الضعفاء7/2730) كذلك إبن حجر. أما إبن سعد فقال عنه” إختلط في آخر عمره فجاء بالعجائب”. (الطبقات الكبرى6/340). وهونفس رأي إبن حجر” ضعيف كبر، فتغير وصار يتلقن”. (تقريب التهذيب/7717). ونصح إبن المبارك” إرمِ بهِ”. (تهذيب التهذيب11/330). وقد روى حديثا منكرا نسبه للنبي(ص) في معاوية وعمر بن العاص” اللهم أركسهما في الفتنة ركسا، ودعهما في النار دعا”. (سير أعلام النبلاء6/131) مع إن علي من ركس في الفتنة أيضا. وهو صاحب القول” فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، إلا ما كان من مريم بنت عمران”. (مسند أحم3/62). ولا نفهم لماذا فاطمة وليس أمها خديجة الكبرى؟ وما الذي قدمته فاطمة للإسلام لتكون سيدة نساء أهل الجنة؟
علي بن زيد بن جدعان التيمي.من أهل البصرة ولد في خلافة يزيد(60 ـ 64) وتوفي عام 131 هـ وقد ولد أعمى وتوفي بالطاعون. قال عنه أبو حاتم كان يتشيع، وقال إبن عدي” كان يغالي في التشيع”.((الكامل في الضعفاء5/1845) وقال عنه الإمام أحمد” ضعبف وليس بشيء”. وقال البخاري” لا يحتج به” .(سير أعلام النبلاء5/207)، وقال عنه حماد”كان يقلب الأحاديث”. (ميزان الإعتدال/3127).
أبو بكر فطر ابن خليفة المخزومي. من اهل الكوفة توفي عام(155 هـ). قال عنه الإمام أحمد بن حنبل” خشبي مفرط، كان يغلي في التشيع”. (المعرفة والتأريخ2/157). ووصفه الإمام الذهبي”كان شيعيا جلد”. (الكاشف2/323). وقال عنه الجوزجاني”زائغ غير ثقة”. ( أحوال الرجال/66). وقد تركه أبو بكر بن عياش لسوء مذهبه. وكان من روى قول النبي(ص) لعلي” أنت مني بمنزله هارون من موسى”. بإسناد ضعيف (الطبقات الكبرى2/24). وقد إدعى بأن عدد من قتل من نسل فاطمة(17) رجلا، وهذا غير صحيح لأن من قتل من أهل بيته من نسل فاطمة وغيرها(16) رجلا. فأم البنين مثلا وهي بنت حزام بن خالد بن جعفر بن ربيعة بن كلاب قتل مع الحسين أربعة من أولادها(العباس وعثمان وجعفر وعبد الله. (الطبقات الكبرى3/20).
جعفر بن سليمان الضبعي. من أهل البصرة توفي سنة 178 هـ. وقد منعه يزيد بن زويع من حضور مجلسه لأنه ينسب إلى الروافض(ميزان الاعتدال1/408). وصفه الإمام الذهبي” محدث الشيعة”. (سير اعلام النبلاء8/197)، وقال عنه ابن حجر كان يتشيع(تقريب التهذيب/842). أما علي بن المديني فقد قال عنه” كتب مراسيل، فيها أحاديث مناكير”. (كتاب العلل/72) وقد سئل الضبعي عن سب ابو بكر وعمر فقال: أما الشتم فلا، ولكن البغض ما شئت”. (سير اعلام النبلاء8/198).
هؤلاء هم رواة قصة الغدير أيها المحتفلون في مجلس الشعب! وهذا حالهم وقد قال الإمام علي “أما أنه ليس بين الحق والباطل، إلا أربع أصابع، فسُئل عن معنى قوله؟ فجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه ثم قال: الباطل أن تقول: سمعت. والحق أن تقول: رأيت”. إن كان تفريق الإمام علي بين الحق والباطل على هذا الأساس، بدورنا سنعتمده لأنه يمثل الحق والحقيقة معا.
يلاحظ إن الروايات حول الغدير مختلفة عن بعضها وكل فريق يأخذ بالرواية التي تتوافق مع عقيدته من العلم إن خطبة الغدير والادعاء بوصاية الامام علي، والإدعاء بأنها كانت في حجة الوداع مع نزول الآية الكريمة من سورة المائدة/67(( يا ايها الرسول بلغ ما أنزل اليك وان لم تفعل فما بلغت رسالته)). يخالف ما أجمع عليه المفسرون في اسباب نزولها، فالاية نزلت في عام الحديبية عند رجوع النبي(ص) الى المدينة ولم تنزل في حجة الوداع، وبين الحديبية والوداع أربعة اعوام، والامام علي كان وقتها في اليمن ولم يكن مع النبي(ص).
ولو فرضنا جدلا بأنها كانت بعد إنتهاء حجة الوداع والعودة إلى المدينة، فالتوقيت كان غير مناسبا لأن المسلمين قد تفرقوا إلى أمصارهم ولم يبق مع النبي(ص) إلا نفر قليل من أهل المدينة ومكة، وكان من الأنسب أن يطرح النبي(ص) مسألة الخلافة في تجمع المسلمين في عرفة وليس بعد إنفضاضهم ورحيلهم، سيما إن وجود عدد من مسلمي الأمصار البعيدة يعد فرصة ثمينة، لانهم سيبلغوا الناس بحديث النبي(ص) فينتشر الخبر. أما إدعاء الصفويون بأن النبي(ص) لم يبلغ بولاية علي خوفا من إنفضاض المسلمين من حوله، كما ذكر الخميني” إن النبي أحجم عن التطرق إلى الإمامة في القرآن لخشية أن يصاب القرآن من بعده بالتحريف، أو تشتد الخلافات بين المسلمين فيؤثر ذلك على الإسلام”. (كشف الأسرار/149). فهذا الأمر في غاية الحماقة والسخافة، لأنه أولا: ينفي وصية النبي(ص) بولاية علي ولم يبق من حجة لهم. ثانيا: ما الداعي لخوف النبي(ص) من المسلمين وهو نبيهم الذي يطيعون أوامره بحذافيرها؟ فإن كان الخوف عن نفسه فهذا يعني الطعن في شجاعته، وإن كان الخوف على إبن عمه علي، فهذا إعتراف بأن المسلمين كانوا يبغضون عليا! وهذا لا يخدم غرضهم. ثالثا: إن كان خوفا على القرآن. فهذا لا يصح أيضا لإن مهمة حفظ الإسلام بيد الله وحده، فقد جاء في سورة الحجر/9 ما يريد هذا((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)).
أما من يدعي بأن الحديث وارد في كتب أهل السنة كإبن حجر الهيثمي وسبط بن الجوزي وغيرهم، فهذا الأمر صحيح، لكن ليس بالصورة التي يعكسها الصفويون! ولا يوجد هناك إتفاق وتوافق بشأن أحداثها؟ ولا يوجد رواة لها من غير أهل الكوفة والبصرة الذين مرٌ ذكرهم؟ ذكر مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال” قام رسول الله ( ص) يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله، ثم قال وأهل بيتي”. (صحيح مسلم7/122). هذا هو الحديث الذي تشير إليه مصادر أهل السنة بلا زيادات. كما إن قول النبي(ص) حسب رواية المغرضين بإضافة المقاطع الأخيرة” من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار”. لا علاقة لها بالخلافة عن قريب أو بعيد لوجود آيات أخرى تتحدث عن الولاية بصيغ مختلفة، فالله سبحانه وتعالى ولي، فقد جاء في سورة محمد /11 (( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم)). وللمؤمنين أولياء وللكفار أيضا أولياء. فقد جاء في سورة التوبة/71((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )). وفي سورة الأنفال/73((والذين كفروا بعضهم أولياء بعض)). سورة الانعام/129((وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون)). فلا علاقة للولاية بالخلافة. وهناك خلط لغوي في كلمة الوَلاية فهي بفتح الواو تعني المودة والتضامن والولاء أي ضد العداوة، والاسم منها مولى ووليّ، والوِلاية بكسر الواو عنت الإمارة والرئاسة، والاسم منها والي ومتولي. وهذا ما يتضح في الآيات الكريمة السابقة. كما إن الله تعالى لم ينصر الإمام علي على معاوية، ولم يدر معه الحق عندما نصح النبي (ص) بطلاق عائشة بعد حادثة الأفك! فبرأها الرحمن وخذل الإمام ونصحه.
ولغرض معرفة الحقيقة عن غدير خم لاحظ التالي.
أولا: يدعي الشعوبيون بأن عدد الحضور في الغدير(120) ألف مسلم وهناك من أوصلهم إلى اكثر من مليون في مبالغة واضحة. السؤال: لماذا لم يحاجج أي من هؤلاء الآلاف وفيهم كبار الصحابة بولاية علي في إجتماع السقيفة؟ بل لم يطرح أصلا إسم علي كخليفة. ولماذا لم يحاجج الإمام علي بنفسه خلال بيعة أبي بكر مطالبا بحقه في الخلافة؟
ثانبا: عندما تولى ابو بكر البيعة في السقيفة وهي بيعة أولية، أتفق عليه المهاجرون والأنصار وكبار القوم، تلتها البيعة الرئيسة وهي في المسجد الذي القى فيها أبو بكر كلمته المشهورة. لماذا لم يعترض أي من المسلمين على البيعة في المسجد أو يرفضوها، ويحاججوا أبي بكر ببيعة علي؟
ثالثا: يعتبر كتاب نهج البلاغة من أهم المصادر عند الإمامية، والمثير في الكتاب إنه لم يرد أي حديث عن غدير خم، ولا عن بيعة الإمام علي فيه، في حين ورد فيه الكثير من الزيادات والتحريفات. لماذا تجاهل خم في حين تناول أمور منها ما يتعلق بولاية علي؟
رابعا: يأخذ الإمامية بالكثير من أحاديث إبن عباس، لكنهم لا يأخذون بقوله الذي أورده الطبري، عندما كان النبي(ص) على فراش الموت وطلب إبن عباس من علي أن يستوضح الأمر منه فيمن سيخلفه؟ فكان جواب الإمام علي” والله لئن سألناها فمنعناها، لا يعطيناها الناس أبدا، لا والله لا أسألها رسول الله ابدا” تأريخ الطبري2/371). وأوردها البخاري”قال العباس لعلي فاذهب بنا إلى النبي فنسأله فيمن هذا الأمر؟ فإن كان فينا عرفناه وإن كان في غيرنا أمرناه فوصاه بنا”. (صحيح البخاري/7/136). وذكر أبن كثير بأن هذه المحاورة جرت يوم وفاة النبي”يوم الاثنين يوم الوفاة، فدل على أن النبي(ص) توفي عن غير وصية في الإمارة”. (البداية والنهاية5/251). وقد أكد عن ابن عباس” أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوصِ”(مصنف ابن أبي شيبة11/207). وجاء في كتاب المغازي” ذكروا عند عائشة أنّ عليًّا كان وصيًّا فقالت: متى أُوصِيَ إليه؟ وقد كنت مسندته إلى حجري فدعا بالطّست، فلقد انخنث في حجري فما شعرت أنّه قد مات. فمتى أوصى إليه؟ (كتاب المغازي5/143).
خامسا: لقد رفض الإمام علي الإمارة وقنع بالوزارة! فهل هذا يعني إنه لم يحترم النص الألهي الخاص بولايته؟ حيث يدعي البعض أن ولاية الأئمة بنص إلهي، مع إن الخميني ينفيها بقوله” لو كانت مسألة الإمامة قد تم تثبيتها في القرآن، فإن أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة كانوا سيتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته ويسقطون القرآن من أنظار العالمين إلى الأبد”. (كشف الأسرار/130). ولم يحترم الإمام علي وصية الرسول له بالولاية! أو إنه لا يوجد أصلا نص بخلافته. وهذا ما يذكره الطوسي حول الإمام علي قبل موته” روى عن أبى وائل والحكيم عن علي بن أبى طالب عليه السلام أنه قيل له: ألا توصي؟ قال: ما أوصى رسول الله (ص) فأوصى، ولكنه قال: إن أراد الله خيراً فيجمعهم على خيرهم بعد نبيهم” (تلخيص الشافي2/372)
سادسا: جاء في نهج البلاغة بأنه لما أخبر علي بدعوة الأنصار بن الإمامة فيهم قال لهم” فهلا احتججتم عليهم بأن رسول الله (ص) أوصى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم؟ أجابوا: وما في هذا من الحجة عليهم؟ قال: لو كانت الإمامة فيهم لم تكن الوصية بهم”. ( نهج البلاغة/ 97). حسنا! هنا نقف أمام حقيقة وإن كانت شديدة الوقع، وهي لماذا إذن يوصي النبي(ص) بأهل بيته إن كانوا هم الخلفاء من بعده؟ أليس الأولى أن يوصي بغيرهم ممن سيكونوا رعية لهم. ولمن وجه هذه الوصية؟ فقد ورد عن عبد الله بن عباس قال إنّ علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلّب، والفضل بن العباس دخلوا على رسول الله (ص) في مرضه الذي قبض فيه ، فقالوا: يا رسول الله هذهِ الأنصار في المسجد تبكي رجالها ونساؤها عليك. فقال: وما يبكيهم؟ قالوا: يخافون أن تموت .فقال أعطوني أيديكم. فخرج من ملحفة وعصابة حتّى جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال: أمّا بعد أيّها الناس فما تنكرون من موت نبيّكم؟ ألم أنع اليكم وتنع اليكم أنفسكم، لو خلّد أحد قبلي ثمَّ بعث اليه لخلّدت فيكم، ألا إنّي لاحق بربّي، وقد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب الله تعالى بين أظهركم تقرؤونه صباحاً ومساءً، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخواناً كما أمركم الله .وقد خلّفت فيكم عترتي أهل بيتي، وأنا أُوصيكم بهم”.
لقد تخبط مجلس النواب العراقي في حفله بعيد الغدير مثلما تخبط الخميني بحديث خم فهو تارة يذكر” نحن نعتقد بالولاية، ونعتقد ضرورة أن يعين النبي خليفة من بعده، وقد فعل”. (الحكومة الإسلامية/18). لكنه يخالف كلامه السابق مدعيا بأن النبي(ص) لم يبلغ بالولاية بقوله” وواضح أن النبي لو كان قد بلغ بأمر الإمامة طبقاً لما أمر الله به وبذل المساعي في هذا المجال لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك، ولما ظهرت خلافات في أصول الدين وفروعه”. (كشف الأسرار/55). إنها حزورة فعلا! ساعدونا في حلها.
علي الكاش
كاتب عراقي